في ساعات مسحت سلطات الدار البيضاء واحدة من أقدم العمارات السكنية لحي العنق، كان المشهد أشبه بمقطع من أفلام الرعب، حين وقف سكان العمارة غير بعيد عن مسرح الهدم يتابعون لحظات الهدم.
كانوا يتبادلون النظرات يصادرون الدموع يبتلعون ريق النكبة في صمت، بينما لجأ الأبناء إلى تصوير مشهد مسح العمارة الصامدة ضد عاديات الزمن بهواتفهم الذكية، ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي مرفوقة بعبارات أشبه بتأبين ميت.
فجأة أصبحت عمارة العنق المطلة على البحر في خبر كان، ذنبها انها منفردة وتستمتع بإطلالة على المحيط الأطلسي، في ساعات تحول بعض قاطنيها إلى شعراء يناجون أمواج البحر ويشكون لها شر حاسد إذا حسد.
لم يصدق أبناء حي العنق حكاية المسح، وقد قاموا بتزيين عمارات الواجهة البحرية بجداريات ورسومات تستحضر الإنجاز التاريخي الذي بصم عليه المنتخب المغربي لكرة القدم في نهائي كأس العالم 2022. لكن المفارقة العجيبة أن تحمل العمارة المهدومة جدارية تأبين الفتى ريان ويصيبها ما أصابه.
رحمهما الله ومتع أهل العمارة بالصبر والسلوان.
رحمهما الله ومتع أهل العمارة بالصبر والسلوان.
يبدو أن ساكنة عمارة العنق قد أكلوا يوم أكل الثور الأبيض، يوم مسح حي "لمخازنية" المجاور من خريطة الدار البيضاء، وأصبحت منارة العنق شاهدة على نهاية تجمع سكني لطالما تقبل أضواءها وصوتها وضجرها.
سكن اليهود المغاربة عمارات حي العنق وعاشوا في دروبه صور التعايش الديني والإنساني، قبل أن يرحلوا تاركين وراءهم مساكن آوتهم من خوف.
لكن ما يميز سكان هذا الحي، حفاظه على مكونه البشري والمعماري، فلا وجود لقاطنين رحل ولا اختراق لمهاجرين وكأن الحي محصن ضد الدخلاء.
أنجب حي العنق مبدعين من كل المجالات، في الأدب والفن والرياضة وفي كل ما يتطلب لمسة إبداعية، أبناؤه كانوا يداعبون الكرة في شاطئ "بيبسي" وفي الفضاءات المتاحة بين حي بوركون ولهجاجمة.
في هذه العمارات المتراصة، ولد مصطفى مديح المدرب السابق للمنتخب الوطني المغربي، ومن ملاعبها المتربة تخرج لاعبون حملوا الصفة الدولية وحملوا قمصان الوداد والرجاء والراك ونجم الشباب، على غرار اللاعب الدولي مصطفى هيدامو وعائلة بكاري التي كانت تشكل فريقا للميني فوت، وعلي زهير وفوزير واللائحة طويلة.
في هذه العمارات المتراصة، ولد مصطفى مديح المدرب السابق للمنتخب الوطني المغربي، ومن ملاعبها المتربة تخرج لاعبون حملوا الصفة الدولية وحملوا قمصان الوداد والرجاء والراك ونجم الشباب، على غرار اللاعب الدولي مصطفى هيدامو وعائلة بكاري التي كانت تشكل فريقا للميني فوت، وعلي زهير وفوزير واللائحة طويلة.
أنجب العنق والي الدار البيضاء السابق خالد سفير، الذي لعب الكرة قبل أن يمارس السلطة، ومن "باطيماته" خرجت نواة مجموعة نجوم بوركون الشعبية، بقيادة مصطفى سمرقندي والزيتوني وباقي الرفاق.
حي العنق كان يعيش بين منزلتي الحي الشعبي والراقي، ففيه كورنيش يرسل نسائمه على السكان، وفي جنباته أفخر مطاعم زمان: كابسون وبتي روشي وغيرهما.
العنق هو أكثر من تجمع سكني، إنه عنق المدينة الذي يمر عبره الراكضون نحو صخب العاصمة الاقتصادية، لهذا كان المهندس الفرنسي لابارد، وهو يضع مسودة منارة حي العنق، يعلم أن منارته لن تهدي البواخر والمراكب بل سيهتدي إليها البيضاويون ليغبطوا ساكنة الحي على استمتاعهم بنسائم المحيط ورمال شاطئ عين الذئاب وضوء المنار وهم تحت حماية حي "ديور لمخازنية"، ومركز اجتماعي يرقد على جنبات المنارة يأوي كل من اختلت عقارب دماغه.
العنق هو أكثر من تجمع سكني، إنه عنق المدينة الذي يمر عبره الراكضون نحو صخب العاصمة الاقتصادية، لهذا كان المهندس الفرنسي لابارد، وهو يضع مسودة منارة حي العنق، يعلم أن منارته لن تهدي البواخر والمراكب بل سيهتدي إليها البيضاويون ليغبطوا ساكنة الحي على استمتاعهم بنسائم المحيط ورمال شاطئ عين الذئاب وضوء المنار وهم تحت حماية حي "ديور لمخازنية"، ومركز اجتماعي يرقد على جنبات المنارة يأوي كل من اختلت عقارب دماغه.
بعد قرن من الزمن ستنتهي صلاحية المركز الاجتماعي وسيرحل إلى تيط مليل، وستمسح ديور لمخازنية وسيرحلون خارج المدينة، وستمسح العمارة التي تجرأت ووقفت في وجه نسائم المحيط الأطلسي، وستصبح مطاعمه الفاخرة مجرد آثار سار بذكره الندامي، وحدها المنارة تقف منتصبة القامة شاهدة على العصر.