ابتلينا منذ زمن بلغة خشبية تواصلية في قطاع التعليم، لغة تشعرك وكأنك في حفل تجديد بيعة وولاء لمركزية تعليمية لا تعرف إلا الخطاب الرسمي المعلب...
لغة متحجرة تأتينا عبر عبارات تقتل الذوق اللغوي مثل: "تنزيلًا"، "تنفيذًا"، "في إطار البرنامج"، "علاقةً"، و"أجرأةً"، وصولًا إلى "تطبيقًا للدعامة"، و"تنفيذًا للمذكرة الصادرة في شأن كذا وكذا". وهكذا دواليك، حتى أصبحت كل حركة إدارية أو تربوية، مهما كانت بسيطة، مغلفة بزخم من المصطلحات الفارغة.
من أصغر المبادرات التربوية إلى احتفالات مدرسية عادية، ومن اجتماعات تنظيمية إلى لقاءات ذات عناوين براقة وامتدادات فارغة، نجد أنفسنا غارقين في شعارات مثل: "مدرسة دامجة"، "مواطنة"، "حكامة"، "انفتاح"، و"شراكة"... واليوم أخونا برادة يتحدث عن المجتمع المدني والأنشطة الموازية...
فليسل المفتشين فهم أوثق رأيا... متى قطعنا مع" مفهوم الأنشطة الموازية " ومررنا إلى زمن الأنشطة المندمجة.... الأفقية ضمن منهاج نشط.... لا أنشطة عمودية.... ضمن مناسباتية المناشط..
فلا يكفي أن تُصبغ الجدران بلون جديد لتعلن عن "مرجعية" جديدة تروق للمركز...
والأغرب أن الأمر لم يتوقف عند الشعارات، بل وصل إلى حد مشاركة مدير أكاديمية في صباغة حائط، وكأنه يقول: "حتى أنا منخرط!"...
الله يعط الصحة... هكذا يكون الانخراط... صباغة بيت من الخارج وهو يحترق...
أما جمعية التعاون المدرسي، تلك "المومياء" الإدارية، فلا تزال تنبض بميزانيات تجمع من جيوب التلاميذ، وتُحول سنويًا للجمعية الأم رحمها الله، وجزء منها لجمعية المخيمات المدرسية، رغم أن هذه الأخيرة أصبحت أثراً أو ذكرى..
وفي خضم هذا العبث، يخرج علينا بعض "المديرين" (لا أقول مدراء، احترامًا للغة) بلغة ملغومة: "تنزيل"، "تنفيذ"، "شراكة"، و"دمج". لكن، مهلاً، أين هو الدمج؟ الواقع يقول إن أكثر الأطفال ذوي الإعاقة لفظتهم المدارس إلى الشوارع، حيث يتسولون في"المدرارات" ، لأن الدمج في هذه المنظومة ليس سوى خرافة تربوية وأسطورة بيداغوجية تُروى في الندوات.
نريد قادة تربويين لا تشغلهم الكراسي عن المبادرة والإبداع، وهم موجودون... لكن فوبيا المركز تقتل الابتكار...
قادة لا تُسيرهم مزاجية عامل غاضب لأنه لم يحتسِ قهوة الصباح، ولا مدراء إقليميين أو جهويين يلهثون وراء رضا المركز. نريد قادة مثل "الحافي"، الذي كان له كبرياء المعرفة وفخر الانتماء وندية الموقف.
نريد لغة جديدة تبرز الإبداع وتحرر الفكر من عبودية المركزية...
نريد قيادات تفكر ولا تدور في حلقة مفرغة... نريد فك الارتباط بمزاج الجنرالات التربوييين.... فهو يفكرون بالأسود والابيض...
نريد أن نتوقف عن صباغة الجدران، لأن الكتابة على الجدران
ستقودنا، بلا شك، إلى الكتابة على جدران المحيط.
وأخيرًا، سي برادة، أين أموال جمعية التعاون المدرسي؟ وأين ذهبت أموال جمعية المخيمات المدرسية؟
كفى من لغة "تنزيلًا" و"تفعيلاً"، فقد آن أوان ثورة تدبيرية حقيقية، تبدأ بتحرير العقول قبل إصلاح البنيات التحتية... لأن من يصل إلى الكرسي بفضل غيره، يبقى أسير لغته.
خالد أخازي: رواية وإعلامي