على ضوء الاختطاف التي تعرض له سائقو الشاحنات المغربية في الحدود بين بوركينافاسو والنيجر من المهم الوقوف على الوضع الأمني الذي تعيشه منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء من تنامي للجماعات الارهابية.
غير أن أي قراءة تستوجب فهم الديناميات الجديدة في المنطقة. فالتنافس في منطقة الساحل بين المغرب والجزائر ليس مجرد صراع نفوذ، بل يعكس أبعادًا استراتيجية عميقة ومتداخلة. المغرب، الذي تبنى رؤية شاملة تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يعمل على لعب دور محوري في استقرار المنطقة من خلال مبادرات تستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز الأمن الإقليمي. وقد أطلق المغرب مبادرات استراتيجية مثل "المبادرة الأطلسية"، التي تهدف إلى تسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، مما يفتح أمام هذه الدول آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية والاندماج في الأسواق العالمية.
فعلاقات المغرب مع دول الساحل تتميز بالتعاون العميق القائم على أسس الشراكة المتكافئة. من خلال تقديم الدعم في مجالات متعددة، مثل تدريب الأئمة والقادة الدينيين لمكافحة التطرف، وإنشاء بنية تحتية طبية، وتعزيز شبكات البنوك المغربية مثل «بنك إفريقيا»، يثبت المغرب أنه شريك يعتمد على «القوة الناعمة» لتعزيز الاستقرار الإقليمي. إضافة إلى ذلك، يسعى المغرب لتعزيز التبادل التجاري مع دول الساحل، حيث تمثل الشاحنات المغربية حلقة وصل حيوية لنقل السلع والخدمات إلى هذه الدول، ما يعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
غير أن الجزائر تنظر إلى هذا الدور المتنامي للمغرب بعين الريبة، وتسعى إلى تقويض هذه الشراكات بكل الوسائل الممكنة. هذا التوجه الجزائري ليس جديدًا، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد لعرقلة النفوذ المغربي في المنطقة. وقد شهدت المنطقة في فترات سابقة حوادث استهدفت الشاحنات المغربية، التي تلعب دورًا أساسيًا في تأمين الإمدادات التجارية لدول الساحل. هذه الحوادث ليست معزولة بل تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى عرقلة التعاون المغربي مع دول غرب إفريقيا.
من الناحية الاستراتيجية، يمثل التعاون بين المغرب ودول الساحل أهمية كبرى على المستويات الاقتصادية، الأمنية، والجيوسياسية. فاستقرار المنطقة يُعد مفتاحًا للتنمية المستدامة، ليس فقط لدول الساحل، ولكن أيضًا لأمن شمال إفريقيا وأوروبا. بفضل سياساته المتوازنة ودوره كجسر بين إفريقيا وأوروبا، يرسخ المغرب مكانته كفاعل رئيسي في صياغة مستقبل مستقر ومزدهر للمنطقة. في المقابل، تُظهر محاولات الجزائر لإفشال هذه الجهود أن المنطقة ليست فقط مسرحًا للتعاون، ولكنها أيضًا ساحة لصراع استراتيجي يعكس رؤى متباينة لمستقبل الساحل.
للإشارة فحالة الاختطاف ليست معزولة وقد سبقتها أحداث أخرى استهدفت الشاحنات المغربية التي تشتغل و تمد مجموعة من الدول في إطار التبادل التجاري بين المغرب ودول المنطقة. في هذا الصدد، تشهد منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء تصاعدًا ملحوظًا في نشاط التنظيمات الإرهابية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في واحدة من أكثر المناطق حساسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفقًا لتقارير موثوقة لعام 2023، ارتفعت أحداث العنف المرتبطة بالجماعات الإرهابية بنسبة 22%، في حين شهدت الوفيات الناجمة عن هذا النشاط زيادة حادة بلغت 48% مقارنة بعام 2022، مما يمثل رقمًا قياسيًا غير مسبوق. تتعدد التنظيمات الإرهابية الناشطة في هذه المنطقة، إلا أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» بقيادة إياد أغ غالي تمثل القوة الرئيسية المسؤولة عن 77% من العمليات الإرهابية و67% من الوفيات.
كذلك، ينشط تنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" بشكل كبير، خاصة في مالي وبوركينا فاسو، ويعد من أخطر التهديدات في المنطقة. في هذا السياق، يتفاقم الوضع الأمني في الساحل نتيجة عوامل متعددة، أبرزها ضعف الحكومات المركزية التي فشلت في وضع خطط استراتيجية ناجحة لمواجهة التنظيمات الراديكالية، بالإضافة إلى التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى مثل فرنسا وروسيا والولايات المتحدة والصين، مما ساهم في زيادة حالة عدم الاستقرار. كما أدى انسحاب العمليات العسكرية الدولية، مثل عملية «برخان» الفرنسية، إلى خلق فراغ أمني استغلته التنظيمات الإرهابية لتعزيز وجودها وتوسيع نفوذها.
في مواجهة هذه التهديدات، تتطلب المنطقة تبني مقاربة شاملة ترتكز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، ودعم القدرات الأمنية المحلية من خلال التدريب والتجهيز، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف، بما في ذلك تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة. وفي سياق متصل، تبرز حوادث استهداف الشاحنات المغربية في المنطقة كمؤشر على تعقيد المشهد الأمني. ففي 18 يناير 2025، اختفت ثلاث شاحنات مغربية وأربعة سائقين على الحدود بين بوركينا فاسو والنيجر، وهي منطقة تشهد نشاطًا مكثفًا للجماعات المسلحة. وقعت هذه الحادثة بعد أن انطلقت قافلة تضم 13 شاحنة من بلدة «دوري» نحو «تيرا»، حيث قرر أربعة سائقين المغادرة مبكرًا دون انتظار المرافقة الأمنية المعتادة. وتشير التقارير إلى أن هذه الحوادث ليست الأولى من نوعها؛ إذ تكررت عمليات استهداف الشاحنات المغربية، مثل الهجوم الذي تعرضت له 30 شاحنة مغربية في 8 يناير 2025 على الحدود بين مالي وموريتانيا.
هذه المنطقة الواقعة في شمال شرق بوركينا فاسو، حيث اختفى سائقو الشاحنات، تشهد تصاعدًا في حالة انعدام الأمن وتكرارًا للهجمات العنيفة. ففي 11 يناير، وقع هجوم في نفس المنطقة، تحديدًا بين دوري وسيتيغا، مما أسفر عن مقتل 18 جنديًا وعدد من المدنيين. وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS) المسؤولية عن هذا الهجوم الوحشي، وهو تنظيم معروف بأنشطته المزعزعة للاستقرار في منطقة الساحل. وتُظهر هذه الأحداث المتكررة هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، حيث تواصل الجماعات المسلحة استغلال ضعف الحضور الحكومي لفرض نفوذها والتسبب في معاناة السكان المحليين والقوات الحكومية على حد سواء. تشير الدلائل إلى أن الجماعات الإرهابية، مثل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» و«تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، تسعى إلى استهداف الشاحنات المغربية لعدة أسباب، منها الضغط الاقتصادي وتعطيل الحركة التجارية، فضلاً عن السعي للحصول على فدية مالية أو توجيه رسائل سياسية للحكومات والدول المستهدفة.
في هذا السياق المتأزم، يبدو أن الجماعات الإرهابية تستغل تصعيدها لاستهداف المصالح المغربية في منطقة الساحل، مما يشير إلى محاولة واضحة لتقويض العلاقات المغربية مع دول المنطقة. حوادث اختطاف الشاحنات المغربية، وآخرها اختفاء ثلاث شاحنات وأربعة سائقين مغاربة على الحدود بين بوركينا فاسو والنيجر في يناير 2025،ليست سوى جزء من هذه المحاولات. الجدير بالذكر أن هذه الحادثة وقعت في منطقة ذات نشاط مكثف لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويبرز مخاطر العمليات الإرهابية التي لا تقتصر على استهداف الموارد بل تمتد لضرب الشراكات الاقتصادية والإقليمية. تكرار استهداف الشاحنات المغربية، كما حدث في الهجوم على 30 شاحنة في يناير 2025 على الحدود بين مالي وموريتانيا، يعكس استراتيجية هذه الجماعات لضرب الحركة التجارية المغربية في منطقة الساحل.
يبدو أن الأهداف متعددة، تشمل الضغط الاقتصادي، تعطيل المشاريع التجارية، والتأثير على صورة المغرب كفاعل رئيسي في الاستقرار الإقليمي. كما تسعى هذه الجماعات إلى إرسال رسائل سياسية تهدف إلى زعزعة الشراكات التي يدعمها المغرب مع دول المنطقة. وتأتي هذه الجهود استكمالاً لنجاحات سابقة، حيث نجح المغرب في تحرير دراجين مغربيين اختطفا في المنطقة عام 2023. يتطلب الوضع الراهن اتخاذ خطوات جادة لتعزيز الأمن والاستقرار، تشمل تحسين التنسيق الاستخباراتي بين الدول المعنية، وتأمين طرق النقل عبر توفير مرافقة أمنية للقوافل التجارية، ومكافحة مصادر تمويل الإرهاب، وتقديم التدريب والتوعية للشركات والسائقين حول التعامل مع المخاطر الأمنية.
تأتي هذه التطورات في خضم الصراع الكبير بين الحكومة المالية و الجزائرية. فسلطات باماكو اتهمت الجزائر بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة. الجزائر وجدت نفسها تحت الأضواء بشكل متزايد في السنوات الماضية بسبب دورها الغامض والمثير للجدل في المنطقة وما حولها. فمن جهة، تدّعي الجزائر موقع القيادة في الأمن الإقليمي، وتقدم نفسها كفاعل لا غنى عنه لاستقرار منطقة الساحل، لا سيما من خلال «اتفاق الجزائر» لعام 2015 الذي يهدف إلى إحلال السلام في مالي. ومن جهة أخرى، تظهر اتهامات متكررة بشأن دعمها الضمني أو حتى العلني لبعض الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل، وهو دعم، إذا ثبت، يمكن أن يقوض الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب. هذا التناقض الواضح يغذي التوترات مع دول الجوار مثل مالي، التي ترى في هذا النهج محاولة للتلاعب بالديناميات المحلية لخدمة المصالح الجيوسياسية الجزائرية. فالجزائر تبدو وكأنها تفضل استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على نفوذها في عمليات صنع القرار بالمنطقة، مع السعي لاحتواء التهديد الإرهابي على حدودها، دون بالضرورة تشجيع استقرار دائم قد يقلل من أهميتها الاستراتيجية. علاوة على ذلك، فإن غياب الشفافية في علاقات الجزائر مع بعض الجماعات غير الحكومية، إلى جانب دبلوماسية تتأرجح بين الخطاب التوفيقي وأفعال مثيرة للجدل، يزيد من غموض صورتها. هذا الموقف يضعف أيضًا الجهود المشتركة في منطقة تعتمد بشكل كبير على التعاون لمواجهة التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والجريمة المنظمة. وعلى المدى الطويل، قد يؤدي هذا النهج إلى تهميش الجزائر في المبادرات الإقليمية، لا سيما تلك التي تقودها شركاء مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» أو الأطراف الدولية التي تبحث عن شركاء موثوقين وقادرين على تحقيق الاستقرار.
التنافس بين الجزائر والمغرب في منطقة الساحل يشكل نقطة محورية في الديناميات الجيوسياسية الحالية. لطالما اعتُبرت منطقة الساحل مجال نفوذ طبيعي للجزائر، مستندةً إلى قربها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية مع دول مثل مالي والنيجر وموريتانيا. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد حضور المغرب في المنطقة، عبر مبادرات دبلوماسية واقتصادية واسعة النطاق. في نونبر 2023، وخلال الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، أعلن الملك محمد السادس عن مبادرة «الحركة الأطلسية»، التي تهدف إلى تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ما يعزز من موقع المغرب كشريك استراتيجي لهذه الدول. هذا التوجه تعزز من خلال اجتماع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظرائه من دول الساحل لمناقشة مبادرات اقتصادية ولوجستية. في المقابل، بادرت الجزائر بإجراءات مضادة لتأكيد حضورها الإقليمي، مثل إعلان الرئيس عبد المجيد تبون في فبراير 2024 عن إنشاء مناطق حرة مع دول الجوار، بدءًا بموريتانيا وامتدادًا إلى مالي والنيجر. هذه الخطوة تعكس رغبة الجزائر في مواجهة النفوذ المغربي المتزايد عبر تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية. تاريخيًا، ركزت الجزائر على البعد الأمني في تعاملها مع منطقة الساحل، من خلال مبادرات مثل اتفاق تامنراست عام 1991 وإنشاء لجنة الأركان العملياتية المشتركة عام .2010
تعتبر لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC) هي آلية تعاون أمني تأسست عام 2010، وتضم الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، وتهدف إلى تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الإفريقي. مقر اللجنة يقع في تمنراست، جنوب الجزائر، حيث تُعقد الاجتماعات الدورية لرؤساء أركان الدول الأعضاء.
في 13 أكتوبر 2022، استضافت الجزائر دورة غير عادية لمجلس رؤساء أركان الدول الأعضاء في اللجنة، بمبادرة منها لإعادة تنشيط وتفعيل دور اللجنة في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة. خلال هذا الاجتماع، نوقشت مشاريع قوانين جديدة لتعزيز التعاون والتنسيق العملياتي بين الدول الأعضاء، وتم التوقيع عليها بهدف إعطاء ديناميكية جديدة لآلية التعاون الأمني.
في عام 2008، وجّه الرئيس المالي آنذاك، أمادو توماني توري، اتهامات مباشرة إلى الجزائر بتقويض فعالية لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC)، التي أُنشئت لتعزيز التعاون الأمني بين دول الساحل. توري أعرب عن استيائه من عدم التزام الجزائر بالتعاون الكامل، مما أثر سلبًا على جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة. هذه التصريحات سلطت الضوء على التوترات الكامنة بين الدول الأعضاء في اللجنة، وأثارت تساؤلات حول جدوى التعاون الأمني الإقليمي في ظل غياب التنسيق الفعّال بين الأطراف المعنية.
لكن ظهور أنظمة جديدة في المنطقة بين 2020 و2023 قلل من نفوذ الجزائر، مفسحًا المجال أمام المغرب لتعزيز موقعه. على الجانب الآخر، يعتمد المغرب على القوة الناعمة، عبر مبادرات تشمل تدريب الأئمة والقادة الدينيين، تقديم خدمات طبية، وتوسيع شبكة البنوك مثل «بنك إفريقيا». هذه السياسات تهدف إلى بناء علاقات طويلة الأمد مع دول الساحل وتعزيز مكانته كلاعب اقتصادي ودبلوماسي محوري. مع ذلك، تشير تحليلات إلى أن دول الساحل تسعى لتجاوز هذا التنافس، مع التركيز على تنويع شراكاتها واتخاذ قراراتها بشكل مستقل، ما يعكس رغبة متزايدة في تحقيق السيادة والاستقلالية. يبدو أن هذه الدول تتجه نحو تعزيز مصالحها الوطنية، بدلًا من أن تكون مجرد ساحات تنافس بين قوتين إقليميتين. هذا السياق يجعل منطقة الساحل ساحة استراتيجية لتوازن جديد في العلاقات الإقليمية والدولية.
تلعب الجزائر دورًا محوريًا في زعزعة استقرار منطقة الساحل من خلال استراتيجيات خفية تهدف إلى خلق ما يُعرف بـ «المناطق الأمنية الفارغة». تعتمد هذه الاستراتيجية على ترك مناطق معينة خالية من السيطرة الأمنية الفعّالة، ما يتيح للجماعات المسلحة والإرهابية استخدام هذه الفراغات كملاذات آمنة لتعزيز نشاطاتها. هذه السياسة، وإن كانت غير مُعلنة، تُستخدم كأداة ضغط جيوسياسية لإضعاف الدول الساحلية المحيطة واستغلال هشاشتها لتحقيق أهداف الجزائر الاستراتيجية في المنطقة.
تهدف الجزائر من خلال هذه المقاربة إلى الحفاظ على نفوذها التقليدي في الساحل، وهي منطقة كانت دائمًا تُعتبر ضمن نطاق تأثيرها التاريخي والجغرافي. تُترجم هذه الديناميكية في تعطيل الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار، حيث تسعى الجزائر إلى فرض نفسها كوسيط لا غنى عنه في أي مبادرات لحل الأزمات في الساحل. على سبيل المثال، تشهد محاولاتها المتكررة للتحكم في مسارات الحلول السياسية، مثل اتفاق الجزائر للسلام في مالي عام 2015، على سعيها لاحتكار إدارة النزاعات الإقليمية.
في المقابل، يعتمد المغرب مقاربة مغايرة تمامًا، تستند إلى التعاون والتنمية كأدوات لتحقيق الاستقرار. من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية مع دول الساحل، والاستثمار في البنى التحتية، وتقديم المساعدات الإنسانية والتدريب الديني لمحاربة التطرف، يُثبت المغرب أنه شريك يعتمد على القوة الناعمة لتحقيق أهدافه. علاوة على ذلك، تلعب المبادلات التجارية التي تديرها الشاحنات المغربية دورًا حيويًا في تقوية الروابط الاقتصادية مع دول الساحل، على الرغم من الاستهداف المتكرر الذي تواجهه من قبل أطراف تسعى إلى تقويض هذه العلاقات.
بالتالي، يمكن القول إن الاستراتيجية الجزائرية القائمة على خلق الفوضى في الساحل لا تخدم سوى أهدافها الجيوسياسية، لكنها تُعيق بشكل كبير استقرار المنطقة وازدهارها، بينما يُظهر المغرب التزامًا حقيقيًا ببناء شراكات تُرسخ الأمن والتنمية المستدامة.
إن استهداف الشاحنات المغربية يعكس التحديات العميقة التي تواجه منطقة الساحل، مما يبرز الحاجة الماسة إلى مقاربات شاملة تتعامل مع الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لضمان استقرار دائم. تثبت هذه الحوادث أن استهداف المغرب ليس مجرد عمل معزول، بل يندرج ضمن محاولات أوسع لتقويض دوره الاستراتيجي في دعم السلام والتنمية في أفريقيا. يعكس هذا الاستهداف عمق التحديات التي تواجهها المنطقة ويؤكد أهمية دور المغرب كجسر للتعاون بين الشمال والجنوب. لذلك، فإن تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية يبقى السبيل الوحيد لإرساء أسس استقرار طويل الأمد، يجمع بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الساحل . و بالتالي، في منطقة تتأرجح بين الاستقرار والفوضى، يبرز الساحل كمرآة للصراعات الجيوسياسية، حيث يظهر المغرب برؤية بناءة تُعيد تعريف الشراكة الإقليمية من خلال التنمية والتعاون، بينما تعتمد أطراف أخرى كالجزائرعلى استراتيجية الفوضى لتعزيز نفوذها. إن استهداف الشاحنات المغربية ليس مجرد حادث عادي، بل هو محاولة لضرب نموذج مستدام يسعى لإرساء قواعد الاستقرار والأمن في إفريقيا. يبقى الحل في توحيد الجهود الإقليمية والدولية لكسر دائرة العنف وإعادة بناء الثقة في منطقة يُمكن أن تتحول إلى نموذج للسلام والتكامل بدلًا من ساحة للصراع والتفكك.
الشرقاوي الروداني/ خبير في الدراسات الاستراتيجية