الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

الشرقاوي الروداني: الجزائر فـي الساحل الإفريقي.. استراتيجيات معقدة وأهداف غامضة

الشرقاوي الروداني: الجزائر فـي الساحل الإفريقي.. استراتيجيات معقدة وأهداف غامضة الشرقاوي الروداني
على‭ ‬ضوء‭ ‬الاختطاف‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬سائقو‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬بوركينافاسو‭ ‬والنيجر‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الأفريقي‭ ‬وجنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬للجماعات‭ ‬الارهابية‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬قراءة‭ ‬تستوجب‭ ‬فهم‭ ‬الديناميات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬فالتنافس‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬صراع‭ ‬نفوذ،‭ ‬بل‭ ‬يعكس‭ ‬أبعادًا‭ ‬استراتيجية‭ ‬عميقة‭ ‬ومتداخلة‭. ‬المغرب،‭ ‬الذي‭ ‬تبنى‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬تستهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭. ‬وقد‭ ‬أطلق‭ ‬المغرب‭ ‬مبادرات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مثل‭ ‬"المبادرة‭ ‬الأطلسية"،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسهيل‭ ‬وصول‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭.‬
 
فعلاقات‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬تتميز‭ ‬بالتعاون‭ ‬العميق‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الشراكة‭ ‬المتكافئة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة،‭ ‬مثل‭ ‬تدريب‭ ‬الأئمة‭ ‬والقادة‭ ‬الدينيين‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف،‭ ‬وإنشاء‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬طبية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬شبكات‭ ‬البنوك‭ ‬المغربية‭ ‬مثل‭ ‬«بنك‭ ‬إفريقيا»،‭ ‬يثبت‭ ‬المغرب‭ ‬أنه‭ ‬شريك‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬«القوة‭ ‬الناعمة»‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يسعى‭ ‬المغرب‭ ‬لتعزيز‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬حيث‭ ‬تمثل‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬حيوية‭ ‬لنقل‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإقليمي‭.‬
 
غير‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬المتنامي‭ ‬للمغرب‭ ‬بعين‭ ‬الريبة،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬هذه‭ ‬الشراكات‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭. ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الجزائري‭ ‬ليس‭ ‬جديدًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬لعرقلة‭ ‬النفوذ‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬سابقة‭ ‬حوادث‭ ‬استهدفت‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الإمدادات‭ ‬التجارية‭ ‬لدول‭ ‬الساحل‭. ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬ليست‭ ‬معزولة‭ ‬بل‭ ‬تأتي‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬عرقلة‭ ‬التعاون‭ ‬المغربي‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬يمثل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬ودول‭ ‬الساحل‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الأمنية،‭ ‬والجيوسياسية‭. ‬فاستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬يُعد‭ ‬مفتاحًا‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لدول‭ ‬الساحل،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬لأمن‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأوروبا‭. ‬بفضل‭ ‬سياساته‭ ‬المتوازنة‭ ‬ودوره‭ ‬كجسر‭ ‬بين‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأوروبا،‭ ‬يرسخ‭ ‬المغرب‭ ‬مكانته‭ ‬كفاعل‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬مستقر‭ ‬ومزدهر‭ ‬للمنطقة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تُظهر‭ ‬محاولات‭ ‬الجزائر‭ ‬لإفشال‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مسرحًا‭ ‬للتعاون،‭ ‬ولكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬ساحة‭ ‬لصراع‭ ‬استراتيجي‭ ‬يعكس‭ ‬رؤى‭ ‬متباينة‭ ‬لمستقبل‭ ‬الساحل‭.‬
 
للإشارة‭ ‬فحالة‭ ‬الاختطاف‭ ‬ليست‭ ‬معزولة‭ ‬وقد‭ ‬سبقتها‭ ‬أحداث‭ ‬أخرى‭ ‬استهدفت‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬و‭ ‬تمد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬تشهد‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الأفريقي‭ ‬وجنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬تصاعدًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬حساسية‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬وفقًا‭ ‬لتقارير‭ ‬موثوقة‭ ‬لعام‭ ‬2023،‭ ‬ارتفعت‭ ‬أحداث‭ ‬العنف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بنسبة 22%،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬شهدت‭ ‬الوفيات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬زيادة‭ ‬حادة‭ ‬بلغت‭ ‬48%‭ ‬مقارنة‭ ‬بعام‭ ‬2022،‭ ‬مما‭ ‬يمثل‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬تتعدد‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الناشطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جماعة‭ ‬«نصرة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين»‭ ‬بقيادة‭ ‬إياد‭ ‬أغ‭ ‬غالي‭ ‬تمثل‭ ‬القوة‭ ‬الرئيسية‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬77%‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬و67% من‭ ‬الوفيات‭.‬
 
‮ ‬كذلك،‭ ‬ينشط‭ ‬تنظيم‭ ‬"الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى"‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬التهديدات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يتفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬نتيجة‭ ‬عوامل‭ ‬متعددة،‭ ‬أبرزها‭ ‬ضعف‭ ‬الحكومات‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬استراتيجية‭ ‬ناجحة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التنظيمات‭ ‬الراديكالية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وروسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬انسحاب‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الدولية،‭ ‬مثل‭ ‬عملية‭ ‬«برخان»‭ ‬الفرنسية،‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬فراغ‭ ‬أمني‭ ‬استغلته‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬وتوسيع‭ ‬نفوذها‭.‬
 
في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬تتطلب‭ ‬المنطقة‭ ‬تبني‭ ‬مقاربة‭ ‬شاملة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬ودعم‭ ‬القدرات‭ ‬الأمنية‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدريب‭ ‬والتجهيز،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬للتطرف،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تحسين‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لسكان‭ ‬المنطقة‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬متصل،‭ ‬تبرز‭ ‬حوادث‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كمؤشر‭ ‬على‭ ‬تعقيد‭ ‬المشهد‭ ‬الأمني‭. ‬ففي‭ ‬18‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬اختفت‭ ‬ثلاث‭ ‬شاحنات‭ ‬مغربية‭ ‬وأربعة‭ ‬سائقين‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬والنيجر،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬تشهد‭ ‬نشاطًا‭ ‬مكثفًا‭ ‬للجماعات‭ ‬المسلحة‭. ‬وقعت‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انطلقت‭ ‬قافلة‭ ‬تضم‭ ‬13‭ ‬شاحنة‭ ‬من‭ ‬بلدة‭ ‬«دوري»‭ ‬نحو‭ ‬«تيرا»،‭ ‬حيث‭ ‬قرر‭ ‬أربعة‭ ‬سائقين‭ ‬المغادرة‭ ‬مبكرًا‭ ‬دون‭ ‬انتظار‭ ‬المرافقة‭ ‬الأمنية‭ ‬المعتادة‭. ‬وتشير‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬ليست‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها؛‭ ‬إذ‭ ‬تكررت‭ ‬عمليات‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية،‭ ‬مثل‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬30‭ ‬شاحنة‭ ‬مغربية‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مالي‭ ‬وموريتانيا‭.‬
 
هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬حيث‭ ‬اختفى‭ ‬سائقو‭ ‬الشاحنات،‭ ‬تشهد‭ ‬تصاعدًا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬وتكرارًا‭ ‬للهجمات‭ ‬العنيفة‭. ‬ففي‭ ‬11‭ ‬يناير،‭ ‬وقع‭ ‬هجوم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المنطقة،‭ ‬تحديدًا‭ ‬بين‭ ‬دوري‭ ‬وسيتيغا،‭ ‬مما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬18‭ ‬جنديًا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭. ‬وقد‭ ‬تبنى‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى‭ ‬(EIGS)‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الوحشي،‭ ‬وهو‭ ‬تنظيم‭ ‬معروف‭ ‬بأنشطته‭ ‬المزعزعة‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭. ‬وتُظهر‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬المتكررة‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬تواصل‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬استغلال‭ ‬ضعف‭ ‬الحضور‭ ‬الحكومي‭ ‬لفرض‭ ‬نفوذها‭ ‬والتسبب‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬والقوات‭ ‬الحكومية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬تشير‭ ‬الدلائل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬مثل‭ ‬«جماعة‭ ‬نصرة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين»‭ ‬و«تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى»،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب،‭ ‬منها‭ ‬الضغط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتعطيل‭ ‬الحركة‭ ‬التجارية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فدية‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬للحكومات‭ ‬والدول‭ ‬المستهدفة‭.‬
 
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬المتأزم،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬تستغل‭ ‬تصعيدها‭ ‬لاستهداف‭ ‬المصالح‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬واضحة‭ ‬لتقويض‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬حوادث‭ ‬اختطاف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية،‭ ‬وآخرها‭ ‬اختفاء‭ ‬ثلاث‭ ‬شاحنات‭ ‬وأربعة‭ ‬سائقين‭ ‬مغاربة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬والنيجر‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ذات‭ ‬نشاط‭ ‬مكثف‭ ‬لتنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تعقيد‭ ‬المشهد‭ ‬الأمني‭ ‬ويبرز‭ ‬مخاطر‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬الموارد‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬لضرب‭ ‬الشراكات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإقليمية‭. ‬تكرار‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬شاحنة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مالي‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬يعكس‭ ‬استراتيجية‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬لضرب‭ ‬الحركة‭ ‬التجارية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭.‬
 
يبدو‭ ‬أن‭ ‬الأهداف‭ ‬متعددة،‭ ‬تشمل‭ ‬الضغط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬تعطيل‭ ‬المشاريع‭ ‬التجارية،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬كفاعل‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭. ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الشراكات‭ ‬التي‭ ‬يدعمها‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬استكمالاً‭ ‬لنجاحات‭ ‬سابقة،‭ ‬حيث‭ ‬نجح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬دراجين‭ ‬مغربيين‭ ‬اختطفا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬يتطلب‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬تشمل‭ ‬تحسين‭ ‬التنسيق‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المعنية،‭ ‬وتأمين‭ ‬طرق‭ ‬النقل‭ ‬عبر‭ ‬توفير‭ ‬مرافقة‭ ‬أمنية‭ ‬للقوافل‭ ‬التجارية،‭ ‬ومكافحة‭ ‬مصادر‭ ‬تمويل‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وتقديم‭ ‬التدريب‭ ‬والتوعية‭ ‬للشركات‭ ‬والسائقين‭ ‬حول‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المخاطر‭ ‬الأمنية‭.‬
 
تأتي‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الصراع‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬المالية‭ ‬و‭ ‬الجزائرية‭. ‬فسلطات‭ ‬باماكو‭ ‬اتهمت‭ ‬الجزائر‭ ‬بمحاولة‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭. ‬‮ ‬الجزائر‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬تحت‭ ‬الأضواء‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬بسبب‭ ‬دورها‭ ‬الغامض‭ ‬والمثير‭ ‬للجدل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭. ‬فمن‭ ‬جهة،‭ ‬تدّعي‭ ‬الجزائر‭ ‬موقع‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وتقدم‭ ‬نفسها‭ ‬كفاعل‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬لاستقرار‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬«اتفاق‭ ‬الجزائر»‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬مالي‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تظهر‭ ‬اتهامات‭ ‬متكررة‭ ‬بشأن‭ ‬دعمها‭ ‬الضمني‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬العلني‭ ‬لبعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الناشطة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬وهو‭ ‬دعم،‭ ‬إذا‭ ‬ثبت،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوض‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬الواضح‭ ‬يغذي‭ ‬التوترات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬مثل‭ ‬مالي،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬محاولة‭ ‬للتلاعب‭ ‬بالديناميات‭ ‬المحلية‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الجزائرية‭. ‬فالجزائر‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬تفضل‭ ‬استراتيجية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬مع‭ ‬السعي‭ ‬لاحتواء‭ ‬التهديد‭ ‬الإرهابي‭ ‬على‭ ‬حدودها،‭ ‬دون‭ ‬بالضرورة‭ ‬تشجيع‭ ‬استقرار‭ ‬دائم‭ ‬قد‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬أهميتها‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬غياب‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دبلوماسية‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬التوفيقي‭ ‬وأفعال‭ ‬مثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬غموض‭ ‬صورتها‭. ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬يضعف‭ ‬أيضًا‭ ‬الجهود‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬مثل‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭. ‬وعلى‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬المبادرات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬شركاء‭ ‬مثل‭ ‬المجموعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لدول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬«إيكواس»‭ ‬أو‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬موثوقين‭ ‬وقادرين‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭.‬
 
التنافس‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬يشكل‭ ‬نقطة‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬الديناميات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الحالية‭. ‬لطالما‭ ‬اعتُبرت‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬مجال‭ ‬نفوذ‭ ‬طبيعي‭ ‬للجزائر،‭ ‬مستندةً‭ ‬إلى‭ ‬قربها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭ ‬وموريتانيا‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬شهدت‭ ‬تصاعد‭ ‬حضور‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬عبر‭ ‬مبادرات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭. ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬2023،‭ ‬وخلال‭ ‬الذكرى‭ ‬الثامنة‭ ‬والأربعين‭ ‬للمسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬أعلن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬«الحركة‭ ‬الأطلسية»،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬وصول‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المغرب‭ ‬كشريك‭ ‬استراتيجي‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭. ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربي‭ ‬ناصر‭ ‬بوريطة‭ ‬مع‭ ‬نظرائه‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬لمناقشة‭ ‬مبادرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ولوجستية‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬بادرت‭ ‬الجزائر‭ ‬بإجراءات‭ ‬مضادة‭ ‬لتأكيد‭ ‬حضورها‭ ‬الإقليمي،‭ ‬مثل‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬مناطق‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬بدءًا‭ ‬بموريتانيا‭ ‬وامتدادًا‭ ‬إلى‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭. ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تعكس‭ ‬رغبة‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النفوذ‭ ‬المغربي‭ ‬المتزايد‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأمنية‭. ‬تاريخيًا،‭ ‬ركزت‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬مثل‭ ‬اتفاق‭ ‬تامنراست‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬وإنشاء‭ ‬لجنة‭ ‬الأركان‭ ‬العملياتية‭ ‬المشتركة‭ ‬عام‭ .‬2010‭‬
 
تعتبر‭ ‬لجنة‭ ‬الأركان‭ ‬العملياتية‭ ‬المشتركة (CEMOC) هي‭ ‬آلية‭ ‬تعاون‭ ‬أمني‭ ‬تأسست‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬وتضم‭ ‬الجزائر‭ ‬ومالي‭ ‬وموريتانيا‭ ‬والنيجر،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭. ‬مقر‭ ‬اللجنة‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬تمنراست،‭ ‬جنوب‭ ‬الجزائر،‭ ‬حيث‭ ‬تُعقد‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الدورية‭ ‬لرؤساء‭ ‬أركان‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭.‬
 
في‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬استضافت‭ ‬الجزائر‭ ‬دورة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬لمجلس‭ ‬رؤساء‭ ‬أركان‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬اللجنة،‭ ‬بمبادرة‭ ‬منها‭ ‬لإعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬وتفعيل‭ ‬دور‭ ‬اللجنة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية‭ ‬المتزايدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع،‭ ‬نوقشت‭ ‬مشاريع‭ ‬قوانين‭ ‬جديدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬العملياتي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬وتم‭ ‬التوقيع‭ ‬عليها‭ ‬بهدف‭ ‬إعطاء‭ ‬ديناميكية‭ ‬جديدة‭ ‬لآلية‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭. ‬
 
في‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬وجّه‭ ‬الرئيس‭ ‬المالي‭ ‬آنذاك،‭ ‬أمادو‭ ‬توماني‭ ‬توري،‭ ‬اتهامات‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬بتقويض‭ ‬فعالية‭ ‬لجنة‭ ‬الأركان‭ ‬العملياتية‭ ‬المشتركة (CEMOC)،‭ ‬التي‭ ‬أُنشئت‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭. ‬توري‭ ‬أعرب‭ ‬عن‭ ‬استيائه‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التزام‭ ‬الجزائر‭ ‬بالتعاون‭ ‬الكامل،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬سلطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التوترات‭ ‬الكامنة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬اللجنة،‭ ‬وأثارت‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬التنسيق‭ ‬الفعّال‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭.‬
 
‭‬لكن‭ ‬ظهور‭ ‬أنظمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بين‭ ‬2020‭ ‬و2023 قلل‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬الجزائر،‭ ‬مفسحًا‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬المغرب‭ ‬لتعزيز‭ ‬موقعه‭. ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬يعتمد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬عبر‭ ‬مبادرات‭ ‬تشمل‭ ‬تدريب‭ ‬الأئمة‭ ‬والقادة‭ ‬الدينيين،‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬طبية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬شبكة‭ ‬البنوك‭ ‬مثل‭ ‬«بنك‭ ‬إفريقيا»‭. ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانته‭ ‬كلاعب‭ ‬اقتصادي‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬محوري‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬تشير‭ ‬تحليلات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬تسعى‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬التنافس،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تنويع‭ ‬شراكاتها‭ ‬واتخاذ‭ ‬قراراتها‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬رغبة‭ ‬متزايدة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلالية‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬مصالحها‭ ‬الوطنية،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬ساحات‭ ‬تنافس‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬إقليميتين‭. ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يجعل‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬ساحة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتوازن‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭.‬
 
تلعب‭ ‬الجزائر‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجيات‭ ‬خفية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ ‬«المناطق‭ ‬الأمنية‭ ‬الفارغة»‭. ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الفعّالة،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬للجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬والإرهابية‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الفراغات‭ ‬كملاذات‭ ‬آمنة‭ ‬لتعزيز‭ ‬نشاطاتها‭. ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬مُعلنة،‭ ‬تُستخدم‭ ‬كأداة‭ ‬ضغط‭ ‬جيوسياسية‭ ‬لإضعاف‭ ‬الدول‭ ‬الساحلية‭ ‬المحيطة‭ ‬واستغلال‭ ‬هشاشتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الجزائر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
 
تهدف‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬الساحل،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬كانت‭ ‬دائمًا‭ ‬تُعتبر‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬تأثيرها‭ ‬التاريخي‭ ‬والجغرافي‭. ‬تُترجم‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬الجهود‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار،‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬نفسها‭ ‬كوسيط‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مبادرات‭ ‬لحل‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬الساحل‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تشهد‭ ‬محاولاتها‭ ‬المتكررة‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬الحلول‭ ‬السياسية،‭ ‬مثل‭ ‬اتفاق‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬على‭ ‬سعيها‭ ‬لاحتكار‭ ‬إدارة‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية‭.‬
 
في‭ ‬المقابل،‭ ‬يعتمد‭ ‬المغرب‭ ‬مقاربة‭ ‬مغايرة‭ ‬تمامًا،‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬والتنمية‭ ‬كأدوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتدريب‭ ‬الديني‭ ‬لمحاربة‭ ‬التطرف،‭ ‬يُثبت‭ ‬المغرب‭ ‬أنه‭ ‬شريك‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تلعب‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاستهداف‭ ‬المتكرر‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أطراف‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭.‬
 
بالتالي،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجزائرية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬سوى‭ ‬أهدافها‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬لكنها‭ ‬تُعيق‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬وازدهارها،‭ ‬بينما‭ ‬يُظهر‭ ‬المغرب‭ ‬التزامًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬ببناء‭ ‬شراكات‭ ‬تُرسخ‭ ‬الأمن‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭.‬
 
إن‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬يعكس‭ ‬التحديات‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬مما‭ ‬يبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬شاملة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لضمان‭ ‬استقرار‭ ‬دائم‭. ‬تثبت‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬أن‭ ‬استهداف‭ ‬المغرب‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬عمل‭ ‬معزول،‭ ‬بل‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬محاولات‭ ‬أوسع‭ ‬لتقويض‭ ‬دوره‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬السلام‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭. ‬يعكس‭ ‬هذا‭ ‬الاستهداف‭ ‬عمق‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬المنطقة‭ ‬ويؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬المغرب‭ ‬كجسر‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭. ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬يبقى‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لإرساء‭ ‬أسس‭ ‬استقرار‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ . ‬و‭ ‬بالتالي،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬الاستقرار‭ ‬والفوضى،‭ ‬يبرز‭ ‬الساحل‭ ‬كمرآة‭ ‬للصراعات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬حيث‭ ‬يظهر‭ ‬المغرب‭ ‬برؤية‭ ‬بناءة‭ ‬تُعيد‭ ‬تعريف‭ ‬الشراكة‭ ‬الإقليمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنمية‭ ‬والتعاون،‭ ‬بينما‭ ‬تعتمد‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬كالجزائرعلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬الفوضى‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭. ‬إن‭ ‬استهداف‭ ‬الشاحنات‭ ‬المغربية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬حادث‭ ‬عادي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬لضرب‭ ‬نموذج‭ ‬مستدام‭ ‬يسعى‭ ‬لإرساء‭ ‬قواعد‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬يبقى‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬الجهود‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لكسر‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬للسلام‭ ‬والتكامل‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬للصراع‭ ‬والتفكك‭.‬
 
الشرقاوي الروداني/ خبير  في الدراسات الاستراتيجية