بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة، بدأت هذه المبادرة الطيبة تترجم الآن إلى إجراءات ملموسة وهادفة، وهذا عـُـرف في الصين حسب المسلمات والتقاليد الجاري بها العمل هناك. كلما حل أو سافر زعيم صيني إلى بلد معين إلا ورسل إلى مواطنيه رموز، رسائل مبطنة مفادها: هذه البلاد آمنة وأنا أضمن ذلك بحضوري هذا، ويمكن لكم أن تتخذوها كقبلة لدوافع تجارية، سياحية أو ثقافية، وهذا مرتبط بالأساس بتعاليم كونفوشيوس التي تحث على احترام الحاكم واتخاذه كقدوة، كما يجب احترام الأكبر مقاما أو سنا، واحترام الصغير للكبير، كما حث كونفوشيوس الحاكم على تنمية أخلاقه لكي تبلغ الكمال حتى يمكن له أن يكون مثالا وفيا لشعبه وقدوة يحتذى بها، وهذا ما نلاحظ اليوم مع هذه المبادرة القيمة قصد بناء جسور متينة بين الشعبين المغربي والصيني.
السفر، السياحة الثقافية أو التجارية بصفة عامة مرتبطة في الأصل إما بدوافع الجذب، يعني من الخارج، أو بدوافع ذاتية، يعني من الداخل، ودوافع الجذب مرتبطة بمناظر طبيعية خلابة، مدن وثقافات معينة، كما مرتبطة بالفضول والرغبة في التعليم، اكتشاف الذات ولغات أخرى، بالإضافة إلى ذلك، هناك دوافع مادية، يعني ربحية وتجارية، كما تشمل أيضًا أسباب أخرى مثل الرغبة في الحصول على مكانة ما أو التميز، ودوافع الجذب هي كذلك المتعة في ممارسة الحركية، حيث تنتقل من هنا إلى نهاك، من هذه القارة إلى أخرى، في كثير من الأحيان لا تكون الوجهة بنفس الأهمية كالمغادرة أو الرحلة نفسها. يمكن كذلك أن تكون دوافع الجذب دوافع اجتماعية أو إلهامًا من الأفلام كالفنون القتالية بالنسبة للصين مثلا، الكتب، الموسيقى، أو البحث عن انطباعات ومغامرات جديدة، يمكن أن يكون أيضًا البحث عن الإحساس بالحياة الذي يجذب المرء إلى أماكن خارج وطنه كذلك، كما تشمل هذه الدوافع الهندسة المعمارية، أنماط الحياة، الرقص، الأكل، المهرجانات، الأعياد إلخ.
أما الدوافع الذاتية والمرتبطة بالشخص نفسه فهي قبل كل شيء خلق وكسب مسافة وابتعاد عن الحياة اليومية المألوفة وهدفها، ولكن أيضًا إعادة النظر وترميم الذات وتحديد اتجاهاتها. ومعرفة الذات وتحقيقها ستسهر بطريقة سلسة على توسيع الأفق لتشمل جوانب الشخصية برمتها التي تم إهمالها في الحياة اليومية. غالبًا ما تتجلى هذه الدوافع في الرحلات الطويلة التي يتم القيام بها كنقطة تحول قبل أو بعد مرحلة معينة من الحياة، مثلا بعد الانتهاء من المدرسة أو الجامعة، أو بعد إنهاء عقد العمل، ولوج سن التقاعد أو قبل بدء وظيفة جديدة. من المحتمل أن يكون لهذه الرحلات تأثير أكبر بكثير على الهوية مقارنة بالرحلات السياحية البحتة، والتي تتجلى غالبًا في شكل زيادة المعرفة وتحقيق الذات، وهو أمر ممكن نظرا للبعد عن الحياة اليومية، للتلاقح والاحتكاك بثقافة وطقوس جديدة، وهذا مكسب لا يستهان بالظفر به.
يجب أن لا ننسى أن السياحة أصبحت أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي وتساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي عام 2025، من المتوقع أن تصل مساهمة صناعة السفر والسياحة العالمية إلى أكثر من 10 تريليون دولار أميركي، أي % 10 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومساهمة قطاع السفر والسياحة في الصين سيعادل أكثر من 1،3 تريليون دولار أمريكي في 2025، الشعب الصيني مهووس بالسفر واكتشاف كل ما هو جديد، بالأخص الشبان، حيث زار حوالي 188 مليون صيني مدينة شانغهاي في 2022، كما تعرف مدينة تشونتشينع إقبالا كبيرا حيث يزورها باستمرار 250 مليون زائر كل عام، باستثناء حقبة الازمة الصحية، كما زار حوالي 387 مليون سائح صيني العاصمة بيكين في عام 2023، أما عائدات السياحة الداخلية في الصين قدرت ب 790 مليار دولار أمريكي في 2024.
لذا من الواجب السهر على عرض سياحي يتماشى ومتطلبات السياح الصينيين أو السياح بصفة عامة، كما يجب حفظ سلامتهم من خلال خلق شرطة سياحية في كل ربوع المملكة والرفع من العرض السياحي الوطني والتفاعل الجدي والفوري مع كل انزلاق مرتبط بعملية السرقة أو التلاعب بالأسعار، أية دولة يسود فيها الأمن، احترام الآخر وممتلكاته، السلم الاجتماعي هي في النهاية دولة يحتذى بها، حيث يريد كل سائح أن يزورها مرة ثانية وثالثة، أما الآن لنا الاختيار: الدار البيضاء ـ بيكين، الخطوط الملكية المغربية أو الدار البيضاء ـ شانغهاي، إيسترن إيرلاينس.