الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: حرائق لوس أنجلس.. هل عجزت الدولة فعلا عن إطفائها ووقف انتشارها؟!!

محمد عزيز الوكيلي: حرائق لوس أنجلس.. هل عجزت الدولة فعلا عن إطفائها ووقف انتشارها؟!! محمد عزيز الوكيلي
قبل سنوات قليلة من أيام الله هذه، استعرضت السلطات الأمريكية المكلفة بالوقاية المدنية ابتكارات جديدة تذهل العقول، وتُبهر الأنفاس، من بين أفضلها قنابل شيطانية، ذكية، يتم تفجيرها وسط الحرائق، نعم تنفيذ انفجار في وسط النيران، فتتحول منطقة التفجير بكاملها إلى جبل من الرغوة السميكة والكثيفة والثقيلة، سرعان من تُخمد ألسنة اللهب من جهة، وتؤدي من جهة أخرى إلى تخثّر الرماد لكي لا تنبعث منه نيران جديدة عقب عملية الإطفاء، كما يقع عادة في ظاهرة الرماد المعروف بإخفائه تحت مظهره الخادع جمراتٍ لا تنتظر سوى دقائق قليلة من التباطؤ أو اللامبالاة لتعود إلى الاشتعال من جديد، وبنفس القوة، ونفس الإصرار والخطورة!! من بين تلك الابتكارات الأمريكية، المُبهرة أيضاً، أسلوب إحاطة النيران، مهما كانت قوتها وضراوتها، بكومات كبيرة وعالية من الطين المبلل، أو من كثبان الرمال الكثيفة، أو إحاطتها بخنادق واسعة تمنع عبور اللهب من خلالها إلى أي مناطق أخرى متاخمة... وقد أخذت قوات الوقاية المدنية ومكافحة الحرائق في دول كثيرة بهذين الأسلوبين الأخيرين، لأنهما أقل تكلفة ولا يحتاجان سوى إلى شاحنات عملاقة لنقل الرمل أو الطين، أو إلى حفّارات كبرى لإقامة الخنادق اللازمة وفق مقاييس هندسية معلومة... وكل هذه التجهيزات متوفر في أغلب بلدان المعمور، فما بالنا بأكبرها وأقواها وأغناها، وأقدرها على توفير أكثر من ذلك وأكبر وأثقل وأحدث، وهي التي استفردت عن دول عظمى غير قليلة بعرض مثل هذه الوسائل المُذهِلة والمُبهِرة؟! لن أتحدث هنا عن طائرات الإطفاء ما دامت هذه محكومةً بشرطين أساسيين لم يتحقق استيفاؤهما في حرائق لوس أنجلس بالذات وهما:
1- عدم تجاوز سرعة الرياح وقوتها لمعدلات معلومة تسمح بحركة سلسة للطيران المتخصص، والجميع يعلم، من خلال نشرات الأخبار ومعطيات الرصد المناخي والجوّي، المتوفرة حالياً، أن سرعة الرياح التي صاحبت هذه الكارثة تجاوزت 120 كيلومتر في الساعة؛
 
2- توفر الأحجام والكميات الكافية من مياه الأنهار والسدود والبحيرات قريبا من المنطقة المتعرضة للاحتراق. وكما يعلم الجميع أيضاً، فإن المنطقة المصابة خاصةً، وكامل تراب ولاية كاليفورنيا عامةً، شَهِدا موجة جفاف غير مسبوقة خلال السنة البيئية الماضية، أدت إلى هبوط حاد في منسوب المياه بصورة عامة، مما جعل طائرات الإطفاء عاجزة عن ملء وإعادة ملء صهاريجها بالكمية والسرعة المطلوبتين، بحيث لا تسمح أثناء غدوّها ورواحها، بين كل عملية إطفاء وأخرى، بعودة النيران إلى الاشتعال من جديد بسبب الإبطاء في تكرار العمليات، وبالتالي، بسبب طول المدة الفاصلة بين كل عملية وأخرى!! السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإزاء كارثة لوس أنجلس، التي التهمت كل مساكن المنطقة وقصورها الفارهة والباذخة أمام حيرة سلطات الوقاية المدنية الولائية وتخاذلها وارتباكها، هو: كيف غاب عن السلطات الأمريكية، "الوطنية"، الإسراع في اللجوء إلى الابتكارات الثلاثة سالفة الإشارة، مع إشراك أكبر عدد من عناصر الجيش الأمريكي، الشهير بحنكته وطول تجربته في مثل هذه المواقف؟! من جانب آخر، قد تكون هناك اعتبارات أخرى، ربما سياسية، هي التي جعلت إدارة الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، تقف متفرجة على حالة الشلل الجزئي التي يُتَوَقّعُ أن يستهل بها الرئيس المنتخب والعائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، ولايتَه الجديدة والمتعثرة، مما يوحي بصحة وصواب ما ذهب إلى بعض المحللين السياسيين الأمريكيين والأجانب، من المتشككين، الذين سبقوا الأحداث منذ الإعلان عن فوز ترامب وسقوط كامالا هاريس، فتوقعوا ارتكاب الإدارة المُغادِرة لأفعال وممارسات تضع الحصى المُدمي في أحذية عناصر الإدارة القادمة والعائدة، وتضع العصيّ في عجلاتها، حتى قال بعضهم إن بايدن بصدد اعتماد سياسة "الأرض المحروقة" لكي يُجبرَ خَلَفَه العائدَ على التعثر منذ البدايات الأولى لهذه العودة، على أمل أن تنفجر في وجهه احتجاجات من أصدقائه والمتعاطفين معه من الأثرياء المتضررين من كارثة لوس أنجلس، قبل خصومه المعلومين، وبذلك يختلط عليه الصّخَب والهرَج والمرَج منذ الوهلة الأولى، والجميع يعلم أن "الوهلة الأولى"، بالذات، يتحدد فيها الكثير من المآلات، ومن الخيارات المستقبلية... باختصار، مصيبة عظمى بكل المقاييس!! النار، إذَنْ، مازالت تلتهم المساحات والأبنية المقامة عليها، ومازالت تتنقّل بكل حرية وأريحية بين منطقة وأخرى بصحبة الرياح العاتية، التي أصرّت من جهتها على الاحتفاظ بقوتها وعنفوانها، وكأنها جزء لا يتجزّأ من مُساعدي وحواريي الرئيس جو بايدن وإدارته الموشكة على المغادرة. والغريب في كل هذا الذي يحدث أمام دهشة العالم، أن الوقاية المدنية الأمريكية، على صعيدها الوطني، لم تحرك ساكنا يستحق الذكر، لمساعدة نظيرتها الولائية، العاملة بكاليفورنيا، وتحديداً، لم تبادر إلى استخدام ما يعلمه العالَم من الاختراعات والوسائل العزيزة عن العد والآحصاء، والتي ظلت الولايات المتحدة تتباهى بها وتفتخر بامتلاكِها في هذا المضمار بالذات، وربما لذلك لم نسمع بتحرك الروس والصينيين مثلاً، ومعهم الهنود، والدول الأوروبية العظمى، لتقديم عون كبير ومشهود، لاريب أنه سيكون جبّاراً، ليس بالقدر الذي سيؤمّن الانتصار على الأم/الطبيعة، وهي تعلن غضبها وتستعرض جبروتها، ولكن على الأقل، للتخفيف من حدة الكارثة ولو نسبياً، والحد من سرعة انتشارها وواستمرار تَوَسُّعِها المحطِّمَيْن إلى غاية الساعة الراهنة لكل الأرقام القياسية!! شخصياً، أعتقد أن إدارة جو بايدن لها نصيب الأسد من المسؤولية فيما وقع ويقع، ولذلك أجدني أتوقع أن يتم حلُّ المعضلة ووقفِ استفحالها بمجرد إمساك دونالد ترامب لمفاتيحِ مكتبه البيضاوي، الذي لا أشك أن أدخنة الحريق قد استلقت على أرائكه ومطّطت أذرُعَها في جنباته، رغم بُعد الشُّقّة وطول المسافة!! ومَن يدري، فلعلني أكون محقاً هذه المرّةَ في هكذا تَوَقُّع؟!!