لم تتوقف الجزائر، منذ استقلالها، عن استخدام "" من أجل تركيع المغرب وموريتانيا، وإرغامهما على فتح منفذ لها على المحيط الأطلسي. فقد كشفت وثيقة لوكالة المخابرات المركزية، تعود لشهر دجنبر من عام 1977، رفعت عنها السرية في نونبر من عام 2012، أن الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، دعم البوليساريو بالمال والسلاح، واستخدم ورقة تقرير المصير، لإخفاء هدفه الرئيسي المتمثل في استنزاف المغرب وتطويقه بالتشنجات العسكرية، شرقا وجنوبا، للوصول إلى الزعامة الإقليمية، وأيضا للنفاذ المريح إلى المحيط الأطلسي.
وأكدت الوثيقة أن هواري بومدين، أعاد تقييم موقف الجزائر بعد الاتفاق المغربي والموريتاني بشأن الصحراء في القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974، وكشفت أن الجزائر شنت بعد ذلك «حربا بالوكالة» ضد موريتانيا والمغرب باستخدام البوليساريو.
وإذا كان الجميع يعلم سياق إنشاء البوليساريو، وكيف جعلها بومدين شوكة في خاصرة المغرب بالمال والسلاح والمخابرات والعمل الديبلوماسي غير النظيف والإرشاء والكذب والتضليل والاستزلام، فإنه ذهب أبعد من ذلك حين استخدم جبهة البوليساريو للهجوم على العمق الموريتاني، إذ هاجم الانفصاليون عين بنتيلي يوم 20 يناير ،1976 ثم آوسرد في 8 فبراير ،1976 قبل أن يوجهوا قذائف المورتر إلى القصر الرئاسي في نواكشوط يوم 8 يونيو .1976
لقد عملت الجزائر على ابتزاز موريتانيا في عمق أراضيها، إذ لم تكن هناك أي قطعة من التراب الموريتاني بمنأى عن ضربات البوليساريو التي كانت تتوغل، بدعم من الجزائر، داخل التراب المالي بهدف التمويه، لتضرب بعض المواقع في العمق الموريتاني، إذ تم في يناير 1977 الاستلاء على عدة مواقع في الشمال الموريتاني في الحنك، كلمسربيين والشاكات، وفي الـ 20 من يناير 1977 وقع أول هجوم على الزويرات، وبعد ذلك تمت مهاجمة تيشيت. كما تمت مهاجمة ازويرات للمرة الثانية في ماي من السنة نفسها، قبل الهجوم على نواكشوط للمرة الثانية، للثأر من سقوط مصطفى السيد. كما هاجمت مجموعة مكونة من 150 مقاتل مدينة «باسكنو» على الحدود الموريتانية مع مالي والسنغال. وفي يونيو 1978، وبعد الانقلاب على المختار ولد داداه، عملت الجزائر على نقل الحرب إلى قلب موريتانيا من خلال مهاجمة المناطق التالية: «نواكشوط، وادان، شنكيطي، اطار، تيجكجا، أجريف محمد فاظل، باسكنو، النعمة، بوجرطالة، الزويرات، بئر ام اكرين، عين بتنيلي، الخ».
لقد عملت الجزائر على ابتزاز موريتانيا في عمق أراضيها، إذ لم تكن هناك أي قطعة من التراب الموريتاني بمنأى عن ضربات البوليساريو التي كانت تتوغل، بدعم من الجزائر، داخل التراب المالي بهدف التمويه، لتضرب بعض المواقع في العمق الموريتاني، إذ تم في يناير 1977 الاستلاء على عدة مواقع في الشمال الموريتاني في الحنك، كلمسربيين والشاكات، وفي الـ 20 من يناير 1977 وقع أول هجوم على الزويرات، وبعد ذلك تمت مهاجمة تيشيت. كما تمت مهاجمة ازويرات للمرة الثانية في ماي من السنة نفسها، قبل الهجوم على نواكشوط للمرة الثانية، للثأر من سقوط مصطفى السيد. كما هاجمت مجموعة مكونة من 150 مقاتل مدينة «باسكنو» على الحدود الموريتانية مع مالي والسنغال. وفي يونيو 1978، وبعد الانقلاب على المختار ولد داداه، عملت الجزائر على نقل الحرب إلى قلب موريتانيا من خلال مهاجمة المناطق التالية: «نواكشوط، وادان، شنكيطي، اطار، تيجكجا، أجريف محمد فاظل، باسكنو، النعمة، بوجرطالة، الزويرات، بئر ام اكرين، عين بتنيلي، الخ».
وبعد أن وضعت الجزائر كل التراب الموريتاني تقريبا تحت النيران، ظن الهواري بومدين أن خطته قد أتت أكلها بالانقلاب الذي نفذه ولد هيداله ضد المختار ولد داداه «المتحالف مع المغرب»، وذلك بإرغام الموريتانيين على فسح المجال للبوليساريو لوضع اليد على إقليم وادي الذهب «انظر ما قاله الرئيس الموريتاني الأسبق ولد هيداله حول الاتفاق السري بينه وبين الشاذلي بن جديد في الصفحة: ….). غير أن يقظة المرحوم الملك الحسن الثاني كانت بالمرصاد لما حملته «اتفاقية الجزائر» «المؤامرة»، فاسترجع المغرب إقليم وادي الذهب وقدم شيوخ وأعيان الإقليم البيعة لأمير المؤمنين الملك الحسن الثاني يوم 14 غشت 1979، لتنخرط الجزائر مرة أخرى في سجل آخر من التآمر على المغرب، عسكريا وديبلوماسيا، بعد فشل مؤامرتها واندحار صنيعتها البوليساريو، وخاصة بعد هزيمة الجزائر والبوليساريو في المعركة الشهيرة «بئر إنزاران»، وبعد تشييد الجدار الأمني.
منذ ذلك الحين، لم تتوقف التحرشات التي تقوم بها الجزائر على مستوى المناطق القريبة من الحدود الموريتانية. إذ تحول «الابتزاز الحربي» إلى عقيدة ضد نواكشوط، وهذا ما يؤكده، مثلا، إقدام دورية عسكرية جزائرية، مؤخرا «الجمعة 20 دجنبر 2024»، على اقتحام الأراضي الموريتانية في منطقة «الشكات»، على بُعد أقل من ثمانية كيلومترات من الحدود، دون إشعار السلطات في نواكشوط، ودون التحوط من انتهاك السيادة الترابية لدولة مجاورة. وهذا التصرف يدل في العمق على استمرار «البلطجة» الجزائرية في التعامل مع الجيران، ومحاولة استعراض عضلات «القوة الضاربة» التي لا تتقن سوى الاستقواء على الرمال. ويأتي هذا الاقتحام في أعقاب لحظة قوية قام خلالها الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، يوم الأربعاء 18 دجنبر 2024، بزيارة الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالبيضاء. وهي الزيارة التي تحمل في طياتها أبعادا ديبلوماسية وسياسية وإنسانية لا يمكن لغير الحاقد تجاهل مضامينها. فما هي رسالة الجزائر؟ هل هي قدرتها على استباحة التراب الموريتاني؟ هل هو التهديد بالعودة إلى اجتياح الأراضي الموريتانية إذا تقاربت تواكشوط مع الرباط؟
لقد أدركت موريتانيا دائما خطورة «عصابة البوليساريو»، كما أدركت دائما أطماع قصر المرادية، وتعرف جيدا أن الجزائر هي الدولة التي هاجمتها في مرحلة السبعينيات، والتي ما فتئت تبتزها في كل لحظة وحين بتهديد أمنها واستقرارها، وانتهاك حدودها، وتمزيق أراضيها إذا لم تتحول نواكشوط إلى خلفية داعمة لبلطجتها في المنطقة، إلى درجة تعريض السيادة الموريتانية لمجموعة من الأخطار المحدقة، ومنها التشجيع على إشعال حرب شاملة في المنطقة، خاصة أن القوات المسلحة الملكية تضطر للرد على إطلاق البوليساريو لصواريخ من مواقع قريبة من الأراضي الموريتانية.
إن موريتانيا التي تعي «ألاعيب العسكر الجزائري»، ومراميه القريبة، تلتزم الصمت حيال تحرشات البوليساريو، رغم الاحتمالات الخطيرة التي قد تنجم عن تمادى «عصابة شنقريحة» في عملياتها الحربية، قرب التراب الموريتاني وإمكانية تطورها لتصبح داخله، وهو ما تريده الجزائر بأي ثمن، وتعمل على جر المنطقة إليه، وذلك بعد كساد ديبلوماسيتها وفشلها الذريع في تحقيق مآربها، ونجاح المغرب على أكثر من واجهة في إقناع القوى العظمى، وعلى رأسها واشنطن وباريس ومدريد، بمغربية الصحراء ومصداقية خطة الحكم الذاتي.
لا شك أن الجزائر تخطط لحرب بالمنطقة، لكنها تريد أكثر من ذلك أن تحول تلك الحرب إلى كماشة لخنق المغرب، ولتحقيق ذلك على نحو صحيح وفعال تطمح إلى إشراك موريتانيا لإكمال الطوق. ولهذا دأب عسكر الجزائر، في كل مرة يشتد عليهم الخناق من الرباط، على إخراج «جزرة المشاريع المشتركة» لإلحاق نواكشوط بصفوفهم، ومنها التوقيع مؤخرا على إطلاق معبر حدودي ومنطقة للتبادل التجاري الحر وإطلاق أشغال طريق يربط بين الزويرات الموريتانية وتيندوف الجزائرية. وكل لبيب يدرك أن أهداف الجزائر من وراء شعار التقارب مع موريتانيا هو الوصول إلى الأطلسي وتحقيق ما فشلت فيه عن طريق مراهنتها على معبر في الصحراء المغربية خلق دويلة في جنوب المغرب لقطع عمقه الافريقي. ويتساءل العارفون: ما الذي يريده كابرانات الجزائر؟ هل يريدون إفشال المبادرة الإطلسية التي أطلقها محمد السادس؟ هل يريدون فصل المغرب عن عمقه الإفريقي وتحويل موريتانيا إلى جدار يحول دون تحقيق المشاريع المغربية، وعلى رأسها أنبوب الغاز نيجيرياـ المغرب؟ هل يريدون تحويل موريتانيا إلى «ملحقة ترابية»، على غرار ما فعلوه بتونس الديكتاتور قيس سعيد؟ هل تبحث عن الخروج من عزلتها الإقليمية رغم استبسالها في محاولة إنشاء مغرب عربي ثلاثي الأضلاع «الجزائر، تونس، ليبيا»؟
ليس واضحا تماما ما تريده الجزائر من جوارها. غير أن التطورات الأخيرة في مالي والنيجر لم تلعب لصالحها، كما أن مشاريع المغرب التي وضعها على طاولة دول القارة أضعف جميع أطروحات عسكر الجزائر، خاصة مع توالي الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف أكثر من 33 دولة إفريقية ومساندة أزيد من 100 دولة في العالم لمخطط الحكم الذاتي، وجعلها خارج الرادار الإفريقي، قريبا فقط من جنوب إفريقيا التي يضربها أركانها الفساد من مختلف الجوانب، السياسية والمالية.
لقد تأكد الأفارقة، ومعهم المنتظم الدولي، بأن دولة الجزائر هي الراعي الأول لنشاط الجماعات المسلحة وتجار السلاح والمخدرات، وحولت هذه الرعاية إلى سجل تجاري ثابت لابتزاز الدول، وعلى رأسها المغرب ومالي وموريتانيا. غير أن دوام الحال من المحال، فموريتانيا تعرف جيدا ما تريده منها الجزائر دائما، وتدرك أن التحركات الجزائرية المكثفة باتجاهها، خلال الفترة الأخيرة، تنم عن توجس شديد من «مبادرة الأطلسي» التي من شأنها أن تفتح أفق تنمية واسعا للدول التي ستنخرط فيها، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، فضلا خط أنبوب الغاز «المغرب» نيجيريا» الذي من المتوقع أن يشمل 11 دولة أخرى: «بنين، توغو، غانا، كوت ديفوار، ليبيريا، سيراليون، غينيا، غينيا بيساو، غامبيا، السنغال، موريتانيا». ومن شأن هذا الخط أن يوفر موردا هاما لدول غرب أفريقيا. كما من شأنه أن يعزز أمن الطاقة في تلك الدول، ويُحسن مستويات معيشة مواطنيها.
فإذا كانت الجزائر تولي اهتماما كبيرا، في الآونة الأخيرة، لتطوير علاقاتها مع موريتانيا، والترويج لما تقول عنه آلتها الإعلامية «تأسيس آلية مشتركة للتشاور السياسي وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني»، فإن الموريتانيين، بالعودة إلى التاريخ القريب، سيدركون أن التهديد أتى دائما من قصر المرادية، وأن المغرب حصن حصين على صحرائه، ودولة تعرف كيف تحترم اتفاقاتها، وكيف تلتزم بالسلام وحسن الجوار، وكيف تحرك طاقتها الاقتصادية وقدراتها من أجل تنمية القارة على أساس رؤية إستراتيجية، عمادها نسج الشراكات القوية بين المغرب ودول أفريقية، وفق منطق «رابح - رابح» وليس التربص ببلدان الجوار، وتهديدها في وحدتها وسلامة أراضيها.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"