الأربعاء 19 فبراير 2025
سياسة

المغرب وموريتانيا.. توأم مؤامرة عسكر الجزائر

المغرب وموريتانيا.. توأم مؤامرة عسكر الجزائر
لم‭ ‬تتوقف‭ ‬الجزائر،‭ ‬منذ‭ ‬استقلالها،‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬""‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تركيع‭ ‬المغرب‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬وإرغامهما‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬منفذ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭.  ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬وثيقة‭ ‬لوكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية،‭ ‬تعود‭ ‬لشهر‭ ‬دجنبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬رفعت‭ ‬عنها‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬الأسبق،‭ ‬هواري‭ ‬بومدين،‭ ‬دعم‭ ‬البوليساريو‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح،‭ ‬واستخدم‭ ‬ورقة‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬لإخفاء‭ ‬هدفه‭ ‬الرئيسي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬المغرب‭ ‬وتطويقه‭ ‬بالتشنجات‭ ‬العسكرية،‭ ‬شرقا‭ ‬وجنوبا،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الزعامة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وأيضا‭ ‬للنفاذ‭ ‬المريح‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭.‬

وأكدت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬هواري‭ ‬بومدين،‭ ‬أعاد‭ ‬تقييم‭ ‬موقف‭ ‬الجزائر‭ ‬بعد‭ ‬الاتفاق‭ ‬المغربي‭ ‬والموريتاني‭ ‬بشأن‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬الرباط‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬وكشفت‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬شنت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬«حربا‭ ‬بالوكالة»‭ ‬ضد‭ ‬موريتانيا‭ ‬والمغرب‭ ‬باستخدام‭ ‬البوليساريو‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يعلم‭ ‬سياق‭ ‬إنشاء‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وكيف‭ ‬جعلها‭ ‬بومدين‭ ‬شوكة‭ ‬في‭ ‬خاصرة‭ ‬المغرب‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬والمخابرات‭ ‬والعمل‭ ‬الديبلوماسي‭ ‬غير‭ ‬النظيف‭ ‬والإرشاء‭ ‬والكذب‭ ‬والتضليل‭ ‬والاستزلام،‭ ‬فإنه‭ ‬ذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬استخدم‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬العمق‭ ‬الموريتاني،‭ ‬إذ‭ ‬هاجم‭ ‬الانفصاليون‭ ‬عين‭ ‬بنتيلي‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ،‬1976‭ ‬ثم‭ ‬آوسرد‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬فبراير‭ ‬،1976 ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يوجهوا‭ ‬قذائف‭ ‬المورتر‭  ‬إلى‭ ‬القصر‭ ‬الرئاسي‭ ‬في‭ ‬نواكشوط‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬يونيو‭ ‬.1976

لقد‭ ‬عملت‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬ابتزاز‭ ‬موريتانيا‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬أراضيها،‭ ‬إذ‭  ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬ضربات‭ ‬البوليساريو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتوغل،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬داخل‭ ‬التراب‭ ‬المالي‭ ‬بهدف‭ ‬التمويه،‭ ‬لتضرب‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الموريتاني،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭  ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1977‭ ‬الاستلاء‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مواقع‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الموريتاني‭ ‬في‭ ‬الحنك،‭ ‬كلمسربيين‭ ‬والشاكات،‭ ‬وفي‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬1977‭ ‬وقع‭ ‬أول‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬الزويرات،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تمت‭ ‬مهاجمة‭ ‬تيشيت‭. ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬مهاجمة‭ ‬ازويرات‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬نفسها،‭ ‬قبل‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬نواكشوط‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬للثأر‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬مصطفى‭ ‬السيد‭.  ‬كما‭ ‬هاجمت‭ ‬مجموعة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬مقاتل‭ ‬مدينة‭ ‬«باسكنو»‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الموريتانية‭ ‬مع‭ ‬مالي‭ ‬والسنغال‭. ‬وفي‭ ‬يونيو‭ ‬1978،‭ ‬وبعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬المختار‭ ‬ولد‭ ‬داداه،‭ ‬عملت‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬موريتانيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مهاجمة‭ ‬المناطق‭ ‬التالية:‭ ‬«نواكشوط،‭ ‬وادان،‭ ‬شنكيطي،‭ ‬اطار،‭ ‬تيجكجا،‭ ‬أجريف‭ ‬محمد‭ ‬فاظل،‭ ‬باسكنو،‭ ‬النعمة،‭ ‬بوجرطالة،‭ ‬الزويرات،‭ ‬بئر‭ ‬ام‭ ‬اكرين،‭ ‬عين‭ ‬بتنيلي،‭ ‬الخ»‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬وضعت‭ ‬الجزائر‭ ‬كل‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني‭ ‬تقريبا‭ ‬تحت‭ ‬النيران،‭ ‬ظن‭ ‬الهواري‭ ‬بومدين‭ ‬أن‭ ‬خطته‭ ‬قد‭ ‬أتت‭ ‬أكلها‭ ‬بالانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬نفذه‭ ‬ولد‭ ‬هيداله‭ ‬ضد‭ ‬المختار‭ ‬ولد‭ ‬داداه‭ ‬«المتحالف‭ ‬مع‭ ‬المغرب»،‭ ‬وذلك‭ ‬بإرغام‭ ‬الموريتانيين‭ ‬على‭ ‬فسح‭ ‬المجال‭ ‬للبوليساريو‭ ‬لوضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬«انظر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬الأسبق‭ ‬ولد‭ ‬هيداله‭ ‬حول‭ ‬الاتفاق‭ ‬السري‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الشاذلي‭ ‬بن‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الصفحة: ….)‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقظة‭ ‬المرحوم‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬كانت‭ ‬بالمرصاد‭ ‬لما‭ ‬حملته‭ ‬«اتفاقية‭ ‬الجزائر»‭ ‬«المؤامرة»،‭ ‬فاسترجع‭ ‬المغرب‭ ‬إقليم‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬وقدم‭ ‬شيوخ‭ ‬وأعيان‭ ‬الإقليم‭ ‬البيعة‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬غشت‭ ‬1979،‭ ‬لتنخرط‭ ‬الجزائر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬عسكريا‭ ‬وديبلوماسيا،‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬مؤامرتها‭ ‬واندحار‭ ‬صنيعتها‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬الجزائر‭ ‬والبوليساريو‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬الشهيرة‭ ‬«بئر‭ ‬إنزاران»،‭ ‬وبعد‭ ‬تشييد‭ ‬الجدار‭ ‬الأمني‭.‬
 
منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬التحرشات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المناطق‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الموريتانية‭. ‬إذ‭ ‬تحول‭ ‬«الابتزاز‭ ‬الحربي»‭ ‬إلى‭ ‬عقيدة‭ ‬ضد‭ ‬نواكشوط،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده،‭ ‬مثلا،‭ ‬إقدام‭  ‬دورية‭ ‬عسكرية‭ ‬جزائرية،‭ ‬مؤخرا‭ ‬«الجمعة‭ ‬20‭ ‬دجنبر‭ ‬2024»،‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬الأراضي‭ ‬الموريتانية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬«الشكات»،‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬الحدود،‭ ‬دون‭ ‬إشعار‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬نواكشوط،‭ ‬ودون‭ ‬التحوط‭ ‬من‭ ‬انتهاك‭ ‬السيادة‭ ‬الترابية‭ ‬لدولة‭ ‬مجاورة‭. ‬وهذا‭ ‬التصرف‭ ‬يدل‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬«البلطجة»‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الجيران،‭ ‬ومحاولة‭ ‬استعراض‭ ‬عضلات‭ ‬«القوة‭ ‬الضاربة»‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتقن‭ ‬سوى‭ ‬الاستقواء‭ ‬على‭ ‬الرمال‭. ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬الاقتحام‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬لحظة‭ ‬قوية‭ ‬قام‭ ‬خلالها‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني،‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬18‭ ‬دجنبر‭ ‬2024،‭ ‬بزيارة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بالقصر‭ ‬الملكي‭ ‬بالبيضاء‭. ‬وهي‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬أبعادا‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬وسياسية‭ ‬وإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لغير‭ ‬الحاقد‭ ‬تجاهل‭ ‬مضامينها‭.  ‬فما‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬الجزائر؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬استباحة‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬التهديد‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬اجتياح‭ ‬الأراضي‭ ‬الموريتانية‭ ‬إذا‭ ‬تقاربت‭ ‬تواكشوط‭ ‬مع‭ ‬الرباط؟

لقد‭ ‬أدركت‭ ‬موريتانيا‭ ‬دائما‭ ‬خطورة‭ ‬«عصابة‭ ‬البوليساريو»،‭ ‬كما‭ ‬أدركت‭ ‬دائما‭ ‬أطماع‭ ‬قصر‭ ‬المرادية،‭ ‬وتعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬هاجمتها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬السبعينيات،‭ ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تبتزها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وحين‭ ‬بتهديد‭ ‬أمنها‭ ‬واستقرارها،‭ ‬وانتهاك‭ ‬حدودها،‭ ‬وتمزيق‭ ‬أراضيها‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتحول‭ ‬نواكشوط‭ ‬إلى‭ ‬خلفية‭ ‬داعمة‭ ‬لبلطجتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تعريض‭ ‬السيادة‭ ‬الموريتانية‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأخطار‭ ‬المحدقة،‭  ‬ومنها‭ ‬التشجيع‭  ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬تضطر‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬البوليساريو‭ ‬لصواريخ‭  ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الموريتانية‭.‬

إن‭ ‬موريتانيا‭ ‬التي‭ ‬تعي‭ ‬«ألاعيب‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري»،‭ ‬ومراميه‭ ‬القريبة،‭ ‬تلتزم‭ ‬الصمت‭ ‬حيال‭ ‬تحرشات‭ ‬البوليساريو،‭ ‬رغم‭ ‬الاحتمالات‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬تمادى‭ ‬«عصابة‭ ‬شنقريحة»‭ ‬في‭ ‬عملياتها‭ ‬الحربية،‭ ‬قرب‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني‭ ‬وإمكانية‭ ‬تطورها‭ ‬لتصبح‭ ‬داخله،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬الجزائر‭ ‬بأي‭ ‬ثمن،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬جر‭ ‬المنطقة‭ ‬إليه،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬كساد‭ ‬ديبلوماسيتها‭ ‬وفشلها‭ ‬الذريع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مآربها،‭ ‬ونجاح‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واجهة‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬واشنطن‭ ‬وباريس‭ ‬ومدريد،‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬ومصداقية‭ ‬خطة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭.‬
 
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تخطط‭ ‬لحرب‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬لكنها‭ ‬تريد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬كماشة‭ ‬لخنق‭ ‬المغرب،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬صحيح‭ ‬وفعال‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬إشراك‭ ‬موريتانيا‭ ‬لإكمال‭ ‬الطوق‭. ‬ولهذا‭ ‬دأب‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يشتد‭ ‬عليهم‭ ‬الخناق‭ ‬من‭ ‬الرباط،‭ ‬على‭ ‬إخراج‭ ‬«جزرة‭ ‬المشاريع‭ ‬المشتركة»‭ ‬لإلحاق‭ ‬نواكشوط‭ ‬بصفوفهم،‭ ‬ومنها‭ ‬التوقيع‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬معبر‭ ‬حدودي‭ ‬ومنطقة‭ ‬للتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬الحر‭ ‬وإطلاق‭ ‬أشغال‭ ‬طريق‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬الزويرات‭ ‬الموريتانية‭ ‬وتيندوف‭ ‬الجزائرية‭. ‬وكل‭ ‬لبيب‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬شعار‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬موريتانيا‭ ‬هو‭  ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأطلسي‭ ‬وتحقيق‭ ‬ما‭ ‬فشلت‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مراهنتها‭ ‬على‭ ‬معبر‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬خلق‭ ‬دويلة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬المغرب‭ ‬لقطع‭ ‬عمقه‭ ‬الافريقي‭. ‬ويتساءل‭ ‬العارفون:‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬كابرانات‭ ‬الجزائر؟‭ ‬هل‭ ‬يريدون‭ ‬إفشال‭ ‬المبادرة‭ ‬الإطلسية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬محمد‭ ‬السادس؟‭ ‬هل‭ ‬يريدون‭ ‬فصل‭ ‬المغرب‭ ‬عن‭ ‬عمقه‭ ‬الإفريقي‭ ‬وتحويل‭ ‬موريتانيا‭ ‬إلى‭ ‬جدار‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬المشاريع‭ ‬المغربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬نيجيرياـ‭ ‬المغرب؟‭ ‬هل‭ ‬يريدون‭ ‬تحويل‭ ‬موريتانيا‭ ‬إلى‭ ‬«ملحقة‭ ‬ترابية»،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬بتونس‭ ‬الديكتاتور‭ ‬قيس‭ ‬سعيد؟‭ ‬هل‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬عزلتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬رغم‭ ‬استبسالها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬إنشاء‭ ‬مغرب‭ ‬عربي‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأضلاع‭ ‬«الجزائر،‭ ‬تونس،‭ ‬ليبيا»؟
 
ليس‭ ‬واضحا‭ ‬تماما‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬جوارها‭.  ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭ ‬لم‭ ‬تلعب‭ ‬لصالحها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مشاريع‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭  ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬أضعف‭ ‬جميع‭ ‬أطروحات‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬توالي‭ ‬الاعتراف‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬33‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬ومساندة‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لمخطط‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬وجعلها‭ ‬خارج‭ ‬الرادار‭ ‬الإفريقي،‭ ‬قريبا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬يضربها‭ ‬أركانها‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب،‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭. ‬

لقد‭ ‬تأكد‭ ‬الأفارقة،‭ ‬ومعهم‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي،‭ ‬بأن‭ ‬دولة‭ ‬الجزائر‭ ‬هي‭ ‬الراعي‭ ‬الأول‭ ‬لنشاط‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬وتجار‭ ‬السلاح‭ ‬والمخدرات،‭ ‬وحولت‭ ‬هذه‭ ‬الرعاية‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ ‬تجاري‭ ‬ثابت‭ ‬لابتزاز‭ ‬الدول،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المغرب‭ ‬ومالي‭ ‬وموريتانيا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬دوام‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬المحال،‭ ‬فموريتانيا‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬منها‭  ‬الجزائر‭ ‬دائما،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬التحركات‭ ‬الجزائرية‭ ‬المكثفة‭  ‬باتجاهها،‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬توجس‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬«مبادرة‭ ‬الأطلسي»‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬أفق‭ ‬تنمية‭ ‬واسعا‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬ستنخرط‭ ‬فيها،‭ ‬مثل‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬وتشاد،‭ ‬فضلا‭ ‬خط‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭  ‬«المغرب» نيجيريا»‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬11‭ ‬دولة‭ ‬أخرى:‭ ‬«بنين،‭ ‬توغو،‭ ‬غانا،‭ ‬كوت‭ ‬ديفوار،‭ ‬ليبيريا،‭ ‬سيراليون،‭ ‬غينيا،‭ ‬غينيا‭ ‬بيساو،‭ ‬غامبيا،‭ ‬السنغال،‭ ‬موريتانيا»‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬موردا‭ ‬هاما‭ ‬لدول‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا‭. ‬كما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬ويُحسن‭ ‬مستويات‭ ‬معيشة‭ ‬مواطنيها‭.‬
 
فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الجزائر‭ ‬تولي‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا،‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭  ‬لتطوير‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬موريتانيا،‭ ‬والترويج‭ ‬لما‭ ‬تقول‭ ‬عنه‭ ‬آلتها‭ ‬الإعلامية‭ ‬«تأسيس‭ ‬آلية‭ ‬مشتركة‭ ‬للتشاور‭ ‬السياسي‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬والأمني»،‭  ‬فإن‭ ‬الموريتانيين،‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬القريب،‭ ‬سيدركون‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬أتى‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬المرادية،‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬حصن‭ ‬حصين‭ ‬على‭ ‬صحرائه،‭ ‬ودولة‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تحترم‭ ‬اتفاقاتها،‭ ‬وكيف‭ ‬تلتزم‭ ‬بالسلام‭ ‬وحسن‭ ‬الجوار،‭ ‬وكيف‭ ‬تحرك‭ ‬طاقتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وقدراتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنمية‭ ‬القارة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬رؤية‭ ‬إستراتيجية،‭ ‬عمادها‭ ‬نسج‭ ‬الشراكات‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬ودول‭ ‬أفريقية،‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬«رابح‭ ‬-‭ ‬رابح»‭ ‬وليس‭ ‬التربص‭ ‬ببلدان‭ ‬الجوار،‭ ‬وتهديدها‭ ‬في‭ ‬وحدتها‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها‭.‬
   
                     تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"