السبت 18 مايو 2024
ضيف

القاضي محمد نجيب بقاش: إدانتي قضائيا تمت بعد حملة لوزراء العدالة والتنمية ضدي

 
 
القاضي محمد نجيب بقاش: إدانتي قضائيا تمت بعد حملة لوزراء العدالة والتنمية ضدي

أكد القاضي محمد نجيب بقاش أن الحكم الذي صدر في حقه يفتقد لأي سند قانوني، مضيفا، في حوار أجراه معه موقع "أنفاس بريس"، أن إطلاق سراحه وتضامن زملائه معه هو بمثابة صك براءة وإنهاء للقضية. وتساءل القاضي بقاش: "لماذا كل هذا الاهتمام بهذه القضية من طرف وزراء العدالة والتنمية، ولماذا لم تعط نفس الأهمية لقضايا أخرى مماثلة؟ إذ لم يسبق في تاريخ المغرب أن أبدى أعضاء في السلطة التنفيذية اهتماما بالغا بملف قضائي مثل ما حدث في قضيتي"..

- ما تعليقك على الحكم بإدانتك سنتين موقوفة التنفيذ؟

+ أعتبر أن هذا الحكم يفتقد لأي سند قانوني في ظل غياب حالة تلبس أو شكاية مكتوبة أو أي مكالمة هاتفية حول موضوع المتابعة. ويكفي أنه بعد إطلاق سراحي استقبلني عدد من الزملاء القضاة والمحامون والحقوقيون وتضامنوا معي معتبرين التراجع بمثابة صك براءة وإنهاء للقضية من جذورها، فكلهم كانوا مطلعين على الملف مثلهم مثل الهيئة التي أصدرت قرار الإدانة، إلى جانب بلاغات الدعم والمساندة التي تلقيتها من هيئات جمعوية قضائية وحقوقية. فيكفيني أن زملائي وكلهم قضاة كانوا مقتنعين ببراءتي، خاصة مع هذه المواجهة التي حسمت القضية بشكل نهائي وجعلت جميع ادعاءات المشتكي كأن لم تكن..

- لكن محاضر الاستماع لك تتحدث عن وجود مكالمات هاتفية بينك وبين المشتكي، هل تنفي أنك استلمت مبلغا ماليا للتوسط في القضية؟

+ لا وجود لأي مكالمات صوتية في موضوع المتابعة، كل ما هنالك مكالمات هاتفية واتصالات بيني وبين المعني بالأمر باعتباره أحد أصدقائي، فيها سلام متبادل وحديث عادي بين أصدقاء، وعند العودة لهذه المكالمات من قبل هيئة الحكم تبين أنها فارغة وغير ذات سند قانوني لإثبات الفعل الجرمي، لهذا تم استبعاد المكالمات الهاتفية..

- وماذا عن حالة التلبس؟

+ ما وقع هو أني كنت في عطلة مهنية، واتصل بي المعني بالأمر أكثر من عشر مرات، يطلب مني الالتقاء به قرب مطعم "ماك دونالد" بطنجة وهو فضاء عمومي مكتظ، وبينما نحن نتجاذب أطراف حديث بشكل ودي، فوجئت بعناصر قدمت نفسها من فرقة الوطنية، وهي تخرجني من سيارته ويمد أحدهم يده تحت الكرسي الذي كنت أجلس فيه حاملا ظرفا أصفر اللون به مبلغ مالي، كان ذلك في حدود الساعة الثامنة مساء من يوم 18 يناير 2012.. لأودع في السجن بعد أقل من 8 ساعات، وهو رقم زمني قياسي. وقد علمت فيما بعد أني كنت تحت مراقبة ضباط الفرقة الوطنية لحوالي أسبوعين. وهنا أطرح سؤالا، ما الذي جعلهم يستعجلون اعتقالي دون انتظار 5 دقائق حتى أخرج من السيارة وأنا أحمل في يدي المبلغ المالي؟ وأمام انهيار حالة التلبس تمت متابعتي من قبل قاضي التحقيق بتهمة طلب مبلغ مالي، وهي التهمة التي هدمها دفاعي وأقوالي أمام هيئة الحكم..

صراحة لم نكن نعرف من يعطي الفرقة الوطنية التعليمات، هل الوكيل العام للملك بطنجة أم وزير العدل؟ على اعتبار أن الوزير الخلفي الناطق باسم الحكومة صرح بالحرف في ندوة صحفية عقب إيداعي السجن: "كنا نتتبع ساعة بساعة أطوار هذه القضية"، وهذا خرق سافر لسرية التحقيق. أنا أتساءل: لماذا كل هذا الاهتمام بهذه القضية من طرف وزراء العدالة والتنمية، ولماذا لم تعط نفس الأهمية لقضايا أخرى مماثلة؟ إذ لم يسبق في تاريخ المغرب أن أبدى أعضاء في السلطة التنفيذية اهتماما بالغا بملف قضائي مثل ما حدث في قضيتي..

- إذا كنت تتحدث عن علاقة الصداقة بينك وبين رجل الأعمال التونسي، ما الذي يجعله يتصل بوزير العدل والحريات مشتكيا له منك بالتحديد؟

+ الأصل في الشكاية، وهي شكاية شفوية وليست كتابية، أنها كانت ضد مجموعة من الأشخاص في العدالة من بينهم قضاة ومحامون وخبير، وأنا كنت ضحية تلاعبات وتدخلات، هذا مع العلم أن القضية عرفت تدخلات سافرة من قبل أربعة وزراء في حكومة الإسلاميين هذه: الرميد، بنكيران، الخلفي، بوليف.. جميعهم أصدروا قرارا بإدانتي مسبقا، حتى قرار العزل الذي أصدره المجلس الأعلى للقضاء برئاسة الرميد شكل تأثيرا واضحا على القضية، مع العلم أنه في قضايا مشابهة يتم انتظار الحكم النهائي للمحكمة وبعدها يتم اتخاذ القرار التأديبي المناسب في حق المتورطين. وما زلت أنتظر بت الغرفة الإدارية لمحكمة النقض في الطعن الذي تقدمت به ضد قرار العزل الإداري الذي أعتبره بمثابة حكم بالإعدام المهني.. 

مع العلم أنه في جلسة المجلس التأديبي، كنت قد طلبت من وزير العدل إجراء بحث عما أملك بعد 16 عاما من العمل، وقلت له إذا وجدت شيئا آخر غير الشقة التي أقيم فيها، والتي اقتنيتها بقرض 100 في 100، فبإمكانه القيام بإجراءات الحجز..

- لكن مع ذلك، فإن بعض الأوساط القضائية اعتبرت الحكم ضدك بالحبس موقوف التنفيذ لا يتلاءم والجرائم التي توبعت من أجلها، فإذا كانت هيئة الحكم اقتنعت بالإثباتات والأفعال المنصوص عليها في صك المتابعة، لماذا تدينك بالحبس موقوف التنفيذ مقابل الحكم بالحبس النافذ في قضايا الأموال؟ 

+ بدوري أتساءل عن خلفية هذا الحكم، رغم أن الحبس موقوف التنفيذ هو إدانة في حد ذاته في الوقت الذي كنت أنتظر فيه الحكم بالبراءة التامة أمام انهيار كل الأدلة المقدمة ضدي، مع العلم أن رجل الأعمال تنازل عن شكايته ضدي ولم يتحدث عن أي محاولة لإرشائي. فالمتصفح لمحضر المتابعة لن يجد شكاية مباشرة مكتوبة منه ضدي، مع أن مثل هذه الجرائم المرتبطة بالأموال تتطلب شكليات ضرورية منها شكاية مباشرة وواضحة من المعني بالأمر، قد تكتفي المحكمة بالقول إنها كونت قناعتها القضائية، لكن هذه القناعة أضحت  في هذه الأيام هي عين المشكل في المادة الجنائية..

على العموم، مثل هذا الحكم سيفتح المجال واسعا للكمائن والشكايات الكيدية، إذ سيكفي بعدها استدراج أي موظف أو قاض، ووضع مبلغ مالي جنب قدميه في غفلة منه والادعاء بعدها بأنه موضوع ابتزاز منه.