الاثنين 13 يناير 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر الجديدة والنقل بلا عقل: "هاد الشي اللي عطى الله والسوق"

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر الجديدة والنقل بلا عقل: "هاد الشي اللي عطى الله والسوق" محمد عزيز الوكيلي
عند احتفال نظام الجزائر في صيغتها الموصوفة بالجديدة بعيد الثورة المفترى عليها، في فاتح نونبر المنصرم، نظم ذلك الجار استعراضاً عسكرياً ضخماً ومُبالَغاً في تضخيمه، وكان ذلك منتظراً، لأن الجميع كان يتوقع أن يكون الاستعراض بمثابة رسالة تهديدية للمغاربة مفادها: "إننا أقوى منكم عسكرياً، وإننا على أهبة الاستعداد لضربكم متى شئنا ذلك، وهذه قواتنا لا تنتظر سوى أصبع الإشارة"... وكما قال تبون في إحدى شطحاته: "والله ونبداو هاديك الحرب ما نوقّفوها"!!
 
غير أن الذي دفعني إلى التذكير بذلك الاستعراض المثير للسخرية، إنما هو مشهد الموكب الرئاسي الذي ضم الرئيسين الصوري والحقيقي، وهما يتجهان صوب المنصة الرئاسية، ممتطيين سيارة مدرعة، وتحفّهما من الجانبين كوكبتان من الخيالة، نقلاً عن الصورة الأصلية، التاريخية والمبهرة، التي دخل بها موكب جلالة الملك والرئيس ماكرون إلى المشور السعيد عقب مرورهما بأهم شوارع العاصمة، الرباط... وبطبيعة الحال، كان الفرق شاسعاً بين الأصل، الذي شكّله الموكب الملكي بالرباط، وبين "الفوتوكوبي" التي استنسخها موكب السي عبد المجيد تبون وغير السعيد شنقريحة قُبيل بدء ذلك الاستعراض المضحك، خاصة وأن شكل الفرسان وهم يكدّون ويتصببون عرقاً حتى لا تخونهم جيادهم فتخرج عن السرب كان فعلا مثيراً للشفقة... فالمساكين لم يتعوّدوا على مثل تلك المهمّات، التي تتطلب سنوات طوال من التدريب والتكوين فرساناً وأحصنةً على السواء!!
 
مناسبة التذكير أيضا بذلك المشهد، المنقول بطريقة "عبيطة" ومثيرة للرثاء عن النسخة المغربية الأصيلة، ما حدث قبل ساعات، عند استقبال الرئيس الجزائري لرئيس جمهورية جنوب إفريقيا، الذي استُدعي خصيصاً لإعادة إنتاج الحدث الذي صنعه الرئيس الفرنسي امانوئيل ماكرون، لدى زيارته للبرلمان المغربي، ولدى إلقائه بل إطلاقِهِ من فوق منبر هذا الأخير رصاصاتِه القاصمةَ لظهر البعير الجزائري، وهو يؤكد ويعيد التأكيد على إقراره ودولته بمغربية صحرائنا الجنوبية الغربية!!
 
غير أن النسخة المنقولة التي لعبتها الجزائر مع رئيس دولة جنوب إفريقيا كانت مقلوبة، تماما كما هي الصور في المرايا، يمينها في محل يسارها، ويسارها في مكان يمينها، لأن الرجل صعد إلى منبر البرلمان الجزائري ليتقيأ على برلمانيي ذلك البلد، في هذه المناسبة "الفوووكوبي"، نفس الكلام الذي تعودت على ترديده كالوِرد وسائل المراحيض الإعلامية الجزائرية، دون أدنى زيادة، أو حتى رتوشات على سبيل التجميل: "دعم الشعب الصحراوي، وحقه في تقرير المصير، واسترجاعه أرضَه المحتلة من لدن المغاربة"، وأشياء أخرى من نفس هذا القبيل... فكان ذلك كلُّه قمةً في الرتابة والضجر!!
 
والجميل، في نفس نطاق هذا النقل المبرح والمؤلم، أن رئيس الجمهورية الجزائرية، الذي لم يكن في استقبال ضيفه الجنوب إفريقي في المطار كما يفعل الرؤساء المحترمون عند استقبالهم لرؤساء آخرين محترمين، عَمِد إلى الالتقاء به لاحقا قُبَيْل تَوجُّهه لمقر البرلمان، فقدم له التمر نقلا أيضا عن البروتوكول المغربي، إلا أنه كان تمراً غيرَ منزوع من عيدانه، وغيرَ مصحوب بالحليب، ربما لأن الحليب في الجزائر أندر من الماس، أو بالأحرى لأنه حليب مجفف، أو "حليب غُبرة"، ولذلك فاته أن يقدم صورة وفية للبروتوكول المغربي المتجدّر في تربة التقاليد المخزنية، التي لا يُحسِنها ولا يُتقِنها إلا المغاربة، وأبناء "دار المخزن" على الخصوص... ومن ثَمّ فقد جاء المشهد ناقصاً، أعرج، ومشوّهاً بكل المعايير!!  
 
 لقد أراد السي عبد المجيد أن يرد على زيارة الرئيس ماكرون للمغرب بزيارة الرئيس رامافوزا للجزائر، ولكنه في غمرة نقله وتقليده للتظاهرة المغربية نسي أن القيمتين الاعتباريتين، في ميزان السياسة والدبلوماسيا الدوليتين، لكل من الرئيس ماكرون ونظيره الجنوب إفريقي، لا يجوز وضعما على قدم المساواة، أو على سبيل المقارنة، فبالأحرى أي يضعهما المرء في ميزان المفاضلة، لأن الفارق بين الرجلين ودولتيهما يكاد يشبه الفرق بين "طز والحمد لله" كما يقول المثل المغربي الدارج والساخر!!
 
فشتّان بين الرئيسين، وشتّان بين دولتيهما، وبين ما تجرّانه وراءهما من التاريخ، والحضارة، والوزن السياسي والدبلوماسي... غير أنّ رئيساً مثل السي عبد المجيد تبون ورفيقه غير السعيد شنقريحة أنّى لهما أن يدركا مثل هذه الفروقات، الدقيقة، التي لا يتذوّقها إلا القادة الحقيقيون ملوكاً ورؤساء جمهوريات ورؤساء أنظمة!!
لكن... "الغالب الله، هاد الشي اللي اعطى الله والسوق"!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.