الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أميمة فضايل: حين يحب النحل من طرف واحد..

أميمة فضايل: حين يحب النحل من طرف واحد.. أميمة فضايل
تشاء الصدف أن نلتقي أشخاصا بالصدفة، يخيل إلينا أننا نعرفهم منذ قرون، رغم أن حتمية المصادفات فقط من رتبت اللقاء. فذات ليلة ماطرة في حانة خافتة الأضواء، شاءت الأقدار أن أن ألتقي شخصين من جيلين مختلفين، شاب في مقتبل العمر وشيخ مسن، لقاء من النوع العابر الذي تتيحه جلسات السمر المعتادة في الحانات، نتكلم في كل شيء وفي لاشيء، واستمر تقاسمنا للحديث إلى منتصف الليل، لنغادر ثلاثتنا لحانة أخرى، كما يفعل سكارى الليل عند رفع ألواح وقت الإقفال تنقلا بين بارات المدينة، كما يتنقل النحل أسرابا بين الأزهار.. غادرَنا بعد برهة الشاب الذي يرافقنا بعد أن تثاقلت حركته بفعل قناني الجعة بعد أن أخبرنا أنه يقطن خارج مدار المدينة، استمر سمرنا أنا و"صديقي" المسن، تحدثنا حول الكواكب والمجرات والإنس والجن.. لألتفت فجأة وتلتحم عيناي بعيني شاب في مقتبل العمر، حيث لا يمكن التنبؤ بأين سيحط النحل أجنحته، خصوصا إذا حضر مفعول الجعة في تفاصيل الزمان والمكان، والغريب أنني لمست في شخصية هذا الشاب روحا هادئة ومتزنة برزانة تثير الإعجاب والغموض في نفس الآن.. وقد كان الانجذاب متبادلا ولو عن بعد، امتلكت جرأة الحديث إليه.. وقد تأكد حدسي بمواصفاته، وزاد إعحابه بي بفعل طبيعتي الاجتماعية وثقافتي المتنوعة وروح الدعابة التي تميزني..
 
شاءت شرائع النحل الباخوسي أن تجمعنا الليلة، رغم أنني لست عاهرة ولا بائعة هوى تلتقط لقمتها على قارعة الحانات وقواريرها، كانت ليلة من ألف ليلة وليلة لن تنمحي من ذاكرتي ما حييت، مغناطيس روحي وحد ذاتين تائهتين.. عند انبلاج شمس الصباح حملني على دراجته النارية، ويداي تعانقانه وتلامسان جسمه القوي والمثير وقد استهوتني رجولته وشهامته، ونسمات الصباح تداعبنا وهو يقود بسرعة، وكل أملي أن لا تتوقف رحلة طائر البراق.. وأن لا يتوقف قلب هذا الحلم الجميل عن الخفقان.

استمرت علاقتنا بشكل متواتر، تجمعنا ليالي السمر ويستمر عناقنا حتى الأشعة الأولى للفجر، لست بالعاهرة ولا بالمسترزقة بأحاسيسي، لكني لاحظت بعد فترة أنه يصر على منحي مقابلا ماديا عن كل ليلة نقضيها مع بعضنا.. هل تحولت في نظره إلى فتاة ماخور تبيع جسدها ؟! لقد أحببته من كل أعماقي، وكنت أذوب في جسده من العشق الحقيقي كما تذوب قطعة السكر في كأس شاي ساخن.. تقاذفتني الأفكار السوداوية وفكرت أنه يمكن أن يكون لقاؤنا الأول في علبة الليل سببا في تحوله هذا، فطبيعة الرجل الشرقي أن يعود لمربعه الذكوري باحتقار مشاعر المرأة الأصيلة ربطا بزمكان هو فقط من باب الصدفة.. هل تحولت علاقتنا إلى رابطة متسخة بين عاهرة وزبون ؟! أنا لست كذلك. 

لقد تطورت الأمور بسرعة ووقعت في حبه.. ولست متأكدة أنه يبادلني نفس الشعور، إنني أخشى أن يكون حبا من طرف واحد، وأن علاقتنا بالنسبة له نزوة عابرة.. لا مجال لإطالة هذا التردد القاتل إلا بخروجي من حالة الشك إلى الإفصاح عن مشاعري.. قررت في عيد ميلادي الأخير أن يكون مناسبة للتعبير الصريح عن مشاعري الجياشة بحبه، ولكي أقطع الشك باليقين بحقيقة أحاسيسه اتجاهي.. لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن فبقدر ما وقفت على حقيقة الأمور ندمت على قرار النبش في دواخله، لقد اعتبرني على قدم المساواة مع كل النساء اللواتي يعرفهن، وأن تعامله واضح ويحترم كل النساء ويقدر علاقته بهن.. دخلت في دوامة من التيه والصدمة والإحباط.. وكذا بعتاب حار لنفسي إن كنت سهلة المنال أو أنه قد غرر بي، أو أنني من أساءت تقدير طيبوبته..
 
لا أنكر أن العديد من الشباب معجب بي وجمالي وحتى شخصيتي، ويتمنون أن يرف لي جفن لإعطائهم فرصة الحديث معي، لكن النحل فيما يعشق مذاهب.. إنها متاهة الحب من طرف واحد.