ماذا لو اجتمع الجزائريون، عسكرا ومخابرات وحكومة وشعبا، على كراهية رجل واحد!؟
ليس هذا الرجل هو السفير الفرنسي ديفال بالداي حسين الذي ورط الداي حسين باشا، في 30 أبريل 1827، في حادثة المروحة التي استغلتها فرنسا مبررا لاحتلال الجزائر على مدى 132 سنة!
ليس هذا الرجل هو السفير الفرنسي ديفال بالداي حسين الذي ورط الداي حسين باشا، في 30 أبريل 1827، في حادثة المروحة التي استغلتها فرنسا مبررا لاحتلال الجزائر على مدى 132 سنة!
وليس هو وزير الحربية الفرنسية، كلير مون دي تونير، الذي حرض الملك شارل العاشر على الاستيلاء على السواحل الجزائرية، وزين له السطو على مناجم الحديد والرصاص والكنوز المكدّسة في قصر الداي التي قدرتها المخابرات الفرنسية بأكثر من مئة وخمسين مليون فرنك!
وليس هو الجنرال دي بورمن الذي جاء إلى الجزائر، في 14 يونيو 1830، على رأس 34 ألف جندي، واستطاع أن ينتزع معاهدة استسلام حاكم البلاد، الداي حسين!
وليس هو الجينرال بول أوسارس، ضابط الخدمة السرية الذي كان مخلصا للجنرال ديغول، واعترف بوقوفه وراء قتل آلاف المناضلين والسياسيين الجزائريين المناوئين للاحتلال الفرنسي، من بينهم "محمد العربي بن مهيدي" و"علي بومنجل".
كما أنه ليس الجينرال المغربي الفذ، إدريس بنعمر، الذي قهر الجيش الجزائري في حرب الرمال، ولم يتوقف تقدم القوات العسكرية المغربية إلا بعد تدخلات والتماسات عربية وإفريقية لدى الملك الراحل الحسن الثاني !
لا يتذكر الحكام العسكريون الجزائريون الحاليون وأذنابهم في الأمن والمخابرات والإعلام المأجور إلا «عدوا» واحدا يتمنون، ليلا ونهارا، أن يختفي من المشهد بأقصى سرعة ممكنة. هذا الرجل ليس ضابطا عسكريا، وليس زعيما لجماعة مسلحة، ولا يملك طائرات حربية أو قنابل أو دبابات. لم ينهب غازهم الذي استولى عليه «عسكرهم»، ولم يعتد على «حدودهم الاستعمارية» كما تفعل الجماعات الإرهابية والانفصالية في الجنوب، ولم يعاركهم حول أحوال بلادهم التي تعاني من انحسار شديد في الديمقراطية والحقوق والحريات، ولم تبدر عنه أي ذرة اهتمام بجنونهم الجماعي، ولم يسع إطلاقا إلى الاشتباك معهم خارج قواعد التباري والمنافسة الرياضيين.
هذا الرجل هو فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ 2014، والوزير المكلف بالميزانية.
فلماذا يكره العسكر الجزائري فوزي لقجع أكثر من الجميع؟ ولماذا يصر الإعلام الجزائري المخابراتي على شيطنته وإلحاقه بالأعداء الذين يتعين التخلص منهم؟ ولماذا يتعامل معه الجنيرال «شنقريحة وتابعه تبون» بوصفه جيشا قويا ينبغي أن تزيحه القوة الضاربة من طريقها ليتحقق لها المراد؟
هل السبب هو النجاحات التي تحققها كرة القدم المغربية في كل الفئات، على الصعيد العربي والإفريقي والدولي؟ أم أن الجزائر، في ظل «أوليغارشيتها العسكرية» مريضة بالإخفاق في كل الواجهات، وتحاول أن تعثر على فزاعة ملائمة لتبرير فشلها السياسي والديبلوماسي والرياضي للجزائريين؟
ما يقع في الجزائر من جدال حول أسباب الفشل الذي تغرق فيه البلاد يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كرة القدم هي السياسة، وأن السياسة هي كرة القدم، أو هذا على الأقل هو الدم الذي يتدفق في عروق الجزائريين.
ولما كان المغرب هو المنافس الإقليمي الأكثر حضورا على الساحة الكروية، فإن العسكر يفسر إخفاقاته، كما دأب على ذلك، بوقوف فوزي لقجع، ممثل المملكة «الخارق» وراء كل الهزائم والإقصاءات والتعثرات والإخفاقات الجزائرية، بل إن الإعلام الجزائري المخابراتي ينخرط في تبريرات لاعقلانية غير متوقعة تصب كلها في اتهام فوزي لقجع بتحريك الخيوط في «الكاف» أو «الفيفا» أيضا، وربما في كوكب «فيغا»، وكأن الرجل أحد أبطال «ميلفيل» الذين استحوذوا على العناصر الأربعة، وباتوا خارج التصنيف البشري.
فقد كشفت «مغرب أنتجلنس» أن الرئيس الجزائري عبر عن تبرمه من القوة الخارقة التي يتمتع به فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بل أعطى تعليماته لمستشاريه من أجل إيجاد حل لتحجيم نفوذ لقجع في «الكاف، علما أن المسؤول المغربي يشغل فقط منصب النائب الرابع لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم».
فأين ذهب سحر «القوة الضاربة» حتى تدخل «القيادة العسكرية والسياسية» في اجتماع قمة من أجل مواجهة رجل مغربي واحد لا سلاح له إلا قوة الحضور وسرعة البديهة والقدرة على الإقناع وحين إدارة الملفات؟
ألا تستطيع الجزائر، بكل كابراناتها وسياسييها وإدارييها، أن تنتج رجلا قادرا على إدارة الكواليس؟ هل نفوذ فوزي لقجع أمر قاهر، حتى يأمر رئيس دولة تقول عن نفسها إنها «محور الأرض وأصلها» بإنشاء «مراصد بحث» و«خلايا أزمة» و«مراكز دراسات» من أجل التفكير في أنجع طريقة لتحييد الرجل؟ هل تحول لقجع إلى صاروخ باليستي يقتضي اجتماع مجلس الحرب الجزائري للنظر في سبل القضاء عليه والحد من قدراته الهجومية؟
يعلم الجميع أن الجزائر دخلت، منذ إقدامها على قطع العلاقات مع المغرب في غشت 2021، في «ردة فعل» لم تخرج منها إلى حدود اليوم. فالمغرب، حسب حكام قصر المرادية، هو سبب كل الكوارث والحرائق والزلازل والعواصف والكسوف والخسوف والرجات والهزائم والويلات والعسر والخسر والسقطات والكبوات التي تعتري التاريخ الجزائري. والحل الناجع لوضع حد للفشل هو إحراق «التميمة المغربية» وإقناع الجزائريين بأنها الشر الذي لا بد من استئصاله، بل «استعمال» الإعلام الانتهازي وحقنه بالمهرجين والمبتزين من أجل إنتاج الكراهية وإقناع الشعب بأن المتسبب المباشر في تقهقرهم الكروي هو فوزي لقجع، وأن الضغط عليه وشيطنته وتشويهه هو الطريق إلى محوه من الخريطة الإفريقية لفسح المجال لـ «التفوق الجزائري» ليقول كلمته!
وتبعا لذلك، تردد أبواق قصر المرادية: «أيها الجزائريون الأقوياء والطيبون الأخيار، لقد سعت بلادكم بكل قوة وبسالة إلى استضافة المنافسات القارية والدولية، لأنها الفرصة الوحيدة للدعاية لـ «الجزائر الجديدة». غير أن فوزي لقجع هو أكبر عائق أمام طموحات الجزائر في استضافة أكبر المسابقات القارية الدولية. هو الذي سرق منا تنظيم كأس إفريقيا (2025)؛ وهو الذي وهب تنظيم الكأس القارية لكينيا وتانزانيا وأوغندا (2027)؛ وهو الذي سرق منا مجد كأس العالم بقطر 2022، وكنا الأحق بالوصول إلى نصف النهاية؛ وهو الذي اشترى الحكم الغامبي باكاري غاساما وأوغر صدره على محاربي الصحراء في المباراة التي جمعتهم بالمنتخب الكاميروني نهاية مارس 2022؛ وهو الذي صنع هدف اللاعب الكاميروني إيكامبي الذي حرم أصدقاء محرز من الوصول إلى نهائيات قطر؛ وهو السبب في الخروج المذل لـ «الخضر» من الدور الأول لكأس الأمم الإفريقية بالكوت ديفوار (2024)؛ وهو الذي كان وراء قرار الكاف بإعلان هزيمة اتحاد العاصمة الجزائري أمام نهضة بركان، بثلاثية نظيفة، في ذهاب نصف نهائي مسابقة كأس الاتحاد الأفريقي (أبريل 2024)؛ وهو الذي عرض رئيس رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم «الفاف»، جهيد زفيزف، لهزيمة مدوية في المنافسة على عضوية المكتب التنفيذي للكاف، حيث لم يحصل سوى على 15 صوتا من أصل 54 صوتا، فيما نال رئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم، عبد الحكيم الشلماني 38 صوتا؛ وهو السبب في حرمان المنتخب الجزائري من المشاركة في أولمبياد باريس لأن الكراغلة هم الأحق بالمركز الثالث والأجدر بارتفاع علمهم الوطني؛ وهو المسؤول عن كساد الملاعب والفرق والأندية والمسيرين والمدربين وجامعي الكرات؛ وهو المانع المنيع الذي عليه أن يختفي لتُفتح أبواب الجنة لشنقريحة وتبون.
هاجم الإعلام الجزائري المسخر رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الجنوب إفريقي، باتريس موتسيبي، وعرضوه لضغط هائل بمحاولة إظهاره كأنه «الخادم المطيع لفوزي لقجع!"، والمؤتمر بأمره في كل ما يقع في اللعبة على المستوى الإفريقي» وذلك من أجل زرع الفتنة داخل الاتحاد وتأليب الأفارقة على المكتب التنفيذي. بل ذهب به الأمر إلى حد اتهام جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالوقوع في فخ رئيس الجامعة المغربية! وأن هذا هو السبب المباشر في بلوغ المنتخب الوطني المربع الذهبي في كأس العالم قطر 2022، قبل أن يفوز بتنظيم كأس إفريقيا لسنة 2025، وصولا إلى نيل شرف تنظيم كأس العالم 2030 في ملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال. بل هذا هو السبب في استمرار احتضان المغرب لأضخم التظاهرات الكروية قاريا وعالميا، ومن ذلك احتضان مراكش حفل جوائز «الكاف»، بعدما احتضنته الرباط قبل عام واحد.
لا يعترف الجزائريون بـ «هزائمهم» المتتالية أمام المغرب. فهم غير قابلين للهزيمة. هم الأصل، والباقي كله تقليد. الزعامة سرقها منهم رجل واحد، وهو لم يستطع بذلك إلا بالتآمر والكولسة، والقضاء عليه «مسألة حياة أو موت»! بل إن الأبواق الجزائرية تؤكد بصوت واحد، في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، أن المهمة الوحيدة التي يشتغل فوزي لقجع داخل أروقة الاتحاد الإفريقي من أجل تنفيذها، هي تدمير كرة القدم الجزائرية!
يتأكد اليوم، إذن، أن أخطر عدو لنظام شنقريحة وتابعه تبون هو فوزي لقجع، المغربي الذي يمنع حكام الجزائر من استغلال سمعة كرة القدم الأفريقية لتحسين صورتهم المهزوزة داخليا وخارجيا، بفعل فساد الأوليغارشيا العسكرية المتحكمة في البلاد، وهو الذي يمنعهم من تبييض فسادهم على حساب المغرب الذي اشتغل في صمت منذ تولي الملك محمد السادس العرش في صيف 1999، من أجل جني ثمار هذا النجاح الرياضي غير المسبوق.
أحمد لفضالي- هشام ناصر
تفاصيل أوفى تدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"