عاشت منطقة تراخال بين الفنيدق وسبتة المحتلة، منذ الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، حالة استنفار قصوى، جراء مواجهات بين القوات الأمنية المغربية، والآلاف من الشباب والقاصرن الراغبين في اقتحام سبتة المحتلة، بعدما قدموا من مختلف المدن المغربية..
هو المشهد العام الذي فرض نفسه علينا جميعاً ونحن نتابع هذا " الهروب الجماعي" وبأسلوب جديد من الهجرة غير النظامية التي انتقلت من السرية نحو العلنية من خلال انتشار محتويات مجهولة المصدر على منصة "تيك توك"، تدعو الراغبين إلى يوم 15 سبتمبر كموعد للانطلاق.
كان الموعد / المشهد كله غارق في الألم.. وصدمة أعجزتنا عن فهم ماجرى ويجرى في هذا الوطن ولهذا الوطن حتّى أصبح القاصر نفسه يرغب في ركوب " الموت" نحو الحياة.
كما أن الموعد نفسه (15 سبتمبر) ليس بريئا خاصة وأنّه يصادف انطلاق الموسم المدرسي ومنتصف فعاليات الإحصاء العام وعشية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف… وقد يذهب البعض إلى تشبيه الحدث بما يقع وبشكل يوميّ في الحدود بين فرنسا وإنجلترا ولعنة المانش هناك أو على الحدود التركية البلغارية، أو بين ليبيا وتونس مع إيطاليا، أو موجهة الهجرة من الجزائر إلى إسبانيا، حتّى أضحى الأمر ظاهرة كونية عالمية كتعبير عن رفض البقاء في البلد ورفض سياساته المفروضة على مواطنيه واحتجاج صامت على الوضع المزري.
لكن أن نشاهد مئات القاصرين اليافعين عوض الذهاب إلى المدرسة نجدهم يغامرون بحياتهم ويرمونَ بأجسادهم الطفولة النحيفة في أحضانِ الموتِ بحثا عن الحياة ففي الأمر ما يدعو إلى التوقف طويلا عند هذه المشهد الصادم ونحن أمام جيل المستقبل متشبّع منذ صغره وبشكل جنوني بأحلام هجرة غير واقعية.
هو المشهد نفسه كصفعة لهذه السياسات العمومية الفاشلة في بناء وحماية مجتمع المستقبل القادر على الحلم بطموح العيش بكرامة وعدل داخل وطنه.
هذا " الهروب الجماعي" هو جواب صريح لعجز حكومة السيد أخنوش في تدبير مختلف الملفات ذات الطابع الاجتماعي وتخفيف بذور التوتر والاحتقان وسط مناطق الظل والهشاشة رغم هيمنة هذه الحكومة عدديّاً على كل المؤسسات جهويا ومحليّا..وهي تملك كل شيء سوى ان تكون حكومة وطنيّة سياسيّة.. وحكومة أزمة لنكتشف اننا أمام أزمة حكومة تزواج فيها المال بالسلطة بشكل فظيع .
في غياب كلّي لما يسمّي بالمعارضة.. جعلنا ندق الخطر للقول وبأعلى صوت بأننا أمام وضعية اجتماعية مقلقة بقبّعة الهجرة العلنية المستفزة قد تتكرر بشكل او بآخر ولن تنفع معها هذه المقاربة الأمنية الصارمة مستقبلا ما لم تقم الحكومة الحالية بإعادة النظر في هذه السياسية التي تخدم مصالح الباطرونا على حساب فقراء وهوامش هذا الوطن..
فالمشهد اليوم وفي تفاصيليه لا يحمل من مفهوم الدولة الاجتماعية إلا الاسم عند رئيس الحكومة الذي صدح قبل يومين بنجاح اوراش الدولة الإجتماعية كشعار على الورق تكذّبه فاتورة الغلاء وتفقير القدرة الشرائية للمواطنين بشكل عام.. وسط مناخ سياسي تهاوي فيها الخطاب الحزبي بمنطق القبلية وسيادة ” التبرهيش ” الحزبي والمراهقة السياسية بوهم البطولة وعقد التاريخ.. في غياب كلّي لطبقة حزبية تأطيرية جادة ومسؤولة ومنضبطة لأخلاق السياسة..
هو الوضع العام وبهذا النفق المظلم نحتاج إلى قادة كبار قادرة على ان تنتج مبادرات تنموية كبرى تجعل من أطفالنا يهاجرون إلى كل شواطئ الوطن من أجل الاستجمام والإصطياف لا من أجل ركوب المواجه هروبا من الوطن..