السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

أريري: اللهم ابعث في المغرب من يحمل جينات مهندس "صوفيا أنتيبوليس" لخلق الثروة وصناعة الأدمغة !

أريري: اللهم ابعث في المغرب من يحمل جينات مهندس "صوفيا أنتيبوليس" لخلق الثروة وصناعة الأدمغة ! الزميل عبد الرحيم أريري بمدينة Valbonne رفقة نادلة بمطعم Ciro
رغم وجود 5641 مطعما مصنفا بمدن الشريط الساحلي Côte d'Azur بجنوب فرنسا، فقد فضلت يوم الخميس 29 غشت 2024، تناول وجبة الغذاء بمطعم Ciro italien الموجود بساحة Bermaonde بمدينة Valbonne. هذا الاختيار لم يكن من باب العبث، بل كان اختيارا واعيا، بحكم أني أقدس العظماء الذين يتركون بصمات كبرى ببلدانهم ويجرون مجتمعاتهم نحو الأعلى.

المكان الذي أتواجد به بمدينة Valbonne، كان إلى حدود أواخر الستينات من القرن العشرين أرضا مقفرة و"نسيا منسيا"، يقتات سكانه من ما تجود به سواحل "الكوت دازير" Côte d'Azur من مداخيل جبائية عادية بفضل النشاط السياحي. لكن في عام 1960 ستنجب فرنسا أحد أنجب المهندسين، وهو الشاب Pierre Laffitte، الذي كان حديث التخرج من مدرسة "البوليتكنيك" بباريس ( le Corps des mines)، وكان ينتمي للجيل المثقف والمناضل بفرنسا الذين وقع لهم ارتجاج في المخ بسبب تأثرهم بأفكار الباحث الجغرافي المشهور Jean Francois Gravier الواردة في كتابه الشيق "Paris et le desert francais".

كتاب Gravier، عرى عن الفوارق المجالية الفاضحة بفرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية وفضح، بالأرقام والحجج، كيف أن جهة باريس، كانت تحتكر كل الغنائم والامتيازات، وتستحوذ على مجمل الاستثمار العمومي على حساب باقي التراب الفرنسي. 

إيمانا منه بما ورد في "إنجيل" الباحث Gravier، أخذ المهندس Pierre Laffitte، على عاتقه أن يترافع ضد ساسة باريس، لنفض الغبار عن المنطقة التي ينحدر منها ، ألا وهي حوض إقليم Alpes maritime، لرد الاعتبار لها وتمكينها من مقومات التنمية. وكان Laffitte من الأوائل الذين دعوا إلى وجوب تنويع وظائف تراب الشريط الساحلي Cote d'azur، بعدم اقتصار مدن هذا الشريط على السياحة لوحدها، بل لا بد من إعطاء وظيفة جديدة للمنطقة تجلب لها أفضل الأدمغة العالمية من جهة، وتجذب أنشط الشركات الأكثر تعلقا بالتطوير والبحث العلمي من جهة ثانية، وتكون فرصة لضخ الثروة في الخزينة العامة من جهة ثالثة.

في هذا الإطار صاغ Pierre Laffitte، مشروعه القائم على إحداث "تيكنوبول" بضواحي مدينة نيس Nice، استلهاما مما عرفته آنذاك مدن أمريكية ويابانية في هذا الباب، وقدم تصوره لكل النخب عام 1960، لكن لم تتحمس أي جهة لتصوره، ومع ذلك ظل المهندس Laffitte مصرا على تنزيل هذه الرؤية ولم ييأس، إلى أن اختمرت الفكرة لدى صانعي القرار مركزيا ومحليا.

وفي 1969 تم وضع الحجر الأساس لأول مجمع تكنولوجي بضواحي Nice، وتحديدا بمدينة Valbonne وبمدينة Antibes المحاذية لها، وسيصبح أول تكنوبول بفرنسا ( تبنت إدارة إعداد التراب الفرنسي  عام 1974، هذه الرؤية في تطوير العديد من المجالات الترابية الهشة).

ووفاء لزوجته وللمنطقة التي ينحدر منها، أطلق المهندس Laffitte على هذا التكنوبول الأول بفرنسا اسم Sophia Antipolis. وهو اسم مركب يحيل الشق الأول منه إلى زوجته " صوفيا" ويحيل الشق الثاني إلى الاسم الإغريقي القديم لمدينة Antibes، أي "أنتيبوليس".

هذا التكنوبول الذي يضم حاليا أجود مدارس المهندسين، وأشهر مدارس السبيرنتيك والمعلوميات، وأفضل معاهد التدبير والتسيير، وأشهر مؤسسات الكيمياء والبيوكيماويات، فضلا عن أزيد من 3000 مقاولة توظف عشرات الآلاف من أمهر الكفاءات التقنية المنتمية لأكثر من 45 جنسية، جعل فرنسا تنتشي اليوم بمجمع Sophia Antipolis وتقدمه للعالم بمثابة  "فلورنسا القرن 21"، كمهد للابتكار والتطور التقني والصناعي والمالي! 

والدليل على ذلك أن مدينة Nice التي لا يتجاوز سكانها 380.000 ألف نسمة،( أقل من سكان أكادير ومكناس وتطوان ووجدة)، أصبح مطارها اليوم هو ثالث مطار دولي في فرنسا بعد مطاري العاصمة (دوغول وأورلي)، بفضل كثافة الطلب على هذا المجال الذي زرع فيه المهندس Laffite أول بذور للثروة التي ترفل في نعيمها حاليا مدن وقرى جنوب شرق فرنسا.

فاللهم ابعث في مغربنا من يحمل جينات المهندس  Pierre Laffite، لنردم الأعطاب والاختلالات بالعديد من مجالاتنا الترابية، ونخلق بالمغرب أقطابا منتجة للشغل وللثروة، وجالبة للاستثمار الصناعي والتكنولوجي !