لي الشرف بأن بدايتي المهنية - قبل الالتحاق بسلك التعليم الجامعي - كانت مع الصحافة، ومع الأحداث المغربية بالذات... مدرستي الأولى التي ولجتها عبر بوابة التكوين والتمرين والاختبار... تدربنا على يدي كبار اهل الصنعة، في الجانبين معا، النظري والميداني، ثم مارسناها بالروح والقلب والجسد ... افتخر أنني كنت واحدا من الفريق الذي الذي أسهم في انطلاقة الأحداث المغربية بدءا من شارع الزرقطوني بالدار البيضاء في سنة 1998 وسيبقى اسمي حاضرا في اول عدد من اعدادها...صدورها في ذلك الوقت كان ظاهرة صحفية بامتياز، وقد لا أبالغ إذا قلت بأن الأحداث المغربية، أرخت ( بالفتحة المشددة فوق حرف الراء) وجودها في سجل الصحافة الوطنية كأول جريدة، مستقلة بالمغرب بعدد سحب تجاوز ال 140 ألف نسخة يوميا ( وأكثر من ذلك في عدد نهاية الأسبوع)...لقد مارسنا الصحافة بأصولها وقواعدها، بتعبها وإرهاقها وعبر جميع أجناسها "وجري عليا نجري عليك"...يومها لم تكن لا شرائح إلكترونية ولا هواتف ذكية، "ما كاين غير شرائط الكاسيط والتفريغ"..تنجز الحوار في المساء وتحضره للنشر في صباح اليوم الموالي... تقضي ليلة بيضاء كي تفرغ مضمونه وتنسق فقراته، وفي الغذ، تشرف على متابعة توظيب مادتك في العدد و تصحيحها وتركيبها في الماكيت وبعده نسخ الصفحات على "الأفلام" قبل نقلها إلى المطبعة، ثم تنتظر صدور العدد في أكشاك الدار البيضاء ليلة قبل صدور العدد، فلا تسترجع النفس إلا بعد تصفحه ومراجعة المادة (قبل وصولها إلى عموم القراء) مخافة أن تتضمن أخطاء تغضب مصادرك أو لا تروق لمحاورك ...حاورنا وزراء ومدراء و رؤساء المؤسسات الكبرى في البلاد...جالسنا الباحثين والفنانين والأدباء ، كنا نناقشهم في كل شيء إلا في شيء اسمه الإشهار أو الإعلان...احترمنا انفسنا فاحترمنا الناس.. أعزنا المهنة فأعزتنا ...
نعم هكذا كنا نشتغل عندما كانت الصحافة هي "مهنة المتاعب" ومهنة من يعشقها ويقدر دورها، لا مهنة من يسترزق او يحشذ بها ...مهنة لنا معها ذكريات سياتي يوم لنحكي العديد من تفاصيلها...
لا ننسى المستوى العالي جدا لفريق الزملاء، كل حسب مشربه الجامعي وتكوينه العلمي بما في ذلك الإخوة العاملين في قسمي التدقيق اللغوي أو التصميم الفني ...
زملاء متمكنون حقا، منهم الذين مازالوا يزاولون المهنة بحرفية يشهد بها الجميع ، ومنهم الذين خاضوا تجارب مهنية في مجالات تألق أخرى، ومنهم من قضى نحبه إلى رحمة الله وغفرانه...
اقول قولي هذا، وكلي حسرة وأسى على الدرك الذي انحدرت إليه صحافة هذا الزمان ..
كان الله في عون الزملاء "اولاد الحرفة بصح"، فقد اصبح من العسير إن لم نقل من المستحيل إعادة تنظيم مهنة شاع فيها التسيب وذاع الخمج، وقد اصبحت بالفعل، مهنة من لا مهنة له...
رحم الله جمال براوي...أواه كم هو صعب، ومأساة مابعدها ماساة، ان نجمع في توصيف واحد فحلا من فحول الصحافة مع الأشباح ...فإذا كان هؤلاء صحفيون فمن يكون جمال براوي إذن!؟
والله إن المشهد صعب والوضع يبعث على الرثاء...ولا نملك إلا أن نقول: وا أسفاه على صاحبة الجلالة...!
والله إن المشهد صعب والوضع يبعث على الرثاء...ولا نملك إلا أن نقول: وا أسفاه على صاحبة الجلالة...!
رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالجديدة