إذا أراد المغرب أن تستجيب مدينة الدارالبيضاء لمواصفات منظمة الصحة العالمية في جودة العيش الحضري لسكانها، فعلينا انتظار 300 سنة لتنزيل هذا المخطط على أرض الواقع.
فالدارالبيضاء لا توفر حاليا، سوى متر مربع واحد بالكاد من المساحات الخضراء لكل مواطن، في حين تنص ضوابط منظمة الصحة العالمية على وجوب تخصيص 10 أمتار مربعة على الأقل من المساحات الخضراء لكل مواطن.
على أرض الواقع لا توجد بالعاصمة الاقتصادية سوى 400 هكتار من المساحات الخضراء من أصل مساحة معمرة تقارب 22.000 هكتار، أي أن الخضرة بالبيضاء لا تتجاوز 12% من المساحة الإجمالية، وباقي مساحة البيضاء عبارة عن صحراء قاحلة ( 88% من مجموع المساحة)، علما أن هناك تفاوتا رهيبا في توزيع هذه "الجنينات" بين مقاطعات المدينة، فصحراء أحياء: مبروكة والسالمية وسيدي مومن وديور لامان مثلا، ليست هي جنة عين الذياب وأنفا العليا والسيال. والجفاف المنظري بأحياء: القدس وليساسفة والزوبير ودرب السلطان وحي شريفة، ليس هو تلك الفضاءات المعشوشبة والمشجرة بوسط المدينة أو المشور أو المارينا أو حي كاليفورنيا.
سنويا لا ترصد مدينة الدارالبيضاء سوى مبلغا حقيرا لتهيئة الحدائق ولصيانتها وللتشجير. وبالرجوع إلى السنوات الخمس الأخيرة نجد أن نسبة ما تخصصه المدينة للمساحات الخضراء من موارد مالية كل عام يتراوح بين 1% و1،9% من الميزانية السنوية، وهي أفلس نسبة على الصعيد العالمي، لأنها تبين مدى احتقار الدولة - في شخص سلطاتها المنتخبة والمعينة، المركزية واللامركزية- لقطاع الحدائق في أكبر مدينة بالمغرب، التي لا تتميز فقط بالاكتظاظ الديمغرافي فحسب( بلدية البيضاء لوحدها تضم 3.330.000 نسمة حسب إحصاء 2014)، بل وتعاني أيضا من حدة التلوث الذي يرفع من مستوى هشاشة سكانها.
إذا أخذنا مثلا سنوات 2021 و2023 و2024، نجد أن مجموع ما اقترحه مجلس الدارالبيضاء في الميزانية السنوية لقطاع الحدائق هو: 50 مليون درهم، 79 مليون درهم و95 مليون درهم على التوالي. بمعنى أن حصة كل بيضاوي من الخضرة والأشجار كان هو 15 و23 و28 درهم لكل مواطن في العام (أي لا تصل حتى إلى درهم واحد في الأسبوع)!
إذا أخذنا مثلا سنوات 2021 و2023 و2024، نجد أن مجموع ما اقترحه مجلس الدارالبيضاء في الميزانية السنوية لقطاع الحدائق هو: 50 مليون درهم، 79 مليون درهم و95 مليون درهم على التوالي. بمعنى أن حصة كل بيضاوي من الخضرة والأشجار كان هو 15 و23 و28 درهم لكل مواطن في العام (أي لا تصل حتى إلى درهم واحد في الأسبوع)!
قد ينهض قائل ليحتج ويشهر اتفاقيات تأهيل الحدائق المبرمة بين المجلس وشركة "كازا بيئة". هذا القول مرود بقوة المعطيات. فهناك اتفاقيتين يتيمتين: الأولى أبرمت مع "كازا بيئة" عام 2021، وتخص غلافا ماليا قدره 22 مليون درهم لصيانة الحدائق وتهيئتها. والاتفاقية الثانية أبرمت عام 2024،وتهم غلافا قدره 48 مليون درهم. أي أن مجموع ما تكلفت به شركة "كازا بيئة" لتهيئة الحدائق هو 70 مليون درهم.
لكن بعد خصم عمولة الشركة بنسبة 4%، لا تبقى في الواقع سوى 67 مليون درهم المرصودة لتهيئةالحدائق. وإذا استحضرنا أن كلفة إعداد المتر المربع الواحد بحديقة يكلف في أضعف الحالات حوالي 600 درهم، فإن هذا الاعتماد لن يسمح سوى بإنجاز 11 هكتارا ( طبعا إذا احترمت شركة"كازا بيئة" تعهداتها وأنجزت الصفقات وفق الجدولة المحددة).
وإذا بقي المغرب يسير على هذه الوتيرة السلحفاتية من الإنجاز، فإن على بيضاوة انتظار 300 سنة لتهيئة 3300 هكتار من المساحات الخضراء،كما أوصت بذلك منظمةالصحة العالمية!!
لي اليقين أنه إذا توفرت الإرادة لدى صانعي القرار العمومي( بمثل ما توفرت لديه لبناء الملاعب والمرافق لاحتضان كأس العالم)، فإن الأمور ستسهل لإعداد مونطاج مالي ومؤسساتي يسمح بتأهيل الدارالبيضاء بيئيا في غضون خمس أو ست سنوات، وتمكين سكانها من الحق في الحدائق وتشجير الشوارع والساحات وغرس العشب والنخيل والورد، على غرار المدن العالمية.
هناك مدخلان أساسيان لتنفيذ هذا المونطاج: المدخل الأول يتجلى في أن تقوم الدولة باستهداف كبار المنعشين العقاريين الذين راكموا ثروة جد فاحشة في العقدين الأخيرين، دون أن يساهموا في التحملات العمومية بما يتناسب مع الإغراءات والامتيازات الكثيرة الممنوحة لهم. أما المدخل الثاني فيكمن في أن تعتمد الدولة "كاستينغ وطني" لاختيار من يتولى تدبير المدينة، أكانو منتخبين أو معينين، وسواء كانوا بالإدارات المركزية أو بالمصالح الخارجية.
ونحن مقبلون على مونديال 2030 التي سيكون فيها المغرب تحت كشافات الضوء عالميا، على المسؤولين التعامل مع الدارالبيضاء مثل "باكاج" package كامل.
ولصناع القرار واسع النظر !