الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

رشيد لبكر: الزاوية التونسية (الحلقة 1)

رشيد لبكر: الزاوية التونسية (الحلقة 1) رشيد لبكر والزاوية التونسية

بدعوة كريمة من صديق عزيز (ع. ت) كانت لي اليوم زيارة لمقر سكنه الصيفي بإحدى قرى اربعاء العونات المنتمية ترابيا لإقليم سيدي بنور.

 

في الحقيقة أن ما انكشف لي خلال هذه الزيارة يعيد طرح السؤال حول واقع تراثنا الحضاري والإهمال الذي يطاله مع الأسف وهل هناك سياسات عمومية في هذا الإطار تترجم توجيهات جلالة الملك بضرورة الاعتناء بتراثنا اللامادي...وحتى لا اطيل فخلال هذه الزيارة اكتشفت بأن صديقي هذا، هو من حفدة شيخ الزاوية التونسية لمؤسسها سيدي أحمد بن بارك التونسي، الذي يعد واحدا من حفدة القطب الصوفي سيدي عبد السلام بنمشيش.

 

أما اسم " التونسي" فمجرد لقب ألصق به كونه كان من العلماء المغاربة الذي درسوا ( بتشديد فتحة الراء) بجامعة الزيتونة بتونس، ومنها حمل هذا اللقب كما حمله أحفاده من بعده، وقد استقر به المقام في هذه المنطقة المنعزلة بنية التفرغ للفقه و للعبادة و للزهد وبها أنشأ زاويته المعاصرة لحكم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، هذه الزاوية كان يقصدها طلبة العلم وقبلة الزهاد والمتصوفة من كل البقاع، بل إن السلطان العلوي مولاي سليمان ارسل اثنين من أبناءه لحفظ القرآن وتعلم الفقه بها لكن واحدا منهما وافته المنية ودفن بتراب هذه الزاوية، أي في المقبرة التي يوجد بها قبر سيدي أحمد بن بارك وابنه من بعده سي محمد التونسي الذي يرقد في ضريح مجاور لضريح أبيه.

 

فعلى عادة سلاطين الدولة العلوية لإخماد الفتن بين القبائل المتحاربة، تم استغلال وجود هذه الزاوية في الحدود بين قبيلتي الرحامنة ودكالة عند سفح الجبل الخضر، لجعلها خلال حكم الحسن الأول مركزا لتمثيل دار المخزن وإخماد نار الفتن، وهنا أصبحت هذه الزاوية تضطلع بوظيفتين، الأولى سياسية لمراقبة تحركات القبائل الزائغة وإنفاذ حكم المخزن، وكان يتولاها بظهير سلطاني القائد سيدي أحمد التونسي ومن بعده ابنه علال التونسي، وستكتشفون في الصور المرافقة روعة الدار التي كان يسكنها هاذين القائدين والتي لا تختلف في هندستها وزخرفها عن باقي الدور والقصور المخزنية (كمثل قصر للا باهية بمراكش مثلا)، مع الإشارة إلى أن هذين القائدين كانا يحكمان مناطق شاسعة من دكالة ولا يحدهما إلا النفوذ الترابي للقايد العيادي من جهة الشرق...

 

وعليه، سأعرض في الجزء الاول من هذا المنشور صورا عن دار المخزن القايد التونسي وفي الجزء الثاني صورا عن الزاوية.

 

وأشير إلى أن هذه الدار، ونتيجة إصرارها، ولو بقليل الجهد، على تحدي الإهمال والتهميش، فإنها مازالت تحفظ بعضا من جمالها ورونقها لبشهد على أصالة الصانع المغربي وعراقته وذوقه الراقي، سواء تعلق الأمر بالزليج او الفسيفساء او النقش على الخشب والجبس.

 

وإلى كل من وزارة الثقافة والمندوبية السامية المقاومة وجيش التحرير ومؤسسة متحف المغرب ووزارة الثقافة و مجلس جهة الدار البيضاء ووزارة الاوقاف وحتى المركز السينمائي المغربي...أوجه نداء استغاثة لإنقاذ هذه المعلمة من الاندثار ...فهي جزء من تاريخنا وحضارتنا...وبمثل هذا التحف نرد على كل من يريد قرصنة تراثنا فهي الشاهدة عليه والشاهدة على آثارنا...(سأرجع لأقول كلمة عن الزاوية في الجزء الثاني ومعذرة إن كانت الصور ليست بالجودة العالية).

رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة أبي شعيب الدكالي