من المعلوم أن التفرّد والتميّز الذي يفرض نفسه في مجال منطقة الرحامنة ومحيطها الجغرافي ـ الحوز ـ على مستوى مهرجانات التبوريدة، تشهد عليه أوراق التاريخ، وبصمات الفرسان المجاهدين الذين انتفضوا يدا واحدة وبقلب خافق ينبض بعشق الأرض والإنسان ضد فلول الاستعمار، ولعل قصيدة "النِّيرِيَّةْ" أو "الشُّجْعَانْ" التي كتبت بمداد الدم ولهيب النار المشتعلة على إيقاع سنابك الخيل والبارود، خير شاهد على ما قدمه الوطنيون فداء للوطن.
في هذا السياق يؤكد الباحث السوسيولوجي الأستاذ عمر إبوركي: "ساهمت قبائل الرحامنة إلى جانب أبناء عمومتهم من الجنوب المغربي في المعارك التي قادها المجاهد الهيبة وأخيه مربيه ربه، فكانت مواجهة القوات الفرنسية يوم 24 غشت 1912 مقرب أربعاء الصخور الرحامنة، ويوم 31 غشت كانت معركة ابن جرير، قبل معركة سيدي بوعثمان الشهيرة التي انهزم فيها الْهِيبَةْ يوم 06 شتنبر من نفس السنة، وكان دخول القوات الفرنسية بقيادة الكولونيل مونجان".
فإن كانت عروض التبوريدة بمختلف المناطق تستنطق تاريخها وفتراته المشرقة لتقديم لوحات فرجوية تعيد أمجاد بطولات الفرسان المجاهدين للتصدي لقوى الأطماع عبر فترات من تاريخنا المغربي، فإنني أجد نفسي عاشقا لأرض الرحامنة الأبية التي عرفت أحداثا ووقائع خلدتها أغاني جميلة تغنى بها رواد الموسيقى والغناء التقليدي النابع من صفاء فن القول والحكي لسيرة نساء ورجال حملوا السلاح وامتطو صهوة الخيل للتصدي للغزاة.
"غَوْتَتْ الشَّلْحَةْ فِي لَجْبَالْ
دَارْتْهَا نُوضَةْ وُ زْغَارِيتْ
بِينْ لَجْبَالْ وُبِينْ الطُّرْقَانْ
وَفِي سَاعَةْ وَلَّاتْ غْمَامْ
وَرَا الصَّابْرَةْ وَلَّاتْ حْرِيرْ
وَفِينْ يُومَكْ آبْنْ جْرِيرْ؟
يَاكْ الْغَبْرَةْ وَالْكُورْ يِطِيرْ
وَفِينْ يُومَكْ آ الارْبْعَا
كَانْ مُوسَمْ وَلَّى حَرْكَةْ
لَا خْزَانَةْ لَا عَوْدْ بْقَى
وَفِينْ يُومَكْ آبُو عَثْمَانْ
ﮜْدَاتْ النَّارْ بْلَا دُخَّانْ
وَرَا الطْرَابِشْ كِي بَلَّعْمَانْ
وَرَاهْ الْعَسْكَرْ حَابَسْ الْبِيبَانْ
وَرَاهْ لَخْوَاجَةْ مْزَوَّقْ الَوْلْدَانْ"
الملاحظة القوية التي تربط بفن التبوريدة وطريقة ركوب الخيل بمنطقة الرحامنة ذات الصلة بالطريقة الناصرية، حيث تستمد قوة حضور لوحاتها الجميلة، من فترات ملاحم بطولات رْجَالْ لَبْلَادْ، حيث تعكس طريقة ندهة العلام وصيحته المدوية وسط الْمَحْرَكْ من نقطة الإنطلاق إلى نهايتها، وتجاوب الفرسان عند نقطة الصفر للعبور نحو استحقاق طلقات البارود الموحدة، فترى بأم عينك يقظة العلام وفرسانه، وتلمس قوة الأداء في علاقة بسرعة الركض نحو الهدف دون توقف إلا بعد دوي البارود الملعلع على كصاص الخيل.
لوحات عروض التبوريدة التي تسترجع عبق ملاحم بطولات الفرسان المجاهدين بأرض الرحامنة، لا يمكن أن يتذوق حلاوتها، إلا من شرب من ينبوع تراثها المادي واللامادي وارتوى بمقاطع أغانيها الرائعة، وعاش بين أحضان شيوخها، وسافر متنقلا للنبش في عمق عبق التاريخ والهوية والإنسان بكل تجليات الوجود.
"دَوَّزْهَا وَاحَدْ فِي الشَّرْفَةْ
دَوَّزْهَا بَنْ يُوسَفْ السَّلْطَانْ
خْلِيفْتُو مُولَايْ الْحَسَنْ
سِيدِي مُحَمَّدْ وَالْوَطَنْ
كَ تَعْجَبْنِي الرَّايَة ْالْحَمْرَا
كَ تَعْجَبْنِي فِي النَّظْرَةْ
يَاكْ تْـﮜَطْعَاتْ لَعْدَاوَةْ
أُو مَا تَبْقَى غِيرْ الْخَاوَةْ
وَيَاكْ شَعْبْنَا سَوَا
وَرَاهْ الرَّايَةْ مَغْرِبِيَّةْ
وَرَاهْ الْعَسَّةْ وَطَنِيَّةْ
وَالِّلي بْغَى اللَّامَةْ يَتْعَامَى"
لذلك فلا غرابة أن تجد مهرجانات التبوريدة بمنطقة الرحامنة يسهر على تنظيمها ثلة من الرجال، اعتنقوا عن قناعة إيمان الإرادة وقوة العزيمة، وعشقوا حد الهيام الموروث الثقافي الشعبي بكل تجلياته وروافده وخصوصياته، لأنهم يعرفون جيدا أن أرضهم هي ملتقى الشاوية بالحوز حيث يتجمع سيل الروح الأمازيغية العربية الأندلسية الإفريقية.
فبعد العبور الثقافي والتراثي بمهرجانات التبوريدة بالرحامنة، نصل إلى محطة مهرجان جسور الرﮜيبات سلام للتواصل بجماعة نزالت لعظم التي اختارت الترافع على ملف القضية الوطنية من خلال ندوة "الصحراء المغربية وسؤال الهوية والمآل" حيث سيستضيف المهرجان يوم السبت 24 غشت 2024، كل من الباحث السوسيولوجي الأستاذ عمر إيبوركي، إلى جانب الأستاذ عبد الفتاح نعوم الذي سيتناول محور "تطورات القضية الوطنية...الديبلوماسية المغربية واستشراف المستقبل".
القصيدة التي أرخت للشجعان:
وَيَا الْوَاحِدْ أَيَا رَبِّي
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
حَطِّيتْ عَيْنِي وَافْرَحْ قَلْبِي
بِسْمِ اللهْ بَاشْ بْدِيتْ
آَوْدِّي عْلَى النَّبِي صَلِّيتْ
يَا وْدِّي كَثْرِوا فِي صْلَاتُو
النّْبِي شْفِيعْ أمْاتُو
اذْكُرْ اللهْ تْصِيبْ اللهْ
عَيْطَةْ الْمُولُى مَقْبُولَةْ
ﮜالْتْهَا دِيكْ النِّيرِيَّةْ
يَاكْ عَزْبَةْ وُ دْرِيرِيَّةْ
مْحَزْمَةْ بِالسِّيفْ وُالتَّحْتِيَةْ
وَاشْ عَلَّامْ الْخَيْلْ يْفُوتْ؟
وَاشْ عَشَّاقْ الزِّينْ يْمُوتْ؟
إِلَا خْيَابَتْ دَابَا تَزْيَانْ
دَابَا مُولْ الْحَقْ يْبَانْ
الِّلي بْغَى اللَّامَةْ يَتْعَامَى
يَصْبَرْ لُّلومَةْ وُكْلَامْ النَّاسْ
كْلَامْ النَّاسْ خَيْطْ بْلَا سَاسْ
وَلَا سْمَاحَةْ لِيكْ آ لِيَّامْ
وَرَاهْ الشُّرْفَةْ وَلَّاتْ عْوَامْ
وَاشْ هَاذْ لِيَّامْ الْبَدَّالَةْ
شِي عْطَاتُو، شِي ﮜلْعَتْ لِيهْ
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
حَطِّيتْ عَيْنِي وَفْرَحْ قَلْبِي
كُلْ عَلْفَةْ تْـﮜيَّدْ سْرُوتِي
فِينْ جَدْكُمْ بُوعْبِيدْ الشَّرْقِي؟
فِينْ السَّدْرَاتْ الْكِيَافَاتْ؟
يَاكْ خَضْرَاتْ وُ مَذْبَالَاتْ
فِينْ مْحَمَّدْ خُو لَهْبَالَاتْ؟
هَازْ الْخَيْمَةْ لِلزِّيتُونْ
وَفِي الزْنَاقِي نَاضْ الرِّيتُولْ
فِينْ طَرْدَاﮜِينْ الْعَلْفَاتْ؟
فِينْ الْحَرْكَاتْ فِينْ النَّوْضَاتْ؟
فِينْ آوَا خْتَكْ وُ دَادَاكْ؟
يَاكْ تْعَاهْدُوا أُو سَارُوا للَّامَاتْ
فِينْ صَرَّافِينْ الْوَرْقَاتْ؟
فِينْ فَرَّاشِينْ الْقُبَّاتْ؟
فِينْ شْرِيفِي بُويَا رَحَّالْ؟
الْعَازَلْ الجِّيفَةْ مَنْ لَحْلَالْ
وَفِينْ شْرِيفِي بُويَا عُمَرْ؟
وَرَاهْ الْحَضْرَةْ فِي بَابْ الدَّارْ
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
حَطِّيتْ عَيْنِي وَفْرَحْ قَلْبِي
وَﮜَاع ْالِّلي بْغَى اللهْ بْغَيْنَاهْ
يَاكْ مَا ضْرَبْتُوا مَا قَلْتُونَا
حَاجَةْ الْمُولَى مَكْمُولَةْ
وَيَاكْ سَاﮜُونَا سَاﮜُونَا
يَاكْ سَاﮜُونَا لِلزِّيتُونْ
يَاكْ تَمَّه نَاضْ الرِّيتُولْ
حْتَّى وَاحَدْ فِينَا مَا هَانِي
الِّلي تْهَرَّسْ هَا لَكْرَارَسْ
وَالِّلي تْحَفَّى هَا شَرْبِيلِي
وَالِّلي تْعَرَّى هَا سَلْهَامِي
وَالِّلي تْفَرْمَى يَبْقَى تَمَّه
صَيْفَطْ لَعْتَابِي لَخُّوتُو
تْحَزْمُوا كُونُوا رُجَّالَةْ
يَا وْدِّي كُونُوا عَوَّالِينْ
مْشَاتْ لَبْرَا لْفُمْ الجَّمْعَةْ
مْشَاتْ لَبْرَا لِلرُّمَّانِي
لَا خْزَانَةْ لَا عَوْدْ بْقَا
تْرَسْلَتْ لِلْقِيَّادْ بِسَبْعَةْ
كُلْ قَايَدْ أوُ كُنَّاشُو
وَالجِّيَدْ سَلَّكْ رَاسُو
وَفِينْ عَزَّكْ آ لَقْصَيْبَةْ؟
كَانْ مُوسَمْ وَلَّى سِيبَا
حَسْ لَبْكَا وَالْمُوتْ لَّا
وَآيْتْ عَطَّا وَآيْتْ بُوزِيدْ
وَفَرْ لَحْدِيدْ وُصَارْ بْعِيدْ
غَوْتَتْ الشَّلْحَةْ فِي لَجْبَالْ
دَارْتْهَا نُوضَةْ وُ زْغَارِيتْ
بِينْ لَجْبَالْ وُبِينْ الطُّرْقَانْ
وَفِي سَاعَةْ وَلَّاتْ غْمَامْ
وَرَا الصَّابْرَةْ وَلَّاتْ حْرِيرْ
وَفِينْ يُومَكْ آبْنْ جْرِيرْ؟
يَاكْ الْغَبْرَةْ وَالْكُورْ يِطِيرْ
وَفِينْ يُومَكْ آ الارْبْعَا
كَانْ مُوسَمْ وَلَّى حَرْكَةْ
لَا خْزَانَةْ لَا عَوْدْ بْقَى
وَفِينْ يُومَكْ آبُو عَثْمَانْ
ﮜْدَاتْ النَّارْ بْلَا دُخَّانْ
وَرَا الطْرَابِشْ كِي بَلَّعْمَانْ
وَرَاهْ الْعَسْكَرْ حَابَسْ الْبِيبَانْ
وَرَاهْ لَخْوَاجَةْ مْزَوَّقْ الَوْلْدَانْ
فِينْ إِيَّامَكْ آ وَادِي زمْ
رَاهْ السْوَاﮜِي تَجْرِي بِالدَّمْ
سَرْبِيسْ عْلَى سَرْبِيسْ
مَنْ آيْتْ عَطَّا لآيْتْ بُوزِيدْ
آشْ دَرْنَا وَآشْ عْمَلْنَا؟
آشْ مَنْ خَاطَرْ خَسَّرْنَا؟
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
حَطِّيتْ عَيْنِي وَفْرَحْ قَلْبِي
دَوَّزْهَا قَايْدِي آ لَحْبَابْ
دَوَّزْهَا الْقَايَدْ الْعِيَّادِي
دَوَّزْهَا بِحْكَامُو نَاضِي
وُكَمَّلْهَا بِحَجَّةْ فِي النَّبِي
مُولْ الثْرِيَاتْ الْوَرْدِيَّةْ
مُولْ الشْرَاجَمْ الشِّيبِيَّةْ
وَرَاهْ الْخَادَمْ تَمْشِي وُتْجِي
وَيَاكْ الْعَبْدْ يْعَيَّطْ سِيدِي
سَاقِي الْقُبَّةْ بِـ الْبرْجِي
وَيَاكْ نَشْطِي وَلَّا خُرْجِي
وَيَاكْ قَايْدِي فِي الْبِيرُو
وَالِّلي بْغَاتُو لِيَّامْ دِّيرُوا
هَازْ بَرَّادُو فِي قُبُّو
فِينْ مَا رْشَقْ لِيهْ يْكُبُّو
دَايْرْ شِيخَاتُو فِي جَنْبُو
فِينْ مَا رْشَقْ لِيهْ يْلَعْبُوا
ﮜَايْدْ الْعَوْدْ بِـ الْمَجْدُولْ
وَلَا حَسَدْتُوهْ دِيرُوا كِيفُو
وَيَاكْ وْلَادُوا كِيفْ الْبِيزَانْ
وَرَاهْ عْبِيدُوا كِيفْ الجَّدْيَانْ
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
حَطِّيتْ عَيْنِي وَفْرَحْ قَلْبِي
لَا سْمَاحَةْ لِلْحَدَّادَةْ
سَمَّارِينْ الْخَيْلْ الْهَرَّابَةْ
فِينْ إيَّامَكْ آ الَبْدَاوِي
الْكُمِيَّةْ وَالْهَنْدَاوِي
إِلَا مْشِيتْ يَا بَلَّفْقِيهْ
وَحَقْ رَبِّي رَاكْ تْعَرْفِيهْ
إْلَا مْشِيتْ رَبِّي سَمَّاحْ
وَبْغِيتْ حَقِّ نْعَاوَنْ بِيهْ
حَقْ رَبِّي هْنَا وَلْهِيهْ
وَاشْ مَنْ وَالَى يَتْوَالَى
وَرَاهْ السْحَيَّقْ دَارْ بْرَيِّقْ
طَالَعْ فِي الْحَدْرَةْ وَالضِّيقْ
وَفِينْ شْرِيفِي بَلْمْفَضَّلْ؟
وَاخُّوتْنَا بَاشْ تْعَنِّيتُو
وَاشْ مَنْ طَايْلَةْ رَدِّيتُو؟
وَاخُّوتْنَا مْوَالِينْ الْغَنَّاسِي
وَراَهْ ضَّرْﮜُو بِالْخَيْطْ الرَّاشِي
هَزِّيتْ عَيْنِي لِيكْ آ رَبِّي
هَزِّيتْ عَيْنِي وَفْرَحْ قَلْبِي
دَوَّزْهَا وَاحَدْ فِي الشَّرْفَةْ
دَوَّزْهَا بَنْ يُوسَفْ السَّلْطَانْ
خْلِيفْتُو مُولَايْ الْحَسَنْ
سِيدِي مُحَمَّدْ وَالْوَطَنْ
كَ تَعْجَبْنِي الرَّايَة ْالْحَمْرَا
كَ تَعْجَبْنِي فِي النَّظْرَةْ
يَاكْ تْـﮜَطْعَاتْ لَعْدَاوَةْ
أُو مَا تَبْقَى غِيرْ الْخَاوَةْ
وَيَاكْ شَعْبْنَا سَوَا
وَرَاهْ الرَّايَةْ مَغْرِبِيَّةْ
وَرَاهْ الْعَسَّةْ وَطَنِيَّةْ
وَالِّلي بْغَى اللَّامَةْ يَتْعَامَى