الأربعاء 27 نوفمبر 2024
سياسة

بلحرش: ربع قرن من حكم أمير المؤمنين.. تدبير استثنائي للشأن الديني في عهد الملك محمد السادس

بلحرش: ربع قرن من حكم أمير المؤمنين.. تدبير استثنائي للشأن الديني في عهد الملك محمد السادس تجسد‭ ‬الجهد‭ ‬الاستثنائي‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬عبر‭ ‬عدة‭ ‬مبادرات‭ ‬
”بقدر‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬مقتنعون‭ ‬بأهمية‭ ‬التعايش‭ ‬والحوار،‭ ‬ومتشبتون‭ ‬بقيم‭ ‬الاعتدال‭ ‬والتسامح‭ ‬ونبذ‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التعصب‭ ‬والكراهية‭ ‬والتطرف،‭ ‬فإننا‭ ‬مقتنعون‭ ‬أيضا‭ ‬بضرورة‭ ‬إعمال‭ ‬سياسات‭ ‬تيسر‭ ‬بلوغ‭ ‬الأهداف‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬نعتز‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بما‭ ‬حققناه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تدبير‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬وبأداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬سهرنا‭ ‬على‭ ‬إحداثها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الدستور،‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬منها‭ ‬المجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأعلى؛‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المؤهلة‭ ‬لإصدار‭ ‬الفتاوي،‭ ‬درئا‭ ‬لأي‭ ‬زيغ‭ ‬أو‭ ‬انحراف‭ ‬عن‭ ‬مقاصدها“‭. ‬

انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مقتطف‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬2023،‭ ‬إلى‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬البرلماني‭ ‬الدولي‭ ‬المنعقد‭ ‬بمراكش‭ ‬حول‭ ‬"حوار‭ ‬الأديان:‭ ‬لنتعاون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬مشترك"،‭ ‬تتجسد‭ ‬كثافة‭ ‬المبادرات‭ ‬والإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬والمكانة‭ ‬المتقدمة‭ ‬التي‭ ‬تحتلها‭ ‬المسألة‭ ‬الدينية‭ ‬والأمن‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬الحكم‭ ‬الملكي،‭ ‬والتي‭ ‬تستمد‭ ‬مرجعيتها‭ ‬الأساسية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬41‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬لسنة‭ ‬2011،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الملك،‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وحامي‭ ‬حمة‭ ‬الملة‭ ‬والدين‭. ‬بحيث‭ ‬حظي‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬باهتمام‭ ‬استثنائي‭ ‬سياسيا‭ ‬ومؤسساتيا،‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬بالدين،‭ ‬بحيث‭ ‬مس‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة،‭ ‬وجعل‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الهيكلية‭ ‬والمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬أطرت‭ ‬المشهد‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬تهتم‭ ‬بالوظيفة‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطار‭ ‬سياسي‭ ‬ومؤسساتي‭ ‬يسهر‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬شؤون‭ ‬المغاربة‭ ‬دينيا،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬مقاربة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬رسمية‭ ‬عبر‭ ‬المجالس‭ ‬العلمية،‭ ‬والرابطة‭ ‬المحمدية‭ ‬للعلماء،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬والإعلام‭ ‬الديني‭... ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬المنوطة‭ ‬بتدبير‭ ‬الحياة‭ ‬الدينية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬للمغاربة‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وخارجه‭.‬
 
إصلاح‭ ‬مؤسساتي‭ ‬وحرص‭ ‬ملكي‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬التنمية
تجسد‭ ‬الجهد‭ ‬الاستثنائي‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬عبر‭ ‬عدة‭ ‬مبادرات‭ ‬وإصلاحات‭ ‬ومنجزات،‭ ‬غطت‭ ‬سائر‭ ‬مجالات‭ ‬العمل‭ ‬الديني؛‭ ‬من‭ ‬تأطير‭ ‬وتكوين‭ ‬وإنتاج‭ ‬علمي‭ ‬وثقافي‭ ‬رصين‭. ‬بحيث‭ ‬تميز‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والمجالس‭ ‬العلمية،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬دار‭ ‬الحديث‭ ‬الحسنية،‭ ‬والرابطة‭ ‬المحمدية‭ ‬للعلماء،‭ ‬والتعليم‭ ‬العتيق،‭ ‬والمساجد،‭ ‬والإرشاد‭ ‬الديني‭ ‬والخطابة،‭ ‬والإعلام‭ ‬الديني‭ ‬بإصلاح‭ ‬متكامل‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬التحول‭ ‬النوعي‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬المجال‭ ‬الديني‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬طبقا‭ ‬للظهير‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬بتاريخ‭ ‬ 04 ‭‬دجنبر‭ ‬2003،‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬اختصاصات‭ ‬وتنظيم‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ناسخا‭ ‬بذلك‭ ‬الظهير‭ ‬الشريف‭ ‬لسنة‭ ‬1993‬بحيث‭ ‬حدد‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬بوضوح‭ ‬أهداف‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينية،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف:
1)‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬الصحيح‭ ‬بحقائق‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬تعاليمه‭ ‬السمحة‭ ‬وقيمه‭ ‬الراسخة؛
2)‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الإسلامية‭ ‬وسلامة‭ ‬العقيدة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬إقامة‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مساجد‭ ‬المملكة؛
3) إحياء‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي‭ ‬وبعث‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬أوسع‭ ‬نطاق؛
4)‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المساجد‭ ‬وترميمها‭ ‬وتوسعتها‭ ‬وتجهيزها‭ ‬وتأطيرها،‭ ‬ودراسة‭ ‬طلبات‭ ‬الترخيص‭ ‬ببناءها؛
5)‭ ‬إعداد‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬العتيق‭ ‬والإشراف‭ ‬عليه‭ ‬وتنظيم‭ ‬شؤونه؛
6)‭ ‬توثيق‭ ‬أواصر‭ ‬التعاون‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬التبادل‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬القطاعات‭ ‬والهيئات‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الوزارة؛
7)‭ ‬وضع‭ ‬سياسة‭ ‬للتكوين‭ ‬الأساسي‭ ‬والمستمر‭ ‬لفائدة‭ ‬الأطر‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬أدائهم‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تكوينهم‭.‬
ولم‭ ‬تكتفي‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬-فقط-‭ ‬بتطوير‭ ‬أهدافها‭ ‬لتلبية‭ ‬حاجات‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬وإنما‭ ‬عملت‭ ‬-بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك-‭ ‬على‭ ‬إقرار‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التنفيذية‭ ‬لهذه‭ ‬الأهداف،‭ ‬وفصلت‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬بدقة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وأبرز‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات:‭ ‬مديرية‭ ‬الشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬مديرية‭ ‬المساجد،‭ ‬مديرية‭ ‬التعليم‭ ‬العتيق‭.‬
لقد‭ ‬أظهر‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاهتمامات‭ ‬الجديدة‭ ‬لوزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لم‭ ‬يتضمنها‭ ‬قانون‭ ‬1993،‭‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الاهتمامات:‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المساجد‭ ‬وترميمها‭ ‬ودراسة‭ ‬طلبات‭ ‬الترخيص‭ ‬ببنائها،‭ ‬والعناية‭ ‬بالتعليم‭ ‬العتيق،‭ ‬ووضع‭ ‬سياسة‭ ‬التكوين‭ ‬الأساسي‭ ‬للأطر‭ ‬الدينية،‭ ‬تنمية‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافي‭ ‬للوزارة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬والترجمات‭.‬

إن‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬التي‭ ‬خضعت‭ ‬لها‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬جسد‭ ‬قوة‭ ‬حضور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬وجعلت‭ ‬منها‭ ‬الفاعل‭ ‬الأساسي،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضعها‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬المساجد‭ ‬والتعليم‭ ‬العتيق،‭ ‬واستقلالها‭ ‬بوضع‭ ‬سياسة‭ ‬تكوين‭ ‬الأطر‭ ‬الدينية،‭ ‬وتكوين‭ ‬الخطباء‭.‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬التأهيل‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬منه‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬بل‭ ‬تعداها‭ ‬إلى‭ ‬جل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬بحيث‭ ‬تم:
1)‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬العتيق‭ ‬(29‭ ‬يناير‭ ‬2002)؛
2)‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬وتنظيم‭ ‬المجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأعلى‭ ‬والمجالس‭ ‬العلمية‭ ‬المحلية‭ ‬(22‭ ‬أبريل‭ ‬2004)؛
3)‭ ‬إحداث‭ ‬الهيئة‭ ‬العلمية‭ ‬للإفتاء‭ ‬(22 أبريل‭ ‬2004)؛
4)‭ ‬تأسيس‭ ‬الرابطة‭ ‬المحمدية‭ ‬للعلماء‭ ‬(30‭ ‬أبريل‭ ‬2004)؛
5)‭ ‬إطلاق‭ ‬إذاعة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬(16‭ ‬أكتوبر‭ ‬2004)؛
6)‭ ‬إطلاق‭ ‬قناة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والموقع‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لوزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬(2‭ ‬نونبر‭ ‬2005)؛
7)‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬مؤسسة‭ ‬دار‭ ‬الحديث‭ ‬الحسنية‭ ‬(24 غشت‭ ‬2005)؛
8)‭ ‬إحداث‭ ‬معهد‭ ‬تكوين‭ ‬الأئمة‭ ‬والمرشدين‭ ‬(05- 2006)؛
9)‭ ‬إحداث‭ ‬المجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأوروبي‭ ‬(6‭ ‬نونبر‭ ‬2008)؛
10)‭ ‬إطلاق‭ ‬خطة‭ ‬ميثاق‭ ‬العلماء‭ ‬(29‭ ‬أبريل‭ ‬2009)‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬وضع‭ ‬نموذج‭ ‬ديني‭ ‬سمح‭ ‬معتدل،‭ ‬يجسد‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأمم‭.‬

ومما‭ ‬تنبغي‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه،‭ ‬أن‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬شكل‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬شاملة‭ ‬لمفردات‭ ‬التدين‭ ‬التاريخي‭ ‬المغربي،‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬العقدية‭ ‬والفقهية‭ ‬والسلوكية،‭ ‬فقبل‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬كان‭ ‬الوعي‭ ‬بالخصوصية‭ ‬المذهبية‭ ‬محدودا،‭ ‬وكانت‭ ‬الإحالة‭ ‬دائما‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الخصوصية‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬“العهد‭ ‬الجديد”‭ ‬اتسع‭ ‬الأمر،‭ ‬ليشمل‭ ‬العقيدة‭ ‬الأشعرية،‭ ‬وطريقة‭ ‬الجنيد‭ ‬في‭ ‬التصوف‭. ‬وتجسد‭ ‬مشروع‭ ‬الاستعادة‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬اقتفاء‭ ‬أثر‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭ ‬في‭ ‬العبادات،‭ ‬حيث‭ ‬عملت‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬الخروقات‭ ‬المذهبية‭ ‬ومحاربتها‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬وأماكن‭ ‬العبادة‭ ‬عموما،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬ما‭ ‬ندرس‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬المذهب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المساجد،‭ ‬وكذلك‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحياء‭ ‬الحركة‭ ‬الصوفية‭ ‬ودفعها‭ ‬نحو‭ ‬المبادرة‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المختلفة‭.‬
إضافة‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬أولوية‭ ‬كبرى‭ ‬للتأطير‭ ‬الديني‭ ‬بحيث‭ ‬جعلته‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬تأهيل‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬وشهدت‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬والإصلاحات‭ ‬استهداف‭ ‬إعادة‭ ‬تعبئة‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬تعبئة‭ ‬دينية‭ ‬جديدة،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬توحيد‭ ‬نمط‭ ‬التدين‭ ‬ومراجعه،‭ ‬بدءا‭ ‬بإصلاح‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬التأطيرية،‭ ‬وإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬المجالس‭ ‬العلمية،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بخطة‭ ‬ميثاق‭ ‬العلماء‭.‬

كما‭ ‬تم‭ ‬تحديث‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬بحيث‭ ‬عرف‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬إدماج‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬التنمية،‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يقتصر‭ ‬الدين‭ ‬“فقط“‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬إشكاليات‭ ‬التطرف‭ ‬والغلو‭ ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬المنهج‭ ‬الوسط‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العقدية‭ ‬والفقهية‭ ‬والسلوكية،‭ ‬ولكن‭ ‬شمل‭ ‬كذلك‭ ‬إدماج‭ ‬الفعالية‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬دينامية‭ ‬التنمية‭ ‬والبناء‭ ‬الحضاري،‭ ‬وتجسد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬تطوير‭ ‬وظيفة‭ ‬المسجد‭ ‬وإدماجه‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬محاربة‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬المساجد،‭ ‬والعناية‭ ‬بالمرأة‭ ‬العالمة،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مبادرات‭ ‬التأهيل‭ ‬تقريبا،‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأعلى،‭ ‬والمجالس‭ ‬العلمية‭ ‬المحلية،‭ ‬وبرنامج‭ ‬تكوين‭ ‬الأئمة‭ ‬والمرشدات‭.‬

بحيث‭ ‬عرف‭ ‬النهج‭ ‬التحديثي‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬قضايا‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون‭ ‬توخا‭ ‬درء‭ ‬التعارض‭ ‬بين‭ ‬الحداثة‭ ‬بأبعادها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والشأن‭ ‬الديني‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬الدينية‭ ‬ومظاهر‭ ‬التدين‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬خصما‭ ‬عنيدا‭ ‬لما‭ ‬استقر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحداثة،‭ ‬فإن‭ ‬الرسالة‭ ‬الضمنية‭ ‬لكل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬الرسمي‭ ‬هي‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الأمرين‭ ‬معا‭.‬
 
ريادة‭ ‬ملكية‭ ‬في‭ ‬تحصين‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬وتعزيز‭ ‬روابط‭ ‬المغرب‭ ‬بعمقه‭ ‬الإفريقي‭.‬
شهد‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬متجددة‭ ‬ومتعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تروم‭ ‬تحصين‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وتدعيم‭ ‬أسس‭ ‬الإسلام‭ ‬السمح،‭ ‬الوسطي‭ ‬والمعتدل‭ ‬ومحاربة‭ ‬التطرف‭ ‬والفكر‭ ‬المتشدد‭. ‬

وبصفته‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬يبذل‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬جهودا‭ ‬حثيثة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬تعددي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬قاعدتين‭ ‬أساسيتين،‭ ‬هما‭ ‬تكريس‭ ‬مكانة‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وتحفيز‭ ‬تربية‭ ‬دينية‭ ‬تنبذ‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬والحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬والتشدد‭ ‬والتطرف‭ ‬العنيف‭.‬

وتعددت‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬المشهودة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الاهتمام‭ ‬والعناية‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬عبر‭ ‬إحداث‭ ‬معهد‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للقراءات‭ ‬والدراسات‭ ‬القرآنية،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لنشر‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬تعلم‭ ‬كتاب‭ ‬الله،‭ ‬لاسيما‭ ‬جائزة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وترتيله‭ ‬وتجويده،‭ ‬وجائزة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لـ‭ ‬“أهل‭ ‬القرآن“،‭ ‬وجائزة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للكتاتيب‭ ‬القرآنية‭. ‬

ولا‭ ‬يعادل‭ ‬العناية‭ ‬المولوية،‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بكتاب‭ ‬الله‭ ‬سوى‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬مجموع‭ ‬جهات‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬مساجد‭ ‬تضطلع‭ ‬بدورها‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬أماكن‭ ‬العبادة‭ ‬والتوجيه‭ ‬والإرشاد‭ ‬والتنوير‭ ‬ومحو‭ ‬الأمية‭.‬

وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬يتم‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬بناء‭ ‬مئات‭ ‬المساجد‭ ‬عبر‭ ‬مجموع‭ ‬تراب‭ ‬المملكة،‭ ‬بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬تنفيذ‭ ‬برنامج‭ ‬وطني‭ ‬لتأهيل‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬وقاعات‭ ‬الصلاة‭ ‬الآيلة‭ ‬للسقوط،‭ ‬والذي‭ ‬تمت‭ ‬بلورته‭ ‬تنفيذا‭ ‬للتعليمات‭ ‬الملكية،‭ ‬وذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬للمراقبة‭ ‬والافتحاص‭ ‬التقني‭ ‬المنفذ‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬ووزارة‭ ‬الداخلية‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬تنفيذا‭ ‬للتعليمات‭ ‬الملكية،‭ ‬بترميم‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المساجد‭ ‬التاريخية،‭ ‬ومساجد‭ ‬الأضرحة،‭ ‬والزوايا‭ ‬والمدارس‭ ‬العتيقة‭.‬

ومما‭ ‬هو‭ ‬مؤكد‭ ‬كون‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬لن‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التأطير‭ ‬الناجع‭ ‬وتطوير‭ ‬تعليم‭ ‬ديني‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬صيانة‭ ‬المرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬للمملكة،‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬والعقيدة‭ ‬الأشعرية‭ ‬والمذهب‭ ‬المالكي‭ ‬والصوفية‭ ‬السنية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬خطة‭ ‬دعم‭ ‬التأطير‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬وإحداث‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للنهوض‭ ‬بالأعمال‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للقيمين‭ ‬الدينيين،‭ ‬ومعهد‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لتكوين‭ ‬الأئمة‭ ‬المرشدين‭ ‬والمرشدات،‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬جامعة‭ ‬القرويين‭ ‬مع‭ ‬إحداث‭ ‬السلك‭ ‬الدراسي‭ ‬الجديد‭ ‬بها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التدابير‭ ‬المتضمنة‭ ‬في‭ ‬الظهير‭ ‬المنظم‭ ‬للمجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأعلى‭ ‬والمجالس‭ ‬العلمية‭ ‬المحلية،‭ ‬وتلك‭ ‬المندرجة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ميثاق‭ ‬العلماء‭.‬

وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬مقاربته‭ ‬المتجددة‭ ‬ومتعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬أضحى‭ ‬المغرب‭ ‬نموذجا‭ ‬يستند‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تدبير‭ ‬الحقل‭ ‬الديني،‭ ‬حيث‭ ‬تقدمت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬أوروبا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بطلبات‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬والخبرة‭ ‬التي‭ ‬راكمتها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬والتي‭ ‬استجاب‭ ‬لها‭ ‬المغرب‭ ‬بكيفية‭ ‬إيجابية‭.‬

وقد‭ ‬تعزز‭ ‬إشعاع‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إحداث‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لمؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬مبادرة‭ ‬متفردة‭ ‬تجسد‭ ‬تميز‭ ‬العلاقات‭ ‬الروحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والجغرافية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬المغرب‭ ‬بالدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬والتي‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬تعاون‭ ‬نموذجي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الديني‭.‬

وتشكل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬إطارا‭ ‬مؤسساتيا‭ ‬يمكن‭ ‬العلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬من‭ ‬إرساء‭ ‬أسس‭ ‬تعاون‭ ‬وثيق‭ ‬مصلحته‭ ‬الأسمى‭ ‬هي‭ ‬خدمة‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬ومحاربة‭ ‬كافة‭ ‬مظاهر‭ ‬الغلو‭ ‬والتطرف،‭ ‬لتتويج‭ ‬مجموع‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬يبذلها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المشهد‭ ‬الديني‭.‬

وغني‭ ‬عن‭ ‬البيان،‭ ‬بأن‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬تقوم‭ ‬بكافة‭ ‬المبادرات‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تفعيل‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬السمحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إصلاح‭ ‬تتوقف‭ ‬عليه‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القارة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬كل‭ ‬بلد،‭ ‬وتنشيط‭ ‬الحركة‭ ‬الفكرية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬المتصلة‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬وتوطيد‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬المغرب‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬أفريقيا‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تطويرها‭.‬

هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬تجسد‭ ‬الالتزام‭ ‬الديني‭ ‬والإشعاع‭ ‬الروحي‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬عليه‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بهدف‭ ‬نشر‭ ‬قيم‭ ‬السلام‭ ‬السمح‭ ‬والمعتدل،‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشييد‭ ‬بيوت‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الكوت‭ ‬ديفوار‭ ‬والسنغال‭ ‬وغينيا‭ ‬كوناكري،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأخرى‭... ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬المنتظم‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬في‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وإحداث‭ ‬رابطة‭ ‬علماء‭ ‬المغرب‭ ‬والسنغال،‭ ‬وإحداث‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وتنظيم‭ ‬ندوة‭ ‬حول‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية،‭ ‬وكذا‭ ‬تقديم‭ ‬هبات‭ ‬من‭ ‬المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الشريف‭ ‬برواية‭ ‬ورش‭ ‬عن‭ ‬نافع‭ ‬لفائدة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬
 
عناية‭ ‬ملكية‭ ‬بالشأن‭ ‬الديني‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج
انسجاما‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬النموذج‭ ‬الديني‭ ‬المغربي‭ ‬السمح‭ ‬المعتدل‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أركان‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬والدين‭ ‬والثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج،‭ ‬وخلق‭ ‬جسور‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬مغاربة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الإقامة‭ ‬وثوابت‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬والعرش‭ ‬العلوي‭ ‬المجيد‭.‬

يحظى‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج،‭ ‬بأهمية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتدبير‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭.‬

ويأتي‭ ‬مغاربة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الجاليات‭ ‬المتوفرة‭ ‬على‭ ‬هيكلة‭ ‬منظمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ممارسة‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الديني‭ ‬بالخارج‭ ‬يتميز‭ ‬لديها‭ ‬بكل‭ ‬تلقائية‭ ‬بالأولوية‭ ‬وبالاهتمام‭ ‬باعتبار‭ ‬الإسلام‭ ‬محور‭ ‬الهوية‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تتجسد‭ ‬ميدانيا‭ ‬في‭ ‬تنامي‭ ‬عدد‭ ‬المساجد‭ ‬والجمعيات‭ ‬والمراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬أو‭ ‬تديرها‭ ‬هذه‭ ‬الجالية‭.‬

وقد‭ ‬سهر‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬مؤسسات‭ ‬تهتم‭ ‬بتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الإقامة‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومجلس‭ ‬الجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج‭ ‬ومؤسسة‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬للمغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالخارج‭. ‬ويتجسد‭ ‬وعي‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬لمغاربة‭ ‬المهجر‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الإقامة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أهمية‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬تنويع‭ ‬مجال‭ ‬نشاطهم‭ ‬الديني‭ ‬لفائدة‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية‭ ‬المغربية‭ ‬بالخارج‭ ‬سعيا‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬تلبية‭ ‬الحاجيات‭ ‬الدينية‭ ‬الملحة‭ ‬والمتنامية‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬تضمن‭ ‬مسايرة‭ ‬النشاط‭ ‬الديني‭ ‬للمستجدات‭ ‬والمتطلبات‭ ‬الميدانية‭ ‬والتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬وكثير‭ ‬التحديات‭.‬

وتكريسا‭ ‬لهذه‭ ‬الخدمات‭ ‬المرصودة‭ ‬لمغاربة‭ ‬العالم،‭ ‬تعمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬ترسانة‭ ‬برامج‭ ‬تتمحور‭ ‬وفق‭ ‬الآتي‭ ‬بيانه:
1)‭ ‬برنامج‭ ‬الوعظ‭ ‬القار:‭ ‬الذي‭ ‬يشرف‭ ‬عليه‭ ‬مجموعة‭ ‬الوعاظ‭ ‬القارين‭ ‬مهمتهم‭ ‬الأولية‭ ‬هي‭ ‬تأطير‭ ‬الأئمة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المساجد‭ ‬والمراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬التابعة‭ ‬للجالية‭ ‬المغربية‭.‬
2)‭ ‬برنامج‭ ‬الوعظ‭ ‬الموسمي:‭ ‬الذي‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬ويتجلى‭ ‬في‭ ‬إيفاد‭ ‬بعثة‭ ‬دينية‭ ‬للقيام‭ ‬بالتنشيط‭ ‬الديني‭ ‬لفائدة‭ ‬الجالية‭ ‬المغربية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬
3)‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬التأطير‭ ‬الديني:‭ ‬يستفيد‭ ‬مغاربة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تأطير‭ ‬ديني‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬تطلعاتهم‭ ‬يعالج‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬الراهنة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬سعيا‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬وارتباطهم‭ ‬بثوابت‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬بعثات‭ ‬الوعاظ‭ ‬والمقرئين‭ ‬المرصودين‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر،‭ ‬سعيا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الجودة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لهذا‭ ‬النشاط‭ ‬الديني‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬انتقاء‭ ‬أجود‭ ‬العناصر‭ ‬المتوفرة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬بين:‭ ‬الكفاءات‭ ‬الجامعية‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬والدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بمختلف‭ ‬كليات‭ ‬المملكة،‭ ‬الوعاظ‭ ‬المشهود‭ ‬لهم‭ ‬بالكفاءة‭ ‬المهنية‭ ‬والعلمية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجالس‭ ‬العلمية،‭ ‬المقرئين‭ ‬المستوفين‭ ‬لشروط‭ ‬انتقائية‭ ‬وضعتها‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختصة‭ ‬لتلك‭ ‬الغاية‭.‬

وبالنظر‭ ‬للاهتمام‭ ‬التنظيمي‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬الجالية‭ ‬المغربية،‭ ‬أعطى‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬يوليوز‭ ‬2022‭ ‬تعليماته‭ ‬للسلطات‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تشكيل‭ ‬هيئات‭ ‬تسهر‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬شؤون‭ ‬الطائفة‭ ‬اليهودية‭ ‬المغربية‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬حقوقهم‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الموروث‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الديني‭ ‬والثقافي‭ ‬المغربي‭.‬

إن‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬عرف‭ ‬تطورات‭ ‬هيكلية‭ ‬كبرى‭ ‬دينيا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬تعززت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ضمانات‭ ‬وحقوق‭ ‬ممارسة‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية‭ ‬والعقائدية‭ ‬لجميع‭ ‬المغاربة‭ ‬باختلاف‭ ‬دياناتهم،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬متكامل‭ ‬يسوده‭ ‬السلام‭ ‬والتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬والأمن‭ ‬الروحي‭ ‬المشترك‭.‬

ختاما،‭ ‬إن‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬ناجع‭ ‬للشأن‭ ‬الديني‭ ‬جعلت‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬نموذج‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬حديثة‭ ‬بكافة‭ ‬المقاييس‭.‬

بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬النموذج‭ ‬الديني‭ ‬المغربي‭ ‬السمح‭ ‬المعتدل،‭ ‬مرجعية‭ ‬أساسية‭ ‬يستند‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬التطرف‭ ‬والتشدد‭ ‬العنيف‭ ‬عبر‭ ‬التكوين‭ ‬والإرشاد‭ ‬الديني‭ ‬والتأطير‭ ‬التربوي‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬اقتلاع‭ ‬الفكر‭ ‬الجهادي‭ ‬من‭ ‬جذوره‭.

انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات،‭ ‬والتي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬الديني‭ ‬المغربي‭ ‬محور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬التنمية،‭ ‬وعنصر‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬ومصالح‭ ‬المغرب‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وخارجه‭.‬
 
 
عضو المعهد الفرنسي Eranos للذكاء الاستراتيجي