بينما كنت أتفحص حسابي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لفت انتباهي مقطع فيديو للابن الضال مع أحد المواطنين من مدينة أكادير المقيم بالديار الفرنسية. لاحظت أن الابن العاق أحرج وضلل المواطن الغيور على بلاده والمدافع عن وطنه بأسئلة لا تمت بالواقع بصلة. أما الراضي، لا رضي الله عنه، فقد أصبح يعبر عن تنكره لوطنه، وغيّر موقفه بين عشية وضحاها لا لشيء إلا لأنه أراد أن يكون فوق القانون. لم يكن يعلم أن المغرب يتجاوز عن أخطاء أبنائه البررة من منطق الود والرحمة، وليس خوفًا أو ترهيبًا، لأن لا أحد يعلو على القانون ويبتز الدولة، خصوصًا إن كانت بعراقة وطننا.
أذكرك يا الليلي، إن نسيت أو تناسيت، أنك كنت موظفًا نظاميًا تابعًا لوزارة التربية الوطنية، وهذا ما لا يعلمه الجميع. كنت فقط ملحقًا بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كصحفي بالقناة الأولى المغربية، وكنت تتقاضى أجرك من ضرائب المغاربة. كنت تؤمن بالوحدة الترابية للمغرب وسيادته على صحرائه، وكنت من المدافعين عن هذه الوحدة كباقي المغاربة. لكنك لا يمكن أن تعلو وتخالف القوانين لأي اعتبار قبلي، سياسي، جمعوي، إلخ.
وليعلم القارئ الكريم أنك ابن مدينة كلميم، إن لم تخني ذاكرتي، ونفوذها الترابي لا يشمله النزاع المفتعل. وإن كان لم يرقك عدم تجديد عقد إلحاقك بالشركة لرعونتك وتجاوز حدود اللباقة، فقد طبق عليك القانون كسائر المواطنين.
هذه مجرد ديباجة أولية، وإن كنت تجهل التاريخ فسأسألك بعض الأسئلة منها: من كان يحكم الصحراء قبل استعمارها من طرف أصحاب محاكم التفتيش؟ إن سكان الصحراء كانوا بدوًا رحلًا يتجمعون في قبائل تجوب الصحراء من واد نون إلى تيرست، إن كنت تعرفها، مرورًا بفاصك، تيغمرت، امزلوك، ثم ترغمايت، مرورًا بأسا في اتجاه تندوف عبر توزكي. وإن تابعت المسير عبر واد الذرة وتركت طريق البيرات يمينًا، وعبرت مدينة الزاك في اتجاه بير ستة وصولًا إلى المحبس. وإن تابعت مسيرك يسارًا وصلت مرة أخرى إلى تندوف، وإن سرت أمامًا بلغت الفارسية. وإن عدت يمينًا مررت بالحمادة والجدرية والحكونية في اتجاه امغالا وحوزة بعد أن تركت السمارة على يمينك، ومن هناك إلى بئر كندوز وتشلا وأم دربكة لتصل إلى النفوذ الترابي لأوسرد متجهًا نحو الداخلة عبر واد كراع، الحد الفاصل بين النفوذ الترابي لجهة العيون وجهة الداخلة، تاركًا العركوب بحرًا. أما إن تابعت المسير من مسقط رأسك في اتجاه الطنطان مرورًا بتلمزون، وزرت الوطنية تاركًا طريق السمارة يسارًا عبر رأس الخنفرة، ثم جماعة المسيد وواد الشبيكة مرورًا باخفنير وصولًا إلى الطاح التي أذى بها المغفور له الحسن الثاني ركعتي شكر لله. قبل بلوغ مدينة العيون تمر على تكنة التيرسيو، إن كنت تسمع عنها، بعدها مدينة البلايا ثم بجدور. وإن بلغت واد كراع فتابع مسيرتك لمدينة الداخلة مرة أخرى.
ها أنا أتكلم معك بالجغرافيا التي تجهلها، حيث كان يتحرك بدو الصحراء بحثًا عن الماء والكلأ لإبلهم وماشيتهم، أي حياتهم. إن كنت تعرف الحسانية وقبائل الصحراء التي تتناحر فيما بينها في إطار ما يسمى بالغزي، ولي اليقين أنك لا تعلم هذا. لذا لم تكن الصحراء أرض خلاء، وهو ما أقرته محكمة لاهاي الدولية كما أقرت بروابط البيعة بين شيوخ القبائل وسلاطين المغرب.
هذه حقائق من التاريخ تعمدت طمسها وتنكرت لها، وأصبحت تدافع عن السراب والبهتان. ولن تنال من سلوكك هذا إلا الخزي والعار اللذين يلاحقانك أصلاً لأنك أصبحت بوقًا لترويج دعايات وأساطير الأعداء. لكن لا ضير، ولكي لا تختلط عليك المفاهيم وتنطمس عندك الرؤية، أذكرك بأن النزاع المفتعل وفكرة الانفصال جاءت بعد أن فشلت إسبانيا في إقامة حكم لها بالصحراء بعد انسحابها الذي أصبح محتوماً آنذاك أمام بسالة وشجاعة أعضاء جيش التحرير الذين لم يغمض لهم جفن حتى دحروا الاستعمار الغاشم كما دُحر في شمال المملكة.
تم استغلال قانون الأقليات، إن كنت تفقهه أصلاً، ونحن مع القانون الدولي. أظن أنك تعلم جيدًا أن هناك عددًا كبيرًا من القبائل بالصحراء، والتشكيلة الاجتماعية فسيفسائية بها، في حين أن الشرط الأساسي لتطبيق قانون حقوق الأقليات هو التوافق حول الانفصال. وهذا شرط غير حاصل، وأنت تعلم أن كل قبائل الصحراء كانت ولا تزال ترفض وتنبذ فكرة الانفصال إلا من ارتد أو غُرر به من أبنائها. بهذا، فإن تطبيق هذا القانون باطل يراد به حق، فلا يمكن لأقلية أن تفرض فكرًا أو واقعًا على باقي أغلبية مكونات الصحراء. بهذا، فالكيان الذي تطبل من أجله وتستلم أجر خساستك من الجزائر وترتزق بعائدات تسجيلات مغالطاتك، وأنت تكيل لبلدك، الذي أصبح براء منك، الكذب والبهتان.
إن سكان الصحراء لم يكونوا يومًا مطبوعين على غدر الوطن حتى عمل أمثالك من الخونة على تسريب هذا الفكر المشبوه. بهذا، أقول لك كفى من تضليل المغاربة وترويج الأباطيل وتحريف التاريخ وحقائقه. لقد شاهدتك مؤخرًا تزور معسكرات احتجاز الصحراويين المغاربة بتندوف الجزائرية، ولم تجرؤ أو بالأحرى لم تقوَ على سؤال سكان المخيمات عما إذا كانوا يرغبون في مغادرتها والسفر إلى حيث يشاءون. إلا أن الاحتجاج وأجواءه المشحونة كانت بادية للعيان في المخيمات، لأن المواطن الذي نشأ على الحرية والكرامة أصبح مخنوق الأنفاس وسجينًا في المعتقلات التي أفرزتها سياسة التغرير ولعبة الوعود الكاذبة بقطعة وطن وهمية.
لهذا، أنصحك بالعودة إلى جادة العقل والصواب والقطع مع أساليب التغليط والارتزاق بالدعاية لأجندات أسيادك المناوئة لقضية وحدتنا الترابية العادلة.