الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

يوسف بن المكي:الشخصية المغربية تأصيلٌ وتأويلٌ

يوسف بن المكي:الشخصية المغربية تأصيلٌ وتأويلٌ المؤرخ الطيب بياض
ما معنى أن تكون مغربيا؟ سؤال يمكن طرحه داخل المؤتمرات والندوات العلمية المهتمة بدراسة الثقافات والمجتمعات المدنية، كما يمكن أن يطرحه مقدم برنامج تلفزيوني أو إذاعي في إحدى القنوات الوطنية أو الدولية، غير أنه في حقيقة الأمر، وإن تأملنا السؤال أنثروبولوجياً نجده سؤالاً نابعاً من داخل البيوت المغربية، وحاضر في يوميات المغاربة واحتفالاتهم، فأن تكون مغربيًا معناه أن تكون ذلك الإنسان الذي راكم تعاقب حضارات وثقافات ضاربة في القدم، يجيبنا الدكتور الطيب بياض عن هذا السؤال بالقول: "ذلك الإنسان الذي صانت بقاياه تربة جبل إيغود، كان البذرة الأولى، لهذا الكائن القاطن بشمال غرب إفريقيا، ثم حصلت تحولات بطيئة في زمن شبه راكد حولته إلى فاعل أكثر في المجال، وتحول خلال العصر القديم إلى ذات ليست فقط فاعلة، بل ومتفاعلة أيضا مع حضارات طارئة “كستها ثيابا متنوعة” منحتها أولى خصائص التميز عن الجوار."
رُبَّ معترضٍ يَعترضُ فيقول: وهل كان الإنسان الأول بهذه المنطقة يعرف كلمة "المغرب"؟ سؤالٌ مشروع، بل نذهب أبعدَ من ذلك ونتساءل: "هل كان الإنسان القديم يعي مغربِيَتَهُ أصلًا؟" يَرُدُّ علينا المؤرخ الطيب بياض بجوابٍ مباشرٍ: "صحيح أنه لم يكن يَعرف نفسه أنه مغربي أو يُعرف نفسه بالمغربي، وأن بناءه الذهني كان خاليا من أي بحث عن انتماء أو هوية بمعانيها المعاصرة، بل حتى مورفولوجية جسده كانت مختلفة إلى حد ما عن المغربي الحالي، لكن بالقدر الذي كانت تركيبة دماغه تتحول تدريجيا عبر آلاف السنين لتستقر على ما هي عليه اليوم، كان بناؤه الذهني والنفسي يتشكل في تفاعل مثمر مع المحلي والطارئ معا لنحت معالم شخصية إنسان مغرب اليوم."
أسئلةٌ وأخرى حضرت بقوة في الكتاب الأخير الموسوم بعنوان: "الشخصية المغربية، تأصيل وتأويل" لمؤلفه المؤرخ الطيب بياض، الصادر عن منشورات باب الحكمة بطنجة سنة 2024، ويقع الكتاب في 91 صفحة من القطع المتوسط. وهو الكتاب الذي يعود أصله إلى الدرس الافتتاحي الذي قدمه بالمكتبة الجامعية محمد السقاط وذلك يوم الثلاثاء 9 يناير 2024. والذي قدمه الدكتور خالد الحياني وهو أستاذ علم الاجتماع ومدير المكتبة الجامعية. ونظرًا للتفاعل الكبير الذي لقيته المحاضرة، ارتأى المؤرخ أن يُعمقها ويحولها إلى وثيقة مكتوبة.
حاول الدكتور الطيب بياض نقل معالم الشخصية المغربية بحيادية المؤرخ الرصين بعيداً عن إصدار الأحكام، والحال أن دَيْدَنه فهم العمق التاريخي لهذا الإنسان الذي يُسمّى بالمغربي، والوقوف عند شخصيته الأساسية عوض الشخصيات الوظيفية التي تحضر في جميع الثقافات والمجتمعات. وقد رام المؤلف من كل هذا استيعاب الشخصية المغربية وإدراك قدراتها والاستفادة منها شريطة أن توجد بصيرة فاحصة تنفذ إلى جوهر ما يستحق الإدراك والاستيعاب لاستبطانه جيدا بعيدا عن منطقي الإطراء أو الهجاء، بل برؤية نقدية هادفة تسعف في استلهام المفيد من تجارب الماضي وتثمين الموروث الثقافي من تراث مادي ولامادي، واستمالة الانتباه إلى المحطات التي عَبَرَ منها المغرب وكيف حاول تنمية ذاته والنهوض بها سِيّما بعد الوعي بالهوة الشاسعة وإدراك مكامن التأخر التاريخي مقارنة بنظرائه.
الجدير بالذكر أن للطيب بياض كتابات ومؤلفات أثرى بها المكتبة العربية، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: كتاب "المخزن والضريبة والاستعمار: ضريبة الترتيب 1880-1915"، وكتاب "رحالة مغاربة في أوروبا بين القرنين السابع عشر والعشرين: تمثلات ومواقف"، وكتاب "بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة" الذي كان عبارة عن حوارٍ لافتٍ للنّظر مع الأستاذ مبارك بودرقة، فضلا عن كتابه اللمّاح المكنَّى بـ "الصحافة والتاريخ: إضاءات تفاعلية مع قضايا الزمن الراهن، وكتاب " اكتشاف الصين، رحلة أكاديمي مغربي إلى أرض التنين".