الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

إشراقات فنية تحكي عن حضور المرأة في متون العيطة الحصباوية

إشراقات فنية تحكي عن حضور المرأة في متون العيطة الحصباوية حسن الزرهوني والزميل أحمد فردوس (يسارا)

كلما فاض كرمه في ميدان البحث والتنقيب في متون نصوص قصائد فن العيطة، يبادر الموسيقي عاشق آلة لَوْتَارْ، ومروض ريشة ألوان صباغة لواحات الفن التشكيلي، الفنان حسن الزرهوني بإتحاف قراء جريدة "أنفاس بريس" بمساهماته القيمة في حقل البحث والتوثيق والكتابة، ولا يتردد في تفكيكها وتحليلها بشغف وعشق. فالرجل لا يتسرّع في الكتابة، رغم غزارة كنوزه المعرفية على مستوى تراث فن العيطة والموروث الثقافي الشعبي، وكأنه يمارسه هوايته المفضلة حين يرمي بصنارة قصبته بين أمواج البحر بساحل الْبَدُّوزَةْ "الْكَابْ" وينتظر صيده بصبر في الوقت المناسب.

 

في حلقة أخرى من سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة، يقف حسن الزرهوني على ضفاف فترة مهمة من فترات بلاد الحصبة، التي بصمتها تاريخيا مرحلة حكم القائد الكبير عيسى بن عمر، حيث كانت عدة دواوير بالمنطقة مختبرا حقيقيا لإنتاج نصوص عيطية غاية في الدقة والجمال، مما جعل من الشاعر/ الناظم لنصوص العيطة الحصباوية يتوسل في موضوع المرأة أرقى معاني العشق والجمال والرقة والعذوبة.

 

ـ نماذج من متون العيطة الحصباوية التي وردت فيها أسماء المرأة

بْنَاتْ حْمِيمَادِي، دَارُو الطّْرَابَشْ، وَلَّاوْ عْسَاكْرِيَّةْ

بْنَاتْ حْمِيمَادِي، لَبْسُوا السّْلَاهَمْ، وَلَّاوْ مْشَاوْرِيَّةْ

إِلَا بْغِيتُونَا نَتْصَالْحُو، جِيبُوا بْنَاتْ الْحَدَّادْ

شَامَةْ لَبْرِيكِيَّةْ، النَّاكْرَةْ بُوهَا فْي حَيَاتُو

مَا شَفْتُوا شَامَةْ، يَا الْعَلَّامَةْ  

مَا شَفْتُوا لُغْزَالْ، يَا صْحَابْ الْحَالْ

دِيرِي صَالَةْ فُوقْ صَالَةْ، يَا زَرْوَالَةْ

خَرْبُوشَةْ، الْحَمْرَةْ، لَكْرَيْدَةْ، زَرْوَالَةْ

الْخَادَمْ يَا الْخَادَمْ، سَدِّي الدّْفَفْ، أَنْتِ لَعْنَيْبَرْ

الْعَوْدْ الِّلي فِي الرْوَى، إهَيْدَلْ عْلَى زَرْوَالَةْ

مِينَةْ وُحْلِيمَةْ هُمَا بْجُوجْ، كِيفْ الِّليمُونْ فِي الْوِيدَانْ

هِيَّا عَيْشَةْ أُو فَاطْنَةْ ورْقِيَّةْ، الزِّينْ سْلَالَةْ، الْوَعْدْ يْلَاقِي

عْبُوشْ الْحَمْقَى، وَاشْ لَبْكَى يْبَرَّدْ نَارُو

بْنَاتْ حْمِيمَادِي، مْهَوْدَاتْ الْبِيرْ، دَارُو لَعْجُولْ سَبَّةْ

الْبَيْضَةْ إِلَا تْسَلْحَتْ، كِيفْ الْقَالَبْ هَرْسُو مُولَاهْ، وَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ

الْحَمْرَةْ إِلَا تْسَلْحَتْ، كِيفْ الْبَرْكِي سَرْجُو مَولَاهْ، وَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ

التْوِيكَةْ سَارَتْ سَارَتْ إِلَا مْشِيتِي هَا هُمَا رَاكْبِينْ

عَيْشَةْ بَنْتْ الْمَكِّي، عَيْنِيكْ عَذْبُونِي

عَيْشَةْ وُعْبُوشْ، هُمَا بْجُوجْ، كِيفْ الْخَيْلْ بْلَا سْرُوجْ

الْحَاجَّةْ مَحْجُوبَةْ، عْلَى سْلَامْتَكْ الجُّولَةْ والتُّوبَةْ

دَامِي يَا دَامِي، هْوَاكْ عَادَانِي

دَادَا حِيَّانِي، النَّايْحَةْ عْلَى قَيْدِي عَلَّامِي

حَادَّةْ يَا حَادَّةْ / هِيَّا والنَّخْلَةْ مْـﮜادَةْ/ هَاذْ السَّالَفْ فِيهْ ﮜامَةْ/ مَرْشُوشْ بِالْوَرْدْ وُالَخْزَامَةْ/ هَاذِي زَرِّيعَةْ النَّبِي خَالَقْهَا مُولَانَا.

 

طابع شعر الغزل في قصائد فن العيطة الحصباوية

من خلال قراءة متون العيطة الحصباوية، ووضعها في قالبها الأدبي والمعرفي، سنجد أن أغلبيتها يطغى عليها طابع الْغَزَلِ، كفنّ من الفنون الغنائية للتعبير عن الحبّ وأحاسيس المحبوب وانفعالاته، وما تعكس في النّفس من ألوان الشّعور والوجدان، إذ يستمد الشاعر فعاليته بما فيها من فيض الشّعور، و أثر الحسّ والخيال، حيث ترتبط الصّورة بالخيال الواسع، لترسم الأفكار بحساسية وشاعرية تتيح للمتلقي فرصة الإستمتاع بجمالية العطاء والبوح الفنّي الذي يظهر من خلال إبداعات الشاعر/الناظم في عبارة التّصوير.

 

 في اعتقادنا المتواضع، أن هذا ما يجعل الصورة الفنية للشاعر تستنبط أبعادها الجمالية مما يفرزه الخيال. إذ يعتبر الخيال القاعدة الأساسية للقدرات التي تساهم في الإبداع. باعتباره قوة خالقة مبدعة. فالصّور الجميلة التي يوظّفها الشّاعر في متون العيطة هي التي تتجاوز الشعور لتُعبِّر عن مكونّات اللاشعور، كانفعالات وقيّم رمزية تنبع من صميم اللاوعي، وحالات نفسية ومعاني كاملة تغيّر مشاعر الناظم وأحاسيسه.

 

وعندما نقول حضور المرأة في متون العيطة الحصباوية، فهو حضور مزدوج، أي المرأة بصفتها شاعرة، وكذلك طرف في صناعة الفرجة والفرح، والتأثير على متون العيطة بحضورها في الزمان والمكان من خلال المناسبات والأفراح بديّار المخزن المحلي أو عند أعيان القبائل عبر الجلسات الفنية والترفيهية المتنوعة.

 

إن كلمة شاعرة، أوظفها هنا والآن، بكل تحفظ، لأن جزء كبير من العيطة الحصباوية تم نظمه من طرف المرأة، إما مغنية أو من نساء ديّار المخزن، أو من الحضور والضّيوف، على اعتبار أن متون العيطة، لا تركّز على وحدة عضوية أو موضوعية، بحكم أن الأحداث التي عرفتها منطقة عبدة متغيرة حسب الزمان والمكان، الشيء الذي يفسر تعدد أسماء العنصر النّسوي بمختلف متون العيطة الحصباوية خصوصا في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينٍي" التي تتردد فيها أسماء نسائية مختلفة نذكر منها ـ بْنَاتْ حْمِيمَادِي ـ عْبُوشْ ـ زَرْوَالَةْ ـ تْوِيكَةْ ـ عَيْشَةْ ـ فَاطْنَةْ ـ رْقِيَّةْ.

 

وقد ورد في عيطة "رْجَانَا فِي الْعَالِي" ذكر أسماء نسائية من قبيل: ـ شَامَةْ ـ الْحَمْرَةْ ـ الْبَيْضَةْ ـ لَعْنَيْبَرْ ـ مِينَةْ ـ حْلِيمَةْ ـ حَادَّةْ. ونجد أيضا في عيطة "خَرْبُوشَةْ" الأسماء التالية: خَرْبُوشَةْ وابنتها مَنَّانَةْ (التي وظفها الفنان محمد الحريزي في مطلع عيطة خربوشة البيضاوية) فضلا عن أسماء أخرى مثل: لَكْرَيْدَةْ ـ زَرْوَالَةْ ـ الْحَمْرَةْ.

 

 أما العيوط الأخرى فتتخللها أسماء قليلة مثل عيطة "دَامِي" وعيطة "الْكَافْرَةْ غْدَرْتِينِي" وعيطة "سِيدِي أحْمَدْ" وعيطة "سِيدِي حَسَنْ" وعيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ والثّْلَاثْ".

 

وهناك بعض الأسماء النسائية تتردّد في مجموعة من العيوط كاسم "شَامَةْ" التي يتم ذكرها في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي". وعيطة "رْجَانَا فِي الْعَالِي". وعيطة "لُغْزَالْ". إلى جانب إسم "عَيْشَةْ" التي تذكر في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي" وعيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ والثّْلَاثْ".

 

إن كل هذه الشخصيات، بالإضافة إلى عنصر الرّجال كانت متواجدة في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، مما يعطي دليلا واضحا أن زمن العيطة الحصباوية هو هذه الفترة التاريخية، ومكان نشأتها تحديدا هو منطقة الحصبة بكل من دواوير: "الجْوَادَاتْ" و "لَحْنَافِيشْ" و "دَارْ الْعِيَّاشِي" ثم "الدْرَارَاتْ الرْمَلْ" و "الدْرَارْاتْ الْعَبُّوبَةْ" و "الدْعَابْجَةْ" و "لَغْزَاوْنَةْ" علاوة عن "أَوْلَادْ لَحْسَنْ" و "لَمْعَاشَاتْ" و "الرْبِيعَةْ" و "الدْحَامْنَةْ"، فضلا عن "عْزِيبْ لَمِّيلْحَةْ" للقائد احمد بن عيسى .

 

إن بروز المرأة في متون العيطة الحصباوية لم يكن وليد هده الظرفية التاريخية التي تم ذكرها بل نجد شعراء الجاهلية، قد ألّفوا مجموعة من القصائد الشعرية، وتغنوا، ورسموا فيها صورا للمرأة مفصلة الأجزاء مكتملة الأبعاد، حيث اختصر الشعر الجاهلي على الإهتمام بالمرأة الحبيبة، مكتفيا بتصوير الحبّ المادّي والعذري، وتفنن في وصف جسد المرأة في أول القصيدة ثم الإسهاب في وصف العذاب والألم الذي يسببه العشق للشاعر، حيث أحبّ الشاعر الجاهلي الديّار لأجل المحبوبة وكرهها لأجلها، وألهم بالمعاني العذبة وكانت هي الغاية. وهذا ما تمّ تجسيده في الغزل الصّريح ـ الحسّي ـ الفاحش ـ الإباحي ـ المكشوف ـ العشاقي. ثم الغزل العذري ـ الوجداني ـ العاطفي ـ العفيف. في هذا السياق، نذكر من بين شعراء الغزل بنوعيه، كل من الشاعر امرؤ القيس، وعنترة بن شداد، وطرفة بن العبد، وعمر بن كلثوم، والنابغة الذبياني، والأصمعي.

 

وقد تميز العصر العباسي وكذلك الأموي بطفرة نوعية لشعراء الغزل في بلاطات الأمراء وخصوصا شعر الخمريات، وتفنن الشعراء أيضا في وصف المرأة وإبراز مفاتن تضاريسها الجسدية، وفيض العاطفة وصدق الإحساس. حيث نذكر من بين هؤلاء الشعراء على سبيل المثال، الشاعر عمر بن أبي ربيعة ـ وجميل بن معمر ـ وابن لرومي ـ وجميل بثينة ـ وأبو العتاهية وغيرهم.

 

أما خلال عصر الدولة السعدية، فقد أصبح شعر الملحون ينافس الموسيقى الأندلسية واهتم شعراء الملحون بمواضيع المرأة، وبجسدها ضمن سياقات إبداعية ذات المنحى الإحتفالي بكل تمظهراته، معبرين برمزيته وبلاغته عن خصائصه الفيزيقية من جهة، ومنبع ينهل منه كل مبدع باختلاف إبداعاته عن الآخر من حيت التمثل.

 

وخلّف لنا تاريخ شعر الملحون مجموعة من القصائد حول المرأة نذكر منها قصيدة: "الْحَرَّازْ" و "الْعَزْرِي ولَمْزَوَّجْ" و "الشَّابْ والشَّابَةْ" و "النْزَاهَةْ" و "سَلْبَتْنِي عَزْبَةْ أُو شَابَّةْ" و "هَشُّومَةْ" و "حْلِيمَةْ" و "طَامُو" و "خَدِيجَةْ" و "شَامَةْ" و "زَهْرَةْ" و "صْفِيَّةْ" و "الْبَاتُولْ" و "غِيثَةْ" و "مَسْعُودَةْ" و "الْوَرْشَانْ" و غيرها من القصائد.

 

ونستشف من هذه النبذة التاريخية، أن المرأة من أكثر المواضيع بروزا على واجهة المتن الشعري، خصوصا في متون العيطة الحصباوية، حيث وجد الشّاعر/الناظم في المرأة مادة ومجالا خصبا، جعله ينفتح على غرض شعري جدير بالإهتمام وغنيّ في مواقفه وقضاياه، فَصَاغَ لنا صوّرا متكاملة الجمال، ورؤية شعرية يمكن القول أنها تعكس نظرة مقدّسة للجنس الآخر، تنطق بلغة الأحاسيس والعواطف والمشاعر والهواجس حينا، وبلغة واصفة للجسد ولمكوناته أحيانا أخرى.