يسابق قادة النظام الجزائري الزمن في انتظار موعدهم الذي حددوه في شتنبر المقبل لإجراء الانتخابات الرئاسية، في ظل استمرار عزلتهم الإقليمية والدولية على الرغم من كل محاولات فكها.
فبعد قمة ثلاثية استضافتها تونس بطلب من الجزائر وضمت إلى جانب قائدي البلدين رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا محمد المنفي، عاد رموز النظام إلى الداخل من خلال التشديد على أهمية وحدة جناحي الرئاسة والجيش في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد أمن واستقرار البلاد..
يبدو المشهد السياسي الداخلي في الجزائر صحراء قاحلة، لا وجود فيه لغير الرئيس عبد المجيد تبون وقائد الجيش الجنرال السعيد شنقريحة.. يتحدثان إلى الشعب في كل نازلة سياسية أو أمنية، ويبشران الشعب الجزائري بالخير الوفير على الرغم من كل ما يعانيه من أزمة اقتصادية خانقة لم يفلح مردود النفط والغاز في التخفيف من وطأتها..
كل الأسماء التي أعلنت نيتها الترشح للمنافسة الرئاسية لا تعدو أن تكون جزء من لعبة الشطرنج التي برع العسكريون الجزائريون في إدارتها وتوظيفها على أحسن وجه في كل مناسبة يراد بها تجديد الشرعية والاستعداد لإتمام معركة دونكيشوت التي فاقت في مراحلها المتعاقبة سن جيل بأكملها من دون أن تظهر ملامح انقشاعها في الأفق المنظور..
الأنظار كلها متجهة إلى محيط الجزائر، بعد أن صور النظام الحاكم في هذه الأخيرة كل الدول المحيطة بأنها تتربص شرا بالجزائر والجزائريين، ولذلك فبدل أن يتنافس المترشحون لرئاسة البلاد على مشاريع اقتصادية وتنموية لخدمة قضايا الناس وحاجياتهم، فإنهم سيتنافسون في استعداء الجوار، واختلاق المؤامرات لمواجهتها.. من مالي إلى المغرب مرورا بالنيجر وليبيا، فإن حدود الجزائر تحتاج إلى الحماية والوقاية من الشرور..
حتى روسيا التي كانت الحليف العسكري الأول للجزائر، تحولت في غفلة من الزمن إلى محور متربص بالجزائر.. بل إن بعض أجنحة نظام الحكم في المرادية بدأ يوحي إلى وجود طائرات دون طيار تركية الصنع بحوزة الحكم العسكري في مالي المنقلب على اتفاقية السلام الجزائرية.. وهو ما يعني استعداء تركيا كذلك..
نظام بارع في صناعة العداوات مع الجيران وحتى مع الحلفاء البعيدين.. دعك من العداء التاريخي له مع الجارة الغربية..
لا شيء مقدم بالنسبة للنظام الجزائري عن دعم جبهة البوليساريو الانفصالية المصرة على خيار تقرير المصير غير آخذة بعين الاعتبار لتطورات السياسات الإقليمية والدولية، وخيارات السلام المقدمة من الرباط المتمثلة في الصلاحيات الواسعة التي يمنحها لهم سيناريو الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب وحظي بدعم دولي منقطع النظير..
في ظل هذه المؤشرات القاتمة يصبح الحديث عن انتخابات رئاسية مجرد لغو إعلامي وسياسي، الهدف منه ليس فقط تضليل الرأي الجزائري والعربي والدولي، وإنما الاستمرار في اللعب بعقول الجزائريين من خلال نحت شرعية بطرق تقليدية بالية..
خطورة الانتخابات الرئاسية الجزائرية المرتقبة لا تكمن فقط في أنها سترسخ نظام الحكم العسكري بواجهة مدنية، وإنما في أنها ستكون محطة جديدة من محطات الحرب المعلنة من العسكر على نظام الحكم المدني في الجزائر.. وهي حرب سيكون ضحاياها كثر من النشطاء والوطنيين، ومن أجنحة الحكم المتصارعين في الداخل، وقبل ذلك فهي استمرار لسياسة الاستئصال وتجفيف ينابيع الحلم بنظام حكم ديمقراطي مدني حقيقي ينبع من خيار الشعب، ويؤسس لمرحلة جديدة في الحكم حلم بها جيل الحراك ولازال يحلم بها شعب الأربعين مليون نسمة على أرض حباها الله بكل مقومات النهضة والتنمية.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري - لندن