الاثنين 20 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: العالم بخير……

 
 
عبد الرفيع حمضي: العالم بخير…… عبد الرفيع حمضي
من شاهد القنوات التلفزية العالمية، وهي تنقل الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل في بداية شهر ماي. وبالضبط عند استقباله من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي فقد لاحظ العالم كيف وقف بنيامين نتنياهو متصلبا في مكانه، في حين ظهر أنتوني بلينكن يركض بسرعة ليسلم عليه، رغم أن هذا الأخير ضيف فوق العادة، مسؤول سياسي لأكبر وأقوى دولة في العالم. والتي تعتبر الحاضنة والراعية والأخ الأكبر لإسرائيل الصغيرة.
وإذا أضفنا إلى هذا المشهد، الصورة الأخرى التي جابت العالم كذلك في نهاية السنة  الماضية حيث ظهر نتنياهو بدون ربطة عنق، وقميصه مفتوح في استقبال رسمي لبلينكن الذي كان قد حل بتل أبيب في زيارة رسمية .حينها سندري ما هي مكانة هذا المسؤول الأمريكي ووراءه بلده في السياسة الخارجية والداخلية للكيان الصهيوني؟ فلا استغراب إذن والجميع يسمع أن بلينكن يقول أن زيارته لإسرائيل "ليست كوزير خارجية أمريكا فقط، ولكن كيهودي فر جده من القتل".
كما لا نستغرب وإسرائيل تستهزئ بمحكمة العدل الدولية وقبلها بكل هيئات الأمم المتحدة، بآلياتها، واتفاقياتها، ورجالها، ونسائها، وقراراتها.
ومنذ 7 أكتوبر، ونحن نتابع ونلاحظ كيف اصطف الإعلام الغربي بجانب إسرائيل مدافعا على كل عملياتها العدوانية بدعوى الدفاع عن النفس والحق في الوجود والحياة. وآلاف الأطفال والنساء يسقطون يوميا. تابعنا سياسيي أوروبا وأمريكا -إلا من رحم ربك- وهم يرقصون على أصوات المدافع والطائرات وفوق أجساد الضحايا من الرضع والشيوخ.
تابعنا كيف صمت المثقفون ووقفوا ينتظرون نهاية الفرجة، ليكتبوا الروايات والقصص وينتجون الأفلام ويخلدون (همجية الفلسطينيين) الذين احتجزوا شباب مستوطنين كانوا يرقصون، ويمارسون الحب فوق أرض ليست لهم، وأخذوهم رهائن .ولكن لن يكتبوا أي شيء لا عن الأطفال الشهداء، ولا عن الأمهات  الثكلى، ولا عن الجياع، ولا عن الأسر التي راحت بأتمها، فالأوائل بشر من عرق سام، وهؤلاء كراكيز ورسوم متحركة انتهت صلاحيتهم وأدوارهم في مسرحية الاحتلال.
هكذا اعتقدت إسرائيل أن التاريخ قد توقف وأن العالم خلفها ولها أن تعبث بجغرافية المنطقة والعالم .
فلا العالم العربي، عربي. ولا العالم الإسلامي ،إسلامي . ولا العالم الغربي، ديمقراطي لكن (لي كيحسب  بوحدو كيشيط ليه ).
من منكم كان يعتقد أن الجامعات الأمريكية ستتحرك هي الأولى ؟هذه الجامعات التي يمولها كبار رجال الأعمال المتعاطفون والمؤيدون لإسرائيل منذ 48. وقد هددوا بوقف الدعم وطرد الطلبة وإغلاق الجامعات. فهاهي جامعة كولومبيا منذ عدة أسابيع وهي في اعتصام مفتوح حيث كان لها شرف إعطاء انطلاقة الشرارة الأولى لتتوسع وتشمل عشرات الجامعات داخل الولاية المتحدة الأمريكية وخارجها ببريطانيا وأستراليا وكندا وحتى فرنسا وفي بقية الجامعات حول العالم .
ولنا دروس في معركة أقدم جامعة أمريكية هارفارد التي تأسست سنة 1636، أي منذ أكثر من أربعة قرون والتي تقدر قيمة المنح التي تقدمها ب 42 مليار دولار وأن  161 من الحاصلين على جائزة نوبل تخرجوا منها، وأنها  أعطت ثمانية رؤساء للأمريكيين .
فتلك هي هارفارد التي تضامنت مع الفلسطينيين وهي الجامعة العريقة التي استقالت رئيستها  (كلودين غاي) بعد تعرضها لهجوم شرس من طرف اللوبي الصهيوني. وتم استجوابها لمدة خمس ساعات بالبرلمان، ورفضت أن تشهد وتقر،أن ما يقوم به الطلاب بجامعتها هو معاداة للسامية، بل هو احتجاج على ما تقوم به إسرائيل، من قتل للأبرياء بفلسطين،وهو في العمق ممارسة للحق  في التعبير الذي يعتبر من  ركائز المجتمع الأمريكي الحر.
وأعتقد أن ما قام به طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية والأسترالية، يمكن قراءته من زاويتين إثنين على الأقل:
ـ ما يحدث الآن هو بداية التمرد على القهر والضغط الذي مارسته إسرائيل على الرأي العام الغربي منذ عقود. باعتبار وتكييف كل احتجاج هو معاداة للسامية، مع ما يواكب ذلك من آلة إعلامية، جهنمية. ومن تسلطت عليه، سواء كان فردا أو جماعة أو مؤسسة انتهى أمره (الله يخلف فيه).
أما الزاوية الثانية فتكمن في اتساع الفجوة في ما تعلمه هذه الجامعات الكبرى للطلبة من دروس نظرية حول الديمقراطية والأنظمة الحرة، بالعالم وحقوق الإنسان وقيم الليبرالية، ونهاية الاستعمار، والاستعباد والعولمة، والاستثمار الحر، ونهاية الحدود الاقتصادية، وحرية تنقل السلع في انتظار حرية تنقل الأشخاص.
وفي المقابل ما يشاهدونه في فلسطين من صور وسلوكات ومواقف حكوماتهم وسياسة رؤسائهم.
وفي  الأخير يروى أن ديغول رمز فرنسا الحرة حين دخل باريس بعد تحرير بلاده من الغزو الألماني، سأل عن أحوال البلاد، ومؤسساتها. فأخبروه بأنها بأسوء حال، فسأل سؤاله الشهيرهل القضاء بخير؟ فقالوا له نعم فقال قولته الشهيرة "إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير وهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة". 
ولعل هذا يصدق بقوة على حالنا فرغم أن العالم يبدو متوحشا فما دامت الجامعات بخير فالعالم بخير.