ويكفي لهذا الاسم أن يتردد بكثافة على ألسن الأسواق الإفريقية خلف الصحراء؛ بعد المدن المغربية طبعا. وهي بهذا العمق كان من الضروري أن نخصص لها ثلاث حلقات نجدد من خلالها التأكيد على أن المدينة ليس قدرها أن تكون سوقا كبيرا أبداً..بل هي حاضرة مدينة ومدنيّة قبل هذه الفوضى ..ويكفي للمرء أن يستحضر دورها الرئيسي في قيادة الإقليم وإدارة شؤون الإنقاذ وإعادة الإعمار بعد زلزال اكادير حيث استقبلت مقرات الإدارات المؤقتة كمؤسسة المندوبية السامية لإعادة الإعمار، وآوت قرابة نصف أعداد المنكوبين ..بل هناك من الساكنة من يتذكر كيف يترجّل المرحوم الحسن الثاني كولي العهد آنذاك وسط المدينة ؛كمشرف مباشر على ورش الإعمار ..
مدينة لا يمكن أن تقوم بهذا الدور التاريخي ما لم تكن متوفرة على بنية استقبالية لوجيستيكية وبشرية داعمة لعملية إعادة بناء أكادير وهو ما ستتبثه الأحداث المتتالية وخصوصا بعد بداية ما سمي آنذاك بالمسلسل الديمقراطي وتجربة 1976،إذ تعتبر المدينة الوحيدة على المستوى الوطني بالمقارنة مع حجمها ذات الوقت التي صوتت بالإجماع على لون سياسي واحد ومعارض ،ولا يمكن أن يقرأ ذلك إلا بكون المدينة تشكّل وعيها السياسي والمدني منذ زمان؛ وليس الأمر أيضا غريبا عن هذه الحاضرة إذا عرفنا أن حقها من الاعتقالات السياسية إبان سنوات الرصاص كان وافرا جدا ومن مختلف المشارب والقناعات الفكرية ..بل ومن كل المهن والحرف حتى ان الزعيم السياسي للتيار( لنخدم الشعب ) تم اعتقاله بانزكان
من الأكيد أن هذا الوعي المتقدم بهذا الشكل ومن خطورة امتدادته سيكون محط اهتمامات الإدارة المركزية لأم الوزرات التي عيّنت من يتكفل بالمهمة ولم يكن إلا عاملا إقليميا، امتاز بأسلوب مزج فيه بين البهرجة والفكلرة وبين الوقاحة والتسفيه كان أول قرار اتخذ في حق المدينة هو رفض الحساب الإداري للمجلس الجماعي آنذاك، وبالمناسبة اول قرار على المستوى الوطني ..وثاني قرار الإشراف على بناء ما يسمى لدى الساكنة ب( التران)عبارة عن محلات تجارة تشبه مقصورات القطار ..اضافة الى توزيع محلات تجارية وبالمجان في سوق الجملة وحول السوق الأسبوعي إلى اليومي ..وابتدع موسم سيدي الحاج مبارك وروج أن أصوله يعود إلى الكراكا الأحرار حتى يتبث فئة اجتماعية تمتهن التجارة في الأسواق ووووو
هذه هي بداية تسويق صورة انزكان بالسوق الكبير ..
هو قرار مركزي بامتياز وبأدوات محلية عبارة عن لوبي استنزف وما يزال كل الوعاء العقاري للمدينة من اجل سوق او قسارية.. ولا يمكن استرجاع المدينة من هذه الأيادي المحتلة إلا بالرفض المطلق لهذا الترويج والعمل على إعادة الاعتبار لهذا الوعي السياسي والفني والثقافي والرياضي والروحي المميز للمدينة جهويا ووطنيا ..
لذلك نؤكد وبأعلى صوت بان المدينة ليست عابرة في تاريخ الجهة والوطن بل ان تواجدها كان قويا في أهم الأحداث الجهوية والوطنية وان حضورها قبل هذه الصورة التسويقية شملت جميع المجالات ..
وسنذكر البعض من المسؤولين وغيرهم بأن من أهم معالم المدينة المسجد الكبير حيث توجد مدرسة اشتهرت بالقراء وحفظة الذكر الحكيم درًس فيها عدد من العلماء والفقهاء كالمقرئ عبد القادر بن احمد وسيدي مبارك بن طالب وعلي بيروك وكلهم فقهاء ومشايخ ذاع صيتهم وسط قبائل المنطقة …وازدهرت المدرسة بشكل كبير آوائل الخمسينات من القرن الماضي حين تولى التدريس فيها الحاج عبد الرحمان بن احمد الانزكاني واستمر في عمله العلمي الى حين وفاته رحمه الله سنة 1983 وبالمناسبة كان لموقفه الوطني الرافض لبيعة بن عرفة تأثيرا على المدينة والمنطقة عموما .
هو عمق روحي كبير للإسلام الوسطي المؤمن بالتعايش مع الآخر ولعل هذا ما جعل المدينة تعرف أكبر تجمع لليهود الممارسين لشعائرهم الدينية بكل حرية وامان واندماجهم وسط ساكنة المدينة دون أي مركب ضعف أونقص لولا هذا الحضور الفعلي للأئمة والفقهاء والترويج لما يجب أن يكون عليه المسلم في علاقته مع الآخر من الديانات الأخرى
مدينة بهذا الأفق الحضاري .. فطبيعي جدا أن تتفتح مواهب شبيبتها وفي مجالات متعددة ومتنوعة ولعل ظاهرة ايزنزارن المجموعة الغنائية ذات الصيت العالمي والمبدعة حد الانبهار في الإيقاع الأمازيغي لم تولد إلا في انزكان ..وأن بداية تأسيس تجربة الفيلم الأمازيغي لم ينطلق إلا من هذه المدينة كفكرة وموضوع وطاقم بشري من الممثلين من الجرف والمسدورة ووو….في شريط (تمغارتاوورغ) إضافة الى تجارب في المسرح والرسم والتشكيل …
هي المدينة التي ذاع صيتها أيضا وطنيا من خلال انجاز فريقها الرياضي لكرة القدم وجودة لا عيبيها والمستوى العالي للتقنيات الفردية والجماعية، حتى أن اغلب الفرق من الصفوة الأولى يستعيرون اغلب المواهب المحلية بالمدينة ولا بد أن اشير في هذا المجال ان الرواد المؤسسين للاتحاد الرياضي كسيمة مسكينة (للأسف تم محو هذا الاسم /الرمز) أن الرواد كانوا وقت ذاك بوعي جد متقدم من خلال تأسيس هذا النادي المشترك المشكل من ثلاث مناطق متقاربة ومتنافرة في نفس الوقت؛ وباسم يحمل من الهوية بعدا حضاريا بامتياز الهدف منه الاندماج الكلي للمنطقة..
هي انزكان لمن لا يعرف هذا التاريخ ولمن يتجاهله بالخصوص ويحاول ما أمكن ان يعير للمدينة وجها آخر؛ هي انزكان التي احتضنت شوارعها وأقسامها أيضا الطبيب الجراح الخاص للمرحوم الحسن الثاني …
هي زنقة المدارس التي فكًت أزمة البلوكاج الحكومي من خلال تعيين ابن المدينة كرئيس للحكومة…
هي شذرات من ذاكرة مدينة أكبر بكثير من هذه الوجوه الجاثمة على المشهد العام بالمدينة ومستقبلها.