الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

 صافي الدين البدالي: حماية الفساد جريمة في حق البلاد..

 صافي الدين البدالي: حماية الفساد جريمة في حق البلاد..  صافي الدين البدالي

 

حينما تجد بلدا يخرج من دائرة التخلف إلى مربع الدول المتقدمة، فاعلم بأنه قد قطع مع الفساد ومظاهره وحسم مع حماته ومن تبعهم.

لكن حينما تجد بلدا لا زال يبحث عن مخرج من دائرة التخلف بحثا عن سبل التنمية دون أن يحققها، فاعلم بأن الفساد لا زال يعيش وينتعش بين ظهرانيه، وله حماته وأتباعهم.

ومن هنا نطرح السؤال: لماذا فشل المغرب في كل برامجه التنموية منذ عقدين من الزمان؟ ولماذا لا يزال يحتل الرتب الدنيا على سلم التنمية المستدامة وعلى مستوى تحقيق الرفاهية للشعب على غرار الدول المتقدمة، بل حتى في بعض الدول الخليجية؟ لماذا تراجع ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة الـ 122 سنة 2020 إلى المرتبة الـ 123 خلال سنة 2021، من بين 191 دولة عبر العالم. حسب مؤشر التنمية البشرية، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يعتمد في مؤشراته على متوسط العمر المتوقع وعلى التعليم وجودته و على المستوى المعيشي ؟

إن هذه الأسئلة تقودنا إلى طرح السؤال: ما هي الأسباب الرئيسية التي أدت بالمغرب إلى عدم تحقيق تنمية بشرية مرجوة؟ ثم ما هي العلاقة بين التنمية البشرية والفساد من جهة وعلاقتها بالمناخ الديمقراطي من جهة ثانية ببلادنا.

1 - الفساد والتنمية :

إن ما يعرفه المغرب من اعطاب اقتصادية واجتماعية هو نتيجة تفشي مظاهر الفساد، لأنه إذا عم الفساد تصاب البلاد بكل أشكال التخلف عن الركب الاقتصادي العالمي وعن أية تنمية مستدامة، لأن الفساد هو إرهاب في حد ذاته يصيب المجتمع في استقراره الغذائي والمعيشي و في أخلاقه. ولقد عرف " صامويل هنتنجتون وهو باحث وكاتب أمريكي " على أن الفساد هو أحد المعايير الدالة على غياب المؤسسة السياسية الفاعلة التي شهدها عصرنا الحالي. وعليه فإن الفساد ليس نتيجة لانحراف السلوك عن الأنماط السلوكية المقبولة فحسب، بل إنه نتيجة لانحراف الأعراف والقيم ذاتها عن أنماط السلوك القائمة والمعهودة”، وفي هذا السياق تشير أغلب الدراسات العلمية إلى أن الآثار السلبية التي يخلفها الفساد، تتمثل فيما يلي:

-نقص على مستوى معدل النمو - تخلف الكفاءات و سوء تدبير الموارد البشرية و الموارد المالية- نقص في الاستثمار المحلي والأجنبي، - نقص في الإنفاق على التعليم والصحة لحساب الإنفاق على التسليح وعلى البرامج والأنشطة التي تساعد على ممارسات الفساد،- عدم استقلالية القضاء وضعفه وضعف أدائه على أحسن وجه ، مما يشجع على انتشار الفساد و نهب المال العام بالبلاد .

ولهذا فإن الفساد في بلادنا كان له تأثيرات سلبية على التنمية البشرية، لأنه يساهم في التخلي تدريجيا على الإنفاق العام على التعليم والصحة وعلى الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي ، وبالتالي يضر بالمشاريع الاجتماعية من خلال رفع تكاليفها و ضرب المقاولات الصغرى في غياب المنافسة الشريفة و الشفافة ، كما أن مظاهر الفساد تتسبب في ارتفاع معدلات الفقر (1،2 في المئة سنة 2022 إلى6،6 في المئة سنة 2023 ) وذلك بسبب تفشي مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي ،ولأنه يحول دون التوزيع العادل للثروة ويحول دون تحقيق الدولة الديمقراطية و المناخ الديمقراطي الحقيقي .

2 - الفساد و الحماية الحكومية :

لقد توصلت مجموعة من الدراسات القياسية (منهج العالم أفلاطون ومنهج العالم غروشيسوس )، التي تم تنفيذها على عدد من الدول العربية إلى" أن التنمية البشرية لها ارتباط جدلي بجودة التعليم والخدمات الصحية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وبالقطع مع مظاهر الفساد الإداري والفساد السياسي والفساد المالي والاقتصادي و نهب المال العام والقطع مع اقتصاد الريع الذي يشكل عائقا أمام التنمية، حيث أن الدولة المغربية، على سبيل المثال، تنازلت في العام 2011 وحده عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار والأنشطة الزراعية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً طائلة ومستفيدين من الإعفاءات الضريبية.

وتستمر الدولة المغربية في تقديم عشرات المليارات من الدراهم التي يتم اقتطاعها من الموازنة العامة تحت ذريعة المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة.

إن استمرار الدولة المغربية في رعاية الفساد وحمايته وحماية المفسدين وحماية اقتصاد الريع والقطاع غير المهيكل، إنما هو أمر يضرب في العمق العدالة الجبائية ويحول دون تحقيق تنمية شاملة ودون بناء دولة الحق والقانون ولا الدولة الاجتماعية، بالإضافة إلى استمرارية الفوارق الطبقية والاجتماعية والمجالية وهو ما يعتبر جريمة في البلاد وفي حق المغاربة المسلوبة إرادتهم.