في الواقع هناك أسرار، لا سر واحد، ويمكن لأيّ متفكّر في هذا الذي يقع هناك أن يُحصِيَها بالكامل، بيد أنني سأكتفي منها باثنين فقط يَفِيان بالغرض:
1- التهديد اليومي، وعلى مدار الساعات والدقائق، باندلاع حرائق الحراك الشعبي، الذي يكاد المتتبعون يفقدون الأمل في انبعاثه من رماده من جديد، بسبب إحكام عجائز الموراديا قبضتهم على خِناق الشارع العام بالحديد والنار، وأيضاً وهذا هو الأهم، بسبب مَوات النخب، التي لم تعد جزائر شنقريحة وتبون تُنتِجُها منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، ومنذ أن ترك بوخروبة وراءه إرثاً ثقيلا من الحقد الدفين تجاه المغرب والمغاربة جعل المتعاقبين على وزارة التربية يُبدِعون في صناعة أجيال من الحاقدين، ولكن أيضاً، من المُسَطَّحين المنساقين كَمَواشي وخِرفان المذابح دون أدنى وعي بما يجري أمامهم ووراءهم ومِن فوقهم ومِن تحتِ أرجُلهم، "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ" (البقرة -171)... وكذلك أرادهم ذلك النظام الغبي أن يكونوا، لأنه لا يملك القدرةَ ولا الكفاءةَ لحساب عواقب ذلك التسطيح المفرط... ومَن أراد التأكد من صواب هذا الوصف فلْينظُر ولْيستَمِع إلى ما تبثه قنواتهم الرسمية ومراحيضهم الإعلامية من سفاسفَ وتُرَّهاتٍ، ومن رداءة في التفكير والفهم يعافها كل ذي عقل سليم!!!
2- إن ذلك النظام المريض ظل على امتداد نصف قرن يُسَوِّق للجزائرين صورةَ جارٍ مغربي فقير ومتخلف مازال يعيش في القرون الوسطى، ولا يزال معظم أفراده يتعيّشون من ترقيص القِرَدَة والأفاعي بمُجْمَل ساحاته العمومية، ونسوتُهُ يحترفن الدعارة، أو يتسقّطن بين الدروب في طلب كِسْرات خبز حاف، وأحسنهنّ حظّاً يعملن في قراءة الورق والأكفّ وضرب الرمل وممارسة كل أشغال البوهيميين خاليي الوفاض، وهي صور ينطق بها في الحقيقة واقعُ حالِ الجزائريات قبل عشريات قليلة ماضية، حتى أنّ نخبة من الفنانين التشكيليين الفرنسيين أمثال بيكاسو ودولاكروا وثّقوا مشاهد غير قليلة من ذلك الواقع البئيس وخلّدوها بأعمالهم البالغة شهرتُها أقصى الآفاق!!!
ومِن شدة ما أبدع النظام الجزائري ومخابراته الغبية في تقزيم صورة وواقع الكائن المغربي لدى عموم الشعب هناك، صار لديهم خوف يتخطى كل حدود الرعب والفزع من أن يطّلع الجزائريون ذات يوم على حقيقة الواقع المغربي المُعاش، ويكتشفوا كذبَ سكان الموراديا وبهتانَهم، ويُدركوا بتحصيل الحاصل الفارقَ المُدَوِّيَ بين جزائرَ مازالت تعيش على فُتات الحرب الباردة بكل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رغم غازِها ونفطِها، وبين مغرب صاعد يسير الهوينا ولكن، بثبات الجبال الرواسي، بينما أغلب ذلك الشعب المسكين ما زالت تملأ أذهانه صورٌ من مغرب العشرينات من القرن الماضي، حتى أنه لا يصدق ما ينقله إليه عبر وسائل التواصل جزائريو المهجر، الذين يأتون إلى المغرب بين الحين والآخر فيقضون سحابات مقامهم تحت سمائه في التجوال بين حدائقه المزهرة، وشوارعه الواسعة والنظيفة، ومُولاتِه وفضاءاته التجارية الكبرى، الزاخرة بكل الخيرات والنِّعَم... ثم عندما ينقلون مشاهداتهم تلك لذويهم وصِحابهم ومواطنيهم المدفونين تحت سماء جزائر شنقريحة وتبون، لا يُصَدّقهم هؤلاء، حتى سمعنا كثيرين منهم يتهمونهم بالكذب ويقولون لهم كلاما من قبيل "إنكم تلتقطون مشاهد من أوروبا وتنسبونها للمغرب افتراءً"... وما أكثر ما تردد مثلُ هذه العبارات في ردود فعل المواطنين الجزائريين الغَلابى والمقهورين والمُداسة حقوقُهم بأحذية العسكر البالغة أقصى حدود الثقل والغِلَظة!!!
يحضرني بهذه المناسبة ربطٌ لابد منه بين هذا السر الثاني بالذات، وبين المسرحية الرديئة التي انخرط فيها النظام الجزائري ومخابراته الغبية فيما يُعرَف عالميا بفضيحة مبارتَيْ نهضة بركان واتحاد العاصمة، أو "فضيحة القميص والخريطة"...
ذلك، أن النظام الكرغولي يحاول بكل قواه أن يَحُول دون أيِّ سفرٍ لاحِق لجماهير الشعب الجزائري العريضة إلى المغرب لمناصرة فريقهم الوطني في نهائيات كأس الأمم الإفريقية فتنكشف لهم أكاذيب حكامهم، وينكشف لهم بالتالي مدى الفساد المعشّش لدى رئيس دولتهم ورئيس أركان جيشهم، هذا الجيش المغلوب بدوره على أمره...
ذلك، أن النظام الكرغولي يحاول بكل قواه أن يَحُول دون أيِّ سفرٍ لاحِق لجماهير الشعب الجزائري العريضة إلى المغرب لمناصرة فريقهم الوطني في نهائيات كأس الأمم الإفريقية فتنكشف لهم أكاذيب حكامهم، وينكشف لهم بالتالي مدى الفساد المعشّش لدى رئيس دولتهم ورئيس أركان جيشهم، هذا الجيش المغلوب بدوره على أمره...
وحتى لا يقع هذا الانكشاف فيؤدي إلى انفجار غضب الشارع هناك، خطط حكام الموراديا ومخابرات عبلة، بمطلق الغباء، للحصول على "إقصاء مبكّر" بواسطة العقوبات "المرغوب فيها" والمرتقبة من نهائيات كأس إفريقيا للأمم، التي سيحتضنها المغرب في صيف السنة القادمة، والإقصاء بتحصيل الحاصل من نهائيات كأس العالم، لأن هذا ينجم عن ذاك، وبهذه الطريقة الماكرة والخبيثة فضّل أولئك الحمقى التضحية بأفضل فرقهم في كرة القدم، وفي كرة اليد، والجمباز، والبقية آتية... وبذلك يُبقون الشعب الجزائري في "دار غَفْلون"، بعيدا عن واقع الحياة في المغرب، لأنهم موقنون بأن الشعب لن يلبث أن ينفجر بمجرد مجيئه إلى تراب جاره الغربي، وبمجرد إدراكه للفارق الشاسع والعظيم بين بلدهم البترولي الفقير، وجارهم الفلاحي ولكنِ الغنيّ، المعتمد بعد الله على أدمغة وسواعد شبابه وقواه الحية!!!
تصوروا معي الآن كائنَيْن بلغ عندهما الخَرَفُ أشُدَّه، لا يَجِدان غضاضةً في تدمير المستقبل الرياضي لشبابهم، ونخبهم الرياضية الفتية، لا لشيء سوى لخشيتهم مما لا ريب أنه سيحدث بمجرد فتح الحدود أمام جحافل المشجعين الجزائريين، الذين من غير المستبعد أنهم قد يتركون ملاعب الكرة جانباً، ويفضّلون عليها الانتشار في الحدائق والفضاءات التجارية الشاسعة والتي تزخر من السلع والخيرات بما لا يستطيعون رؤيته غن قُرب ولمسه داخل وطنهم إلا في الأحلام!!!
ذاك هو السر الكامن وراء مسرحية اتحاد العاصمة ونهضة بركان، الحاملة لعنوان "الخريطة"!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي