الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: الوزير السكوري الذي أسكرتنا أرقامه

إدريس المغلشي: الوزير السكوري الذي أسكرتنا أرقامه إدريس المغلشي
فاتح ماي على الأبواب والحديث ذو شجون بعدما خفت الضغوطات على المدبر الحكومي، ليس بدعوى الرفاه الذي أصبحت تعيشه الشغيلة عموما، ماديا ومعنويا، بل نتيجة إفلاس كل الأجهزة التي اوكل لها أمر الدفاع عنها. 
ولعل من أبرز تمظهرات هذا الانحدار ما عشنهاه مؤخرا من أحداث تترجم وضعا مأساويا . لم يعد عيد العمال تلك المناسبة التي ترعب الحكومة. لقد اصبح يوما كباقي الايام العادية بدون نكهة ولاطعم وتلك الايام نداولها بين الناس .
في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني، ذاك الفضاء الذي يشكل فرصة ثانية حقيقية  للنقاش بعدما تخلت وسائل عمومية ممولة من جيوب المواطنين عن دورها الرئيسي وكنا نعتقد أننا أمام فسحة للفكر والنقاش الهادئ والجريء وفي نفس الآن طرح قضايانا المجتمعية بما يشكل مختبرا حقيقيا للأفكار ومنصة لاخضاع المدبر السياسي وأطروحاته وبرامجه للنقاش والتحليل والتقييم . نحن المغاربة معروفون بكرم الضيافة لكن ليس على حساب قول الحقيقة والوضوح، انطلاقا من غدوارنا ومهامنا. يبدو أننا أمام فضاء تغلب عليه المحاباة  والمزاجية وغياب الموضوعية. فنحن نحتكم في هذا المعطى لدراسة وضعية حكومة تبدو في منتصف ولايتها وتستوجب مناقشة الحصيلة  وهو أمر لم نلمس له أثر في التقديم على الأقل. بعدما انحاز المقدم كلية للضيف .
دخل علينا الوزير السكوري بجلبابه التقليدي في جو روحاني يستلهمه من قدسية الشهرالفضيل. ولعل أبرز ما اثير في البداية وما ظهر جليا وبشكل مبالغ فيه ذاك التقديم الذي تم تخصيصه للضيف بشكل رفعه لمقام يصعب بلوغه وتماس يعد نوعا من المغامرة، الاقتراب منه بل مجرد محاولة النبش في ذاكرة المؤسسة ورصيدها يبرزهذا الاستثناء ونحن نقارن ماجادت به المصادر من سيرة الضيف، التي لاشك أنها لا تعدو شبيهة بمن هم قبله. وبالتالي الأهم أن تعكس في الاحتكام إليها غناها على الآداء وليس شيء آخر .الافراط في الثناء والإعجاب  أفسد مضمون اللقاء وهو ينعقد في مدينة سلا العامرة .
الثلاث محاور موضوع النقاش اختل توازنها بين أسئلة موضوعية وتهرب ديبلوماسي للسيد الوزير . ورجعت بمخيلتي غير بعيد الى سنة 2014 ايام المعارضة وضيفنا يستدعي أسلحة من قبيل اختلالات منهجية معززة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وهو يقصف خصمه السياسي بقبة البرلمان، وقد انتزع تصفيقات الحضور وابتسامة ماكرة  لابن كيران وهي  ايام قد ولت وخلصنا في النهاية أن الفرق بين الأغلبية والمعارضة في بلدنا السعيد خطوة قصيرة مفادها كيف تجيد الكذب بآلية وحيدة أن تنكر ماضيك  الحافل في المعارضة  ببطولات دونكيشوطية ووداعة في الأغلبية تقدم من خلالها فشلك بوقار وسكينة . تلك مصيبة أحزابنا التي قتلت لدى المواطن كل اهتمام أو تتبع .
أصبت بالدوار وأنا أسمع مرة الملايير بالدرهم وتارة أخرى  بالدولار ولم تسعفني سرعة البديهة، والعد في حسم معادلة أرقام كبيرة لم نلمس لها أثرا حقيقيا على المواطن البسيط كما تباينت الإحصاءات بين عدد العمال المؤقتين والمداومين والمشغلين والمطرودين، وقد بالغ الضيف في النفخ حتى كدنا نخاف عليه من بعضها فقد تنفجر في وجهه . كثرة الملايين منها ما قدمت كإنجاز والحال أن المندوبية السامية للتخطيط تعري واقعا مأساويا في تقاريرها اسمه تزايد مؤشر البطالة والعطالة. بل لاحظت كيف تزاحمت الأسئلة وتداخلت بينها دون احترام لمنهجية مضبوطة لأسئلة الصحافيين ، بعدما ضاع الكلام بين الثناء والشكر وتوزيع الابتسامات على الضيوف كل حسب حضوره ونيته، فلكل امرئ ما نوى. ظهر جليا أن هناك من حضوره يرسل إشارات سياسية  وآخر للأسف يتسول تنسيقا وتفاهما، وكل  صور الحضور  بكل تلاوينه لا تترجم فعلا وحقيقة إرادة جماعية بقدر ماتفضح و تلخص أزمة الفاعل السياسي في وقتنا الراهن للأسف.