الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الإدريسي: قانون غسل الأموال واستقلالية المحاماة

الإدريسي: قانون غسل الأموال واستقلالية المحاماة خالد الإدريسي
عرفت السنوات القليلة الماضية اصدار الدولة لمجموعة من القوانين التي جاءت بالعديد من المستجدات التي فرضت على مهنة المحاماة الكثير من الالتزامات والقيود التي تتعارض مع طبيعتها كمهنة حرة مستقلة تقوم بأدوار حقوقية ومجتمعية مهمة ترمي إلى تحقيق نوع من التوازن بين الحقوق والحريات التي تدافع عنها ، وبين النظرة الأمنية التي تنتهجها الدولة من أجل الحفاظ على النظام العام الأمني والاقتصادي . وهذا الجانب التقييدي لم يظهر فقط في التشريعات اللصيقة بمجال ممارستها المهنية كقانون مهنة المحاماة وباقي القوانين المسطرية التي تشكل الأدوات الأساسية لعمل المنتسبين اليها ، ولكنها همت أيضا مجموعة من القوانين ذات الطبيعة العامة التي فرضت عليها التزامات وقيود من خلال إلزامها بمجموعة من الواجبات التي يظهر على انها تمس في الصميم بحريتها واستقلاليتها التي تضمنها لها المادة الأولى من قانون المهنة التي تؤكد أن المحاماة مهنة حرة مستقلة .
وقد ظهر هذا التضييق بشكل جلي من خلال عدة قوانين أخرى مستجدة ، ويمكن التذكير على سبيل المثال لا الحصر بقانون الحماية الاجتماعية الذي اصبح يفرض على المحاماة والمحاميات والمحامين القيام بواجبات تحت طائلة تطبيق عقوبات وجزاءات تفرضها الإدارة في مواجهتهم سواء كمؤسسات مهنية أو كأفراد ينتمون إلى هذه المهنة . 
لكن تبقى الالتزامات المفروضة على المحامين التي أطرتها المقتضيات القانونية الواردة في قانون غسل الأموال من أهم القيود التي تمس مساسا مباشرا بحق المحامين وواجبهم في التقيد بالسر المهني وبالتالي التضييق على حريتهم واستقلاليتهم في ممارسة مهنتهم وفق ما تفرضه عليها قوانينهم وأنظمتهم وأعرافهم وتقاليدهم التي تجعل علاقتهم بموكليهم ومؤازريهم علاقة مقدسة مبنية على الثقة ومسيجة بواجب ضمان حقوق ومصالح زبنائهم حتى لو كانوا في حالة تعارض مع القانون، حتى ان بعض القوانين كالقانون المنظم للمؤسسات السجنية وقانون المسطرة الجنائية يفرضان على ان المراسلات بين المحامي ومؤازره مطبوعة بطابع السرية وليست من وثائق ومستندات الملفات التي يمكن الاعتماد عليها من اجل المتابعة او الإدانة . 
ويمكن التأكيد على أن الالتزامات التي فرضها قانون غسل الأموال على المحامين من خلال إلزامهم بالتصريح لوحدة معالجة المعلومات بجميع المعلومات المالية ومحاولات تنفيذ العمليات المشتبه في ارتباطها بغسل الأموال أو بواحدة أو أكثر من الجرائم الأصلية لغسل الأموال أو بفعل يشكل تمويلا للإرهاب ، وبواجب اليقظة بالإضافة الى تفعيل آلية المراقبة الداخلية . تشكل التزامات وان كانت تبدو منطقية وضرورية بالنسبة لأفراد المجتمع العاديين وباقي المهنيين اللذين لا تحكمهم ضوابط قانونية وأخلاقية ، فإنها تبدو متعسفة في حق المحامين الذين تتأسس مهنتهم على الحرية والاستقلالية في الممارسة وعلى الثقة المطلقة التي تجمعهم بموكليهم ومؤازيهم بشكل يجعل هؤلاء يثقون ثقة عمياء في وكلائهم من المحامين ويستأمنونهم على حقوقهم ومصالحهم وحرياتهم ومصائرهم، وبالتالي يكون تنفيذ المحامين لهذه الالتزامات ضربا خطيرا لأهم أساس من الأسس التي تستند عليها مهنتهم وهو مبدأ واجب الحفاظ على السر المهني الذي يعتبر من أهم الواجبات التي يفرضها قانون مهنة المحاماة من خلال المادة 36 من قانون المهنة التي تؤكد بالحرف على أنه : " لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في أي قضية . يتعين عليه ، بصفة خاصة، أن يحترم سرية التحقيق في القضايا الزجرية ، وأن لا يبلغ أي معلومات مستخرجة من الملفات ، أو ينشر أي مستندات أو مراسلات لها علاقة ببحث مازال جاريا " . 
وإذا أردنا أن نحدد مكامن الخطورة في هذه الالتزامات التي اصبح المحامي ملتزما بها بمقتضى قانون غسل الأموال وإمكانية مساسها باستقلالية المحامين كافراد ينتسبون لمهنة تفرض على عليهم التقيد بواجب السر المهني باعتباره واجبا يدخل في اطار قيم ومبادئ الوقار والشرف والمروءة ، فإننا يمكن نستنتج ما يلي : 
أولا : أن هذا الالتزام سيؤثر لا محالة على العلاقة التي تربط بين المحامي وموكليه ومؤازريه المؤسسة على مبدأ الثقة بين الطرفين ، والتي تفرض أن يستأمن المتقاضي محاميه على جميع أسراره الشخصية والمالية ، وأن المحامي كمقابل لذلك يجب أن يكون أهل للثقة عن طريق الحفاظ على السر المهني وعدم استعمال الوقائع والمعطيات التي يحصل عليها انطلاقا من نيابته على موكله أو مؤازره ضده في المساطر التي ينوب فيها أو في مساطر أخرى أو في تمكين جهات أخرى خاصة أو عامة من هذه المعطيات بشكل يحدث ضرر للشخص الذي لجأ الى المحامي طلبا للحماية . وتحقق انعدام الثقة سيؤدي بالمتقاضين إلى العدول عن الاستعانة بالمحامين لأنهم لن يبقوا في نظرهم أهل للثقة لانهم سيكونون ملتزمين بالتبليغ عن أي خروقات مالية تتعلق بالجرائم الواردة في قانون غسل الأموال ، وهذا الأمر سينتج عنه حدوث تضييق على مجال عمل المحامي الذي سيعدل عدد كبير من الأشخاص عن اللجوء إلى المحامين من اجل تدبير مساطرهم ذات الطابع المالي ، لما يمكن ان يترتب عنه من تورطهم في قضايا جنائية مرتبطة بغسل الأموال او تمويل الإرهاب . وهذا التضييق غير المباشر على مهنة المحاماة ينضاف الى باقي التضييقات التي همت مهام واختصاصات المحامين سواء بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية ولا سيما في المادة 30 منها التي سحبت إجبارية الاستعانة بالمحامين في القضايا التي تقل عن 40.000,00 درهم ، وهذا المقتضى سيقلص بدون شك من مجال احتكار المحاماة للنيابة في المنازعات القضائية ذات الطبيعة المدنية ، وسيؤثر سلبيا على مبدأ الولوج المستنير للعدالة الذي لا يمكن تحقيقه من دون فرض احتكار كامل للمساطر القضائية من طرف المحامين ، وهذا الأمر ليس بالضرورة لفائدة نساء ورجال الدفاع بقدر ماهو لفائدة العدالة وحسن تطبيقه القانون مسطريا وموضوعيا . ويتأكد هذا التضييق على المهام والاختصاصات من خلال مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة التي تعده وزارة العدل والتي يظهر انه لم تتم الاستجابة لاي مطالب متعلقة بدعم مبدأ الاحتكار وتوسيع مهام المحامين ، بل فتح المجال للمحامين الأجانب وشركات المحاماة الأجنبية من اجل ممارسة مهنة المحاماة بالمغرب من دون قيود بشكل سيضرب حقوق ومصالح مكاتب المحاماة المغربية لوجود فوارق ولصعوبة المنافسة ، وهذا سيكون عاملا من عوامل تقليص مجال العمل للمحامين ينضاف الى باقي التضييقات المباشرة وغير المباشرة كالتي اصبح يفرضها قانون غسل الأموال على المهنيين ومن بينهم المحامين . 
ثانيا : أن هذا الالتزام ولو أنه تم التأكيد على أنه يتعلق بالاستشارات القانونية التي يقدمها المحامين فقط دون المساطر التي تبقى خاضعة لمبدأ السر المهني ، فإن هذا التفريق لا يبدو حقيقيا أو منطقيا لعدة أوجه منها  ما يتعلق بكون الاستشارات القانونية في الغالب ما تكون مقدمة لفتح ملفات والتقدم بمساطر تخضع للقواعد العامة المتعلقة بواجبات المحامين في التقيد بالسر المهني كمبدأ يتعلق بالسلوك المهني القويم الذي يحميه قانون المهنة وايضاً باخلاقيات وأعراف وتقاليد مهنة المحاماة ، ومن جهة أخرى فإن المحامي مثلما هو ملزم باحترام السر المهني في علاقته بموكليه ومؤازريه وهو بصدد القيام بالمساطر لفائدتهم ، فإنه أيضا ملزم باحترام السر المهني وهو بصدد تقديم الاستشارات القانونية لأن قانون المهنة لم يفرق بخصوص التزام المحامي بالسر المهني بين الاستشارة القانونية والمسطرة القانونية ، ولكنه عمم هذا الواجب المهني على جميع المهام والاختصاصات الواردة في المادة 30 من قانون المهنة والتي توجد من بينها المساطر القانونية والاستشارات القانونية وتحرير العقود ومهام أخرى لا تشكل أي اسثتناء على المبدأ العام الذي يفرض على المحامي الالتزام بالسر المهني تحت طائلة اعتباره مرتكبا لمخالفة تأديبية يمكن أن يعاقب عليها عن طريق تطبيق الجزاءات التأديبية المنصوص عليها في القانون . 
ثالثا : أن هذا الالتزام الخطير على الممارسة المهنية لمهنة المحاماة سيعطي الانطباع على أن المحامين هم شرذمة من المخبرين الذين لا يتوجب الثقة فيهم ، وبالتالي سيتم تحويلهم من حماة للعدالة إلى مجموعة من المخبرين الصغار الذين ينقلون الاخبار والمعلومات إلى رؤسائهم بناء ما استقوه من خلال تواصلهم موكليهم وتخابرهم مع مؤازريهم . وهذا المعطى غير منطقي من ناحيتين ، الأول هو ان مهنة المحاماة والمنتسبين اليها يتمتعون باستقلالية مطلقة في ممارسة مهامهم وفي تدبير علاقاتهم بموكليهم بخصوص المساطر المتعلقة بهم ، وهم في ذلك غير خاضعين لأي سلطة رئاسية او عليا ما عدا الواجبات المفروضة عليها في قانون المهنة وفي اعراف وتقاليد المهنة ، وبالتالي فإن الزامهم بالتبليغ إلى جهات معينة سيجعلهم خاضعين لجهات غير المؤسسة المهنية التي تدبر شؤونهم وتراقب مدة تقيدهم بواجباتهم والتزاماتهم المهنية، وهو ما سيؤدي إلى المساس بشكل مباشر باستقلاليتهم التي تشمل جوهر وأساس عملهم وممارستهم . والثاني هو أن الدولة من خلال الأجهزة الأمنية والقضائية تمتلك من الإمكانيات الهائلة والتجربة الميدانية الطويلة ما يؤهلها لوضع استراتيجية متكاملة من أجل الوقاية من مظاهر الجريمة المنظمة سواء في اطار جريمتي غسل الأموال او تمويل الإرهاب أو في إطار باقي الجرائم الخطيرة الأخرى التي تحتاج إلى أجهزة استخباراتية مكونة ومدربة على الوقاية من الجرائم انطلاقا مما تحصل عليه من معلومات من موظفيها واعوانها الأمنيين او من الأشخاص الذين يمكن تبليغ هذه المعلومات من دون أن يكونوا ملتزمين باحترام السر المهني بحكم وظيفتهم أو مهنتهم ، وليس المحامين الذين هم ملزمين بالحفاظ على استقلاليتهم ليس فقط في علاقتهم بالأجهزة الأمنية او القضائية، بل حتى في اطار علاقتهم بمؤسساتهم المهنية التي لا يمكن لها التدخل في طبيعة الممارسة المهنية للمحامي إلا إذا كان هناك خرق واضح للالتزامات القانونية والأخلاقية المفروضة عليهم . 
رابعا : أن هذا الالتزام اذا كانت هناك محاولة لترسيخه في الجرائم المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب وهي جرائم تتميز بنوع من الخطورة الأجرامية على مستوى الأفعال والفاعلين ، فإن انتهاك حرمة السر المهني الذي أباحه قانون غسل الأموال يمكن تطبيقه من باب القياس على أفعال أخرى تشكل جرائم لا تقل خطورة عن الجريمتين التي ركز عليهما قانون غسل الأموال ، وهكذا فإنه يمكن للمحامي مادام أنه لم يعد ملزما باحترام السر المهني أن يبلغ عن الشخص الذي جاء الى مكتبه واستشار معه بخصوص أفعال قد تكون مجرمة قانونا كأن يكون قد ارتكب جريمة قتل أو جريمة تزوير أو جريمة سرقة أو ما الى ذلك من جرائم تدخل في اطار الحق العام ، فهل يجوز من باب القياس أن يقوم المحامي بالتبليغ عن هذه الأفعال وعن الشخص الذي ارتكبها بناء على المعطيات التي اعترف بها الشخص أمامه أثناء حصوله على المعطيات المتعلقة بالاستشارة القانونية أو الملف موضوع المسطرة ، كأن يخبر الشرطة ان موكله هو القاتل في واقعة معينة أو ان موكلته هي السارقة في جريمة السرقة التي تبحث عنها الشرطة منذ شهور أو أن موكله هو من قام بتزوير الأوراق النقدية في اطار جريمة معينة . فهنا يمكننا التساؤل بكل غرابة حول ما إذا كان المحامي يجب عليه من باب أولى التبلبغ عن هذه الجرائم الخطيرة مثلما هو ملزم بالتبليغ على جريمتي غسل الأموال وتمويل الأرهاب ؟ ثم أي محاماة ستبقى وأي محامين سيظلون إذا تحولوا الى مخبرين يخونون ثقة موكليهم من اجل الادلاء بمعلومات حصلوا عليه بناء على هذه العلاقة المؤسسة على الثقة وأيضا بناء على مبدأ ضرورة التزام المحامي بالحفاظ على السر المهني . 
خامسا : انه من المعلوم ان المجال الإجرائي تحكمه قاعدة ذهبية تتعلق أساسا بضرورة تحقيق توازن ثابت بين النظام العام وبين حقوق وحريات الأفراد ، وإذا كان الشق الأول من هذا القاعدة المرتبط بضمان النظام والأمن العامين تقع مسؤوليته على عاتق الأجهزة الأمنية ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية ، فإن المحاماة يقع عليها عبئ الدفاع عن الشق الثاني المتعلق بحقوق وحريات الأفراد انطلاقا مما يخوله لهم حق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة . وتقع على القضاء مسؤولية تحقيق التوازن بين النظرة الأمنية التي تطبقها الأجهزة الأمنية وبين النظرة الحقوقية التي تدافع عنها المحاماة . ولذلك يمكن التأكيد أنه من غير المنطقي أن يتم تحويل دور المحامي الذي مارسه من القدم وعبر التاريخ المتعلق بالدفاع عن الحقوق والحريات وفق ما تفرضه النظرة الحقوقية التي تشمل أساس عمله المهني ، إلى دور آخر غريب عنه وهو الدفاع عن النظرة الأمنية انطلاقا من العمل كمخبر أمني يبلغ عن موكليه ومؤازريه بمناسبة ما يتوصل به من معطيات استنادا على الثقة التي يضعها فيه هؤلاء . وبالتالي فإن عدم الفصل بين ما هو حقوقي وما هو أمني سيشوه رسالة الدفاع كمهمة ذات بعد حقوقي تروم الدفاع عن حقوق وحريات الأفراد ومن خلالهما ترسيخ عدالة قوية وناجعة وايضاً المساهمة في تحقيق دولة ديمقراطية قائمة على احترام الحق والقانون . 
سادسا : ان هذا الالتزام سيضر بشكل مباشر وغير مباشر بمهنة المحاماة كمهنة ممانعة Anti pouvoir  تقوم دائما بالدخول في صراعات ومواجهات مع الدولة من أجل ترسيخ ذلك التوازن المطلوب بين حاجيات الامن الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه وبين واحب احترام الحقوق والحريات الذي يفرضه الدستور والاتفاقيات الدولية التي وقع وصادق عليها المغرب وأصبحت جزء من قانونه الوطني بل وتسمو على القوانين الداخلية . ويبقى المحامين في طليعة المدافعين عن هذه الحقوق والحريات انطلاقا من الترافع الذين يقومون به سواء من داخل ردهات المحاكم بمناسبة الملفات والنوازل التي ينوبون أو يؤازرون فيها ، أو خارجها انطلاقا من نشاطهم الحقوقي داخل التنظيمات السياسية والجمعوية والحقوقية . فلا يمكن تصور أن المحامين الذين يعتبرون شموع العدالة ورموز الدفاع عن الحق والقانون ، سينتقلون من هذا الدور الحقوقي الى دور امني عن طريق الدفاع والترافع عن الامن انطلاقا من تبليغ المعطيات والمعلومات التي تصلهم بمناسبة عملهم إلى الأجهزة الأمنية ، ومادام ان الدولة وصل بها الأمر إلى الباس المحاماة هذا اللباس الأمني الذي لا يليق بها ، فإننا يمكن ان نستنتج على ان الدولة لم تعد تنظر إلى المحاماة على انها قوة ممانعة Anti pouvoir تقف امامها ندا للند من اجل الدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والجماعية ، ولكنها أصبحت تنظر اليها على أنها مهنة عادية تستطيع ان تتوافق معها من أجل تسخير المنتسبين اليها للعمل لديها كمخبرين دورهم جمع المعلومات من موكليهم وتبليغها إلى الأجهزة الأمنية ، وهذا التوجه فيه ضرب خطير لمهنة المحاماة ورسالتها ولدور الدفاع في تعزيز المنظومة الحقوقية والدفاع عنها داخل المحاكم وخارجها . 
سابعا : ان هذا الالتزام يرسخ توجه الدولة في الانتقاص من استقلالية مهنة المحاماة واستقلالية المنتسبين اليها من خلال تكريس تبعيتهم لمؤسسات وجهات أجنبية غريبة عن جسمهم المهني الذي تفترض على أن مؤسسة النقيب ومؤسسة مجلس الهيئة هما المؤسستين الحصريتين التي لها الاختصاص في مراقبة مدى تنفيذ  المحامين لالتزاماتهم المهنية . فالملاحظ على أن الدولة لا تسعى فقط الى جعل نساء ورجال الدفاع تابعين بشكل مباشر للأجهزة الأمنية والقضائية من خلال إلزامهم بواجب التبليغ عن كل المعلومات التي يرون انها تدخل في اطار الجرائم المنصوص عليها في قانون غسل الأموال ، ولكن هذا التوجه يظهر أيضا في مجموعة من القوانين وأيضا مسودات ومشاريع القوانين التي من المفترض ان تصبح قوانين نافذة وواجبة التطبيق بعد مرور مدة معينة ليست بالبعيدة ، فقانون الحماية الاجتماعية يحاول أيضا فرض تبعية المؤسسات المهنية للمحامين وايضاً المحاميات والمحامين إلى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي اصبح بإمكانها ان تفرض عقوبات وجزاءات إدارية ومالية على الهيئات كؤسسسات وعلى المحامين كأفراد في حالة تخلفهم عن تنفيذ التزاماتهم الواردة في نطاق قانون الحماية الاجتماعية ، وهذا المعطى فيه مساس واضح باستقلالية مهنة المحاماة التي لم تعد مستقلة في تدبير شؤونها كما يفرض ذلك قانون المهنة في المادة الأولى التي تكرس مبدأ الاستقلالية وعدم التبعية كمبدأ عام ومطلق غير قابل للمساس أو التجاوز. ويظهر المساس بالاستقلالية أيضا في مسودات قوانين أخرى يمكن ان يشكل إقرارها في اطار قوانين نافذة إلى وبال كبير على استقلالية مهنة المحاماة ، ويمكن التذكير على سبيل المثال لا الحصر بمسودة مشروع قانون المعهد الوطني للمهن القانونية والقضائية وكتابة الضبط الذي اصبح يعطي لوزارة العدل اختصاص الإشراف على تكوين المحامين تكوينا أساسيا ومستمرا من الناحية الإدارية والبيداغوجية بل وحتى التأديبية، مما سيجعل هناك طرف اجنبي غير المؤسسة المهنية تتحكم في هذا في الشأن الذي هو من صميم اختصاص مؤسستي النقيب ومجلس الهيئة ، وسيكون لهذا الأمر تأثير كبير على منسوب الاستقلالية داخل الجسم المهني للمحاماة . واخيرًا وليس آخرا يمكن الإشارة الى ما جاءت به مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة من مقتضيات تجسد المساس باستقلالية مؤسسة النقيب ومجلس الهيئة عن طريق إقران قراراتهم بآجال قصيرة مع إمكانية حلول الوكيل للملك محلهم في حالة تأخرهم عن اصدار هذه القرارات ، وايضًا سحب اختصاص تحديد واجب الانخراط الذي هو الان يحدد بناء على قرار لمجالس الهيئات إلى جعله اختصاصا أصيلا لوزارة العدل التي ستحدده بنص تنظيمي . 
ثامنا : أن هذا الالتزام المفروض بمقتضى قانون غسل الأموال وباقي الالتزامات الأخرى المفروضة بمقتضى قوانين ومشاريع قوانين ومسودات مشاريع قوانين ، والتي تتضمن مقتضيات جد خطيرة على حصانة واستقلالية مهنة المحاماة تمر في نقاشاتها العمومية وفي مسارها التشريعي وسط سكوت مطبق للمؤسسات المهنية سواء في إطار الهيئات السبعة عشر أو في اطار جمعية هيئات المحامين بالمغرب إلتي في غالب الأحيان لا تواكب هذه النقاشات ولا تبدي وجهة نظرها ولا تترافع من اجل الدفاع عن استقلاليتها التي يتم الانتقاص منها والتضييق عليها بناء على هذه المستجدات التشريعية التي سترهن المحاماة مؤسسات وأفرادا لعقود طويلة ، مع ما يمكن أن ينتج عنها من آثار مباشرة وغير مباشرة على المستوى المهني ضد الكتلة الكبيرة من المحاميات والمحامين الذين اصبحوا يتمتعون بأهمية على المستوى الكمي بفعل اغراق المهنة بعدد كبير من المترشحين الذين اصبح مصيرهم مجهولا بعد كل هذه الاليات التشريعية والمؤسساتية التي رسخت أزمة المهنة وزادت في معاناتها بشكل اصبح يستنتج معه انها نوع من البطالة المقنعة. ولذلك فإن المؤسسات المهنية للمحاماة سواء على المستوى الوطني او على المستوى المحلي يجب ان تتحمل كامل مسؤولياتها من اجل الدفاع عن استقلالية مهنة المحاماة وتعزيز مكتسباتها ومواجهة جميع محاولات التضييق عليها ، وذلك عن طريق اليات ترافعية مهمة تعتمد على منهج استباقي وقائي مبني على الفعل والمبادرة وليس على رد الفعل بعد فوات الأوان ، وايضاً مؤسس على قوة اقتراحية متجددة وليس على مجرد اليات احتجاجية سلبية كالوقفات ومقاطعة الجلسات والإجراءات. 
 
الدكتور خالد الإدريسي، عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط