الجمعة 17 مايو 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: القميص البطل.. الثالث في التاريخ!!

 
 
محمد عزيز الوكيلي: القميص البطل.. الثالث في التاريخ!! محمد عزيز الوكيلي
في جزائر السعيد شنقريحة ودميته عبد المجيد تبون، تقع أمور وظواهر لا يوجد لها أي وصف أو تفسير في كل معاجم الدنيا. أمور من شأنها أن تجعل جميع سكان الفضاء الكوني، الموجودون بلا ريب، يفكرون دهورا قبل أن يُقدِم أحدهم على زيارة هذا الكوكب خوفاً من السقوط في بقعة من بقاع هذه الجارة العجوز الشمطاء!!!
انطلق هذا الهُراء أول الأمر مع انعقاد الدورة السابقة لقمة جامعة الدول العربية بالجزائر العاصمة، عندما فوجئ الحاضرون بتلاعب مخابرات عبلة بخريطة الوطن العربي الذي تظهر فيه برقعة المغرب الكبير خمسَةُ أعلام للدول المغاربية الخمس، ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، مع ظهور خريطة كاملة للمملكة المغربية مْطلاة بنفس اللون الأخضر من طنجة إلى الكويرة، فضلا عن بيانات مصاحبة للخريطة تصف حدود التراب المغربي من الجنوب في تماس مباشر مع التراب الموريتاني، مما يؤكد رفض الجامعة العربية لفكرة حشر أي كيان دخيل  بين هاتين الدولتين، أقول، إن مخابرات عبلة أوعزت آنئذٍ لآحدى القنوات التلفزيونية الجزائرية، الموصوفة بالدولية، بأن تغير لون الجنوب المغربي في الخريطة إياها، مما استوجب تدخل وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، التي أجبرت الوفد الجزائري على الاعتذار، وألحّت على إعادة سحب الطِّلاء الإضافي والزائد من فوق رقعة الجنوب المغربي، فكان موقفاً مخزياً للطرف الجزائري، الذي اتضح لكل العرب وللعالم قاطبة، انه ليس سوى ألعوبة في أيدي أجهزة مخابراتية في منتهى الغباء، والأفظع من هذا أنها لا تعرف شيئا في السياسة ولا في الدبلوماسيا، فبالأحرى أن يكون للتك السلطة ومخابراتها أدنى إلمام بالقانون الدولي عامة، ولوائح الجامعة العربية خاصة!!!
نفس هذه المسرحية "العبيطة" أعيد الآن إنتاجها بمناسبة حلول موعد إجراء مقابلتين في رياضة كرة القدم بين فريقي نهضة بركان المغربي واتحاد العاصمة الجزائري، ذهاباً وإياباً، برسم نصف نهاية كأس أبطال إفريقيا، حيث فاجأت مخابرات الجهل والعار فريق نهضة بركان بمجرد وَطْءِ أقدامه لأرضية مطار الهواري بومدين، فأوعزت إلى سلطات الجمارك بمصادرة أمتعة الفريق البركاني "لأنها تحتوي على ممنوعات" كما قال إعلامهم الغبيّ، ولم تكن هذه الممنوعات  إلا خريطة المغرب الكاملة ذاتها، والتي رصعت بها صدرية قميص نهضة بركان، رغم أن مخابرات الجزائر كانت تعلم مسْبَقاً بوجود تلك الخريطة بتلك الأقمصة منذ بداية منافسات دورة البطولة الإفريقية للفرق، وكانت قد دفعت اتحادية الجزائر لكرة القدم إلى تقديم اعتراض للكونفدرالية الإفريقية، التي ردّت على الاعتراض سلبياً، بالتأكيد على قانونية ومشروعية القميص البركاني، وبأنه معتمد رسميا من لدنها، وأن الخريطة ليست سوى رمز وطني يخص المغرب، ولا علاقة له بالتالي بأي توجهات سياسية أو إديولوجية كما يدعي الطرف الجزائري صاحب الاعتراض!!!
المعضلة أن المبرر الذي استعمله الجزائريون هذه المرة لشرعنة مصادرتهم لأقمصة الفريق المغربي، صعد هذه المرة إلى الجبل، وصارت له علاقة بالسيادة الوطنية للدولة الجزائرية!!!
بالله عليكم، ما علاقة خريطة المغرب الكاملة والمرسومة على صدر قميص نهضة بركان بسيادة دولة الجزائر على ذاتها وعلى ترابها الوطني؟! وكيف يمكن لسيادة دولة من الدول أن ترتبط أو تتقاطع مع احتفاء مواطني دولة أخرى بخريطة وطنهم، كما يروها هم أنفسهم، لا كما يريد أن يراها الأغبياء؟!
أليس هذا التوجّه العجائبي جديراً بالتدريس في شعب القانون الدستوري والقانون الدولي والدبلوماسيا، مع انتهاز الفرصة لإدخاله بكل الفخامة المستحَقّة إلى سجل غينيس للأرقام القياسية تحت بند "أغرئب الغرائب"؟!!
الأدهى من هذا كله، أن هذه الواقعة الجديدة أبانت عن جهل مدقع لدى حكام الجزائر وسلطاتهم الإدارية ومخابراتهم   ونخبهم الإعلامية بمفهوم السيادة، فضلا عن تسويغهم الغريب لنسيئة حشر السياسة في الرياضة، بل والسماح باستعمال السلطة الأمنية والجمركية لكل أشكال الشطط من أجل مصادرة قميص رياضي معتمَد من لدن الاتحاد الإفريقي، باعتباره المشرف الوحيد على التظاهرات الرياضية القارية الإفريقية في كرة القدم!!!
لن نحتاج هنا إلى الوقوف على تبعات هذا السلوك المرَضي والناجم عن حالة "اكتئاب جَمْعيّ حاد" أصيب به العقل الجزائري، فاستحق من جرائه أن ينزل بكل مكوّناته في ضيافة "مارستان دولي للأمراض العقلية والنفسية المستعصية"... وأقصد بالتبعات، خسارة مبارتي الذهاب والإياب، لأن المخابرات ذاتها أصدرت أوامرها المطاعة لفريق اتحاد العاصمة بالانسحاب أمام قميص نهضة بركان حتى بعد قدومه إلى أرض المغرب لخوض مقابلة الإياب،  وبعد استضافَتِه أحسنَ استضافةٍ في أبهى فنادق عروسة الشرق المغربي، السعيدية، وأقصد كذلك قائمة العقوبات المنتظرة والتي ستنزل كالفؤوس على رأس اتحاد العاصمة وجمهوره ومتعاطفيه وكل عشاق الكرة بالجارة الشرقية الذين ضحّت بهم سلطات ذلك الجار من أجل لاشيء... كل هذا لن نقف عنده لأنه مجرد تحصيل حاصل. ولكن الذي يستحق وقفات طويلة وعميقة بالفعل، إنما هو هذا العبث الذي يمارسه حكام الجزائر، مستهترين بكل مكونات الشعب الجزائري، ومتلاعبين بحاضر ومستقبل أحد أقوى وأفضل أندية الكرة في ذلك البلد!!!
ولأن الزين مرة أخرى لابد له أن يكتمل، فقد أمرت مخابرات عبلة كلا من الفريق الجزائري للشبان لكرة اليد والفريق الوطني الجزائري للجمباز بالانسحاب من المباريات المؤهِّلة للألعاب الأولمبية لمجرد جريانها بالمغرب، لعلمهم بأن المغرب قرر وضع خريطته الكاملة في صدريات كل القمصان الرياضية في مختلف الرياضات، ليس نكاية في السيادة الجزائرية التي تلعب هنا دور "الديك الذي يوجعه ظهره كلما أقبلت أُنثاه على وضع بيضها"، وإنما لأن المغرب أنفق على تلك الخريطة من الدماء والأنفس والأموال ومن كل غالٍ ونفيس لأجل أن تكتمل، ولأجل أن يزهو بها كما تزهو كل الأمم بأعلامها وخرائطها ورموزها السيادية!!!
ومرة أخرى، يأبى نظام العساكر العجزة في الجارة الشرقية إلا أن يكونوا كعادتهم أضحوكة زمانهم، وأن يجعلوا العالم من حولهم يعرف حق المعرفة مع من حشر الله بلادنا في الجوار!!!
من الأكيد أنّ الأمر لن يقف عند هذا الحد، بل سينتقل إلى مجالات أخرى بدأ التهديد في إعلامهم الكسيح بإقحامها في سلسلة المقاطعات والانسحابات، منها الثقافية، ومنها الفنية، ومنها قطاعات لا تربطنا فيها بالجزائر أي رابطة بعد أن قطعوا العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد، وأقفلوا الحدود من جانب واحد، وأوصدوا الأجواء أيضا من جانب واحد... وانطلقوا في حرب دونكيشوتية يقاتلون فيها خيالاتهم وظلالهم ليل نهار، في انتظار الذي يأتي ولا يأتي...
ثم نأتي الآن إلى عنوان هذا المقال، لنكتشف أن قميص نادي نهضة بركان لكرة القدم استطاع وحده أن يُقيم دولة الجزائر بكل مقوّماتها ولا يُقْعِدُها، وأن ينتصر فوق ذلك على فريق اتحاد العاصمة بثلاثة أهداف لصفر ذهاباً، ومثلها إياباً، دون أن يعرق، أو يكدّ، ودون أن يهدر قواه جريا وقفزاً وكَرّاً وفَرّاً فوق عشب ملعب كان على أتم الأهبة لاحتضان عُرس كروي من الطراز الرفيع...
أليس هذا قميصاً بطلاً بكل مواصفات البطولة، بعد أن صار الثالث في الشهرة عالمياً، وكذلك في التاريخ العربي والإسلامي، بعد قميص يوسف الصدّيق وقميص عثمان، الملطَّخانِ بدماء الغدر والبَغْي والبُهتان؟!!
لله في خَلْقِه شؤونٌ وحِكَم!!!
 
محمد عزيز الوكيلي/إطار تربوي