لن تخرج الإصلاحات التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة عن التشريعات المغربية في المجال الديني، هذا مؤكد ومعروف ولا ينكره سوى سادج.
مؤكد جدا، ستكون هناك إصلاحات وتعديلات، لكنها لن تخرج ولن تزيغ عن إطار الثوابت الدينية المغربية: الإسلام السني، والمذهب المالكي فقهيا، والأشعرية عقيدة. من يدعي وقوع عكس ذلك إما فتَّان أو جاهل.
الناس ليسوا جماعة حمقى أو مغفلين، لكي يقفزوا على هذه الأمور ويتجاوزوا اختيار أمة ودولة أسست شرعيتها لقرون على الجانب الديني وتعرف أكثر من غيرها مدى أهميته.
هناك خطاب ملكي أعطى الضوء الأخضر لهذه الإصلاحات بصفته أمير المؤمنين، وحدد طبيعة مكونات اللجنة المشرفة، وإليه سترفع نتائج أشغال اللجنة للنظر فيها.. هناك إذن ضامن للعملية، وهو الملك بصفته أمير المؤمنين.
أين هو المشكل إذن؟ ولماذا كل هذه الضجة، مادام السقف معروفا والضامن معروفا ويثق فيه الجميع؟
المشكل يكمن ببساطة في كون عملية الإصلاح والتعديلات ستحترم الثوابت الدينية للملكية و" لن تحلل حراما أو تحرم حلالا" وليس العكس.
كيف ذلك؟ ما يغضب جماعة "الإيكليروس" أن هذا المسلسل سيوضح أنه من الممكن تأويل وتعديل وإصلاح تشريعات مستمدة من الدين، مع الوفاء دائما لنفس الدين وعدم الخروج عليه أو مخالفته( ألم يقع ذلك خلال إنزال مدونة الأسرة الحالية)؟
هذا هو لب المشكل..التعديلات، كيف ما كانت، ستأتي بقراءة واجتهاد وتفسير من داخل نفس الثوابت الدينية وفي توافق معها. بمعنى أنها ستكون مسندة فقهيا ومسوغة شرعيا وجائزة قانونيا.
لكن لماذا هذه الضجة مادامت التعديلات لن تنزاح عن "الشرع"؟ ما يخافه القوم أنه من الممكن إصلاح التشريعات القانونية التي لها علاقة بالدين متى تطلب الأمر ذلك ومتى اقتضت المصلحة ذلك. و أن عملية الإصلاح لا تعني هدم "البيت الديني" ولا التخلي عن الإسلام.
إمكانية إصلاح المدونة بما يرضي الله، هو ما يخشاه القوم والفتَّانون في الحقيقة. وهنا المصيبة.
الإصلاح والاجتهاد ممكن جدا، وفي أي وقت. لكن بدون وسطاء: "الإكليروس"، وبدون أخد الإذن منهم ولا حتى مشاركتهم. هذا هو مربط الفرس، الدفاع عن دور "الوساطة" في الدين هو المحرك الأساسي. "الوساطة" مهنة وموقع ومصالح ونفوذ ووجاهة، وقد تكون أيضا طموحات نحو السلطة.
كل هذا "الحراك " الذي وصل ب "مالين لقفاطن" إلى التهديد بالحرب الأهلية والاستعداد للشهادة والموت، ليس سوى دفاعا عن مهنة "الوساطة الدينية". الأمر لا غبار عليه، والتاريخ يشهد بذلك.
يعلم السيد بنكيران، أكثر من غيره، كما يعلم السيد الفاضل مصطفى بنحمزة، أكثر من غيره، أن الدولة لن تغامر بتعديلات "مارقة"، ويعلمان أيضا أن التعديلات المقترحة ستجد ألف مسوغ لها من داخل الشرع.
أكثر من ذلك، لو كان بنكيران وزيرا أولا، سيكون هو من يتسلم التعديلات من اللجنة ويقدمها إلى الملك، ليخرج أمام الصحافة مدافعا عنها ومهاجما من يشكك فيها..هو الآن خارج الحكومة، وخارج هذا الموقع الاعتباري.
قبح الله "لولة" السلطة..