الثامن عشر من مارس من كل سنة، لا يعتبر يوما كباقي الأيام بالنسبة لجهة الشرق، بل هو يوم شاهد على حقبة ذهبية جديدة، إن لم نقل انتفاضة بطلها الملك محمد السادس الذي أراد لهذه الجهة انطلاقة جديدة ونهضة تنموية بعد تعرضها للتهميش، واعتبارها مغربا غير نافع بحدود مغلقة مع الجارة الشرقية.
بتاريخ 18 مارس 2003 ألقى ملك البلاد خطابا مباشرا من عاصمة المغرب الشرقي، التي خصها بزيارة تاريخية، في التحام كبير تاريخي بين الملك وساكنة جهة الشرق وقد جاء في الخطاب السامي: "وتجسيدا لعنايتنا السامية بهذه المنطقة، ذات الإمكانيات الهائلة والمؤهلات البشرية، المتميزة بالإرادة القوية والجدية في العمل، فقد قررنا اتخاذ مبادرة ملكية لتنمية الجهة الشرقية، مرتكزة على محاور أربعة، تهدف إلى تحفيز الاستثمار والمقاولات الصغرى والمتوسطة للشباب، وتزويد الجهة بالتجهيزات الأساسية، وإعطاء الأولوية لمشاريع اقتصادية هامة، فضلا عن النهوض بالتربية والتأهيل وتفعيل التضامن، معتمدين آليات للتمويل والمتابعة والتقييم، في التفعيل الملموس لمبادرتنا.
وسعيا منا للتخفيف من بطالة فئات من شباب الجهة ولتوفير وسائل العمل والتشغيل الذاتي، فقد قررنا أن تنطلق هذه المبادرة بتخصيص ثلاثين مليارا من السنتيمات تضاف إليها مساهمات عدة مؤسسات، لتمويل مشاريع المقاولات، وضمان القروض الممنوحة لها، على أن يقوم المركز الجهوي للاستثمار بمهمة الاشراف على هذه العملية..
وحرصا منا على التنمية المندمجة لهذه الجهة، فقد قررنا إحداث منطقة حرة بالناظور، تضم إلى جانب الميناء مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية وسياحية مستهدفين من هذا المشروع الهام، فتح بوابة متوسطية أمام تنمية الجهة الشرقية، فضلا عن إسهامها في النهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيزها للمركب الضخم لطنجة المتوسط، وبذلكم ستكمل مشروعنا الاستراتيجي، الرامي إلى جعل المجال المتوسطي رافعة قوية للإقلاع التنموي الوطني، وللشراكة الاقتصادية والتفاعل الحضري".
وبما أن الخطاب التاريخي اعتبر بمثابة البوصلة وخارطة طريق، شهدت الجهة فتح الأوراش الكبرى التي حظيت بميزانية ضخمة، لأن التحدي الأكبر كان يتلخص في إعادة تأهيل المدينة، وجعلها واجهة محورية شامخة لا تحتاج حتما إلى فتح الحدود مع الجزائر حتى تباشر عملية الإقلاع، كما أن انجاز البنية التحتية إنما كان الهدف منه، هو جعلها رافعة للاستثمار واستقبال المشاريع التنموية.
في هذه الذكرى العشرينية الغالية نتمنى أن تحظى الجهة بتحفيزات ضريبية لتشجيع المستثمرين، على اعتبار أن المدينة تفتقر إلى معامل ومصانع تمتص البطالة وتوفر فرص الشغل، وأن القطب الصناعي الذي كان من المفروض أن يكون آهلا بآلاف العمال والمستخدمين، لا زال ينتظر متى يطرق أبوابه مستثمرون يحركون عجلة الاستثمار والتسويق، ولن يتسنى ذلك في غياب تحفيزات ضريبية، وثمن مناسب للوعاء العقاري.
أعطى الخطاب الملكي التاريخي الانطلاقة للأوراش الكبرى مثل الطريق السيار وكلية الطب والمركز الاستشفائي الجامعي والمدارس العليا ومراكز تجارية وإنجاز المحطة السياحية بالسعيدية ومحطة مارشيكا بالناظور، وتأهيل المطارات، وميناء الناظور وإحداث المراكز التجارية الكبرى، وإنشاء المدارات الطرقية التي فكت العزلة عن المناطق النائية.
وإذا كان فتح الحدود بالنسبة للمناطق الحدودية يساهم في تحسين الوضعية المادية للساكنة عن طريق التكامل الاقتصادي، وهي عملية تعثرت، فإن ذلك لم يمنع من كون جهة الشرق لم تعد جهة تأديب كما كانت، وإنما تتوفر على جميع المرافق الحيوية من مطارات وطرق وميناء بالناظور وقطب فلاحي ببركان، والوعاء العقاري والمحاكم المتخصصة، وجميع مواصفات المدن الصاعدة.
ومهما يقال عن مشكل البطالة وعدم وجود معامل بالقطب الصناعي، فإن ذلك راجع إلى سياسات حكومية فاشلة لم تلتفت إلى تحفيزات ضريبية تستقطب المستثمرين، وراجع إلى تركيز رجال المال والأعمال بالجهة على تشييد المقاهي وقاعات الحفلات والحمامات ليس إلا، مع انعدام المعامل والمصانع ومدارس أو جامعات تخرج مدينة السعيدية من الاحتضار مدة عشرة أشهر!.
أملنا أن يتحقق ما كان يصبو اليه ملك البلاد سنة 2003 من تأهيل الجهة، وإنشاء البنية التحتية بهدف استقبال المشاريع التنموية في إطار عدالة اجتماعية ومجالية ورد الاعتبار لجهة عانت من التهميش والإقصاء.
إن التركيز على مصلحة المواطن التي كانت أهم الرسائل المستنتجة من مختلف الخطابات الملكية المعتبرة توجيهات للمسؤولين والمنتخبين المطالبين بخدمة المواطن، وللناخبين المطالبين بتحكيم ضمائرهم مع التشديد على الكفاءة والمصداقية، أصبح يتطلب امتلاك ارادة وعقد العزم والرهان لتحدي الصعاب وجعل المنطقة تحقق قفزة في المجال الصناعي، ومجال الطاقة المتجددة التي يعتبر مناخ الجهة ملائما للاستثمار فيها كما وقع في الكثير من البلدان ذات المناخ المشابه، خصوصا وأن ميناء الناظور سيحل مستقبلا مشكل التسويق وبعد الجهة عن ميناء الدار البيضاء.