الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحكيم الزاوي: همس الخطيئة أو الكتابة بين القناع والاستعراء

عبد الحكيم الزاوي: همس الخطيئة أو الكتابة بين القناع والاستعراء عبد الحكيم الزاوي
 من خصيب تادلا تفتقت عبقرية آل مازيغ. ومنها نقل إلينا مُعلم فرنسي يدعى روني أولوج René Euloge زمن حماية الفرنسيين على الجبل شخصية عظيمة تدعى "مريريدة نايت عتيق" يجري في نسغها الماء والدم والقصيد، وتمتلئ حروفها بزفير الحرية وكسر القيود...كانت مريريدة نايت عتيق لا تعلم أنها تنتصر لشعرية جديدة في خرائط الكتابة الإبداعية وهي شعرية الهامش الأنثوي التي عليها أن تُبدد فانتازمات المجتمع الذكوري. من تادلا أيضا، نبغت عبقرية التصوف المغربي عند ابن الزيات التادلي المعروف لدى مختصي التاريخ بكتاب "التشوف لمعرفة رجال التصوف"؛ ومن حضرتها سطع نجم وزير قلم الحاضرة الزيدانية الشريفة عبد العزيز الفشتالي صاحب "مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا" وهو من مضان التآليف التاريخي لحاضرة  السعديين...من هذه الأرض، تأتي أمال هدازي، وهي شاعرة سليلة السهل والجبل وما بينهما من بسائط...نفس السهل الذي وَسمه ذات مرة الجغرافي الفرنسي فيلكس غوثيه ب "كاليفورنيا المغرب"...أمال هدازي شاعرة تصلنا بشاعر تادلي آخر هو أبو العباس الݣراوي شاعر الخلافة الموحدية، وصاحب ديوان "صفوة الأدب ونخبة كلام العرب".  

تلتبس الكتابة الشعرية في تجربة أمال هدازي بالبحث المضني عن الذات والأصل والوجود... ومن خلال البحث تمارس لعبة البوح الصادق الذي يخضع الذات لتمرين الكتارسيس حتى يجعلها تُعبر عن انهجاسات الذات في لحظة قلق وجودي حتى تستوي العبارات في البحث عن الكائن والممكن.

سبق لعرَّاب الحوليات الفرنسية جيرار نوراييل أن صدح بمقولة حصيفة حينما قال: "...من يقرأ التاريخ يحتفظ بشعلة المقاومة..."، والحق، بنوع من التحوير، استنادا إلى منجز أمال هدازي أن يقال: "...من يقرأ الشعر ويتذوقه يحتفظ بشعلة الأمل..." في مدارات هذا العالم المتهالك، وعبثيته الطافحة، واغترابه اللاشعوري باستعارة من الفيلسوف الإيراني الراحل دريوش شيغان.

ديوان "همس الخطيئة" في المبتدأ غوص في أنطولوجيا القلق الوجودي، وحفر عميق في سلسلة الانجراحات التي تحكم كينونة الوجود، وبحث في جروح التاريخ ونذوب الهوية والذاكرة والأمل والنسيان...شغب يفيض بالإحساس، ودعوة إلى المصالحة مع الذات، إلى تأثيث الأنا الجماعية من الفردانية الجشعة التي تسوقها منظومة الافتراس الرأسمالي، وصرخة جريئة لتحقيق المصالحة مع الذات الجماعية، التي أخفقت في كل وصفات التنوير، وزاغت عن معين الشعر والشعراء وهي تترك الفضاء لصناع التفاهة في سماه البعض ب"القوات الإيديولوجية المسلحة".

تقتفي الكتابة الإبداعية في مُنجز أمال هدازي أثر الرمز والايحاء، الاظهار والاخفاء، الأسطورة والحقيقة...وسائط وأخرى تشتبك في سفر مع الذات، وتبحث عن النضج والكمال، عن هوية الذات المفقودة، والتي هي بالنهاية سيرورة في طور التشكل. أوَ لم يسبق لنيتشه أن صدح بالقول: "خلق الإنسان الفن كي لا تقتله الحقيقة، حقيقة الموت".

الكتابة في منجز أمال هدازي تستكين بين فسطاطين: الكتابة بين القناع والإستعراء؟ هل نكتب لنتخفى أم لنتعرى؟ وهل كتابة عن الذات موجهة للأنا أم للآخر؟ وكيف يحضر الآخر في غيابه؟ بالنتيجة الذات كما تظهر في ديوان "همس الخطيئة" تاريخ يغتني بتجارب الآخرين، بذلك الذي مضى، والذي شارف على النسيان، وآنس عالم الطبيعة بديلا عله يشفى من خيبات الوجود. علمتنا الفطرة أن الإنسانيُ جهد نفسه في ترتيب سرديات الذاكرة، مثلما علمتنا أن الإنسان يُجهد نفسه في ترتيب أجندة النسيان…فنحن ابتلينا بأن نمجد الانتصار وأن نطمس الانكسار، أوَ ليس الانكسار هو جوهر معركتنا في الحاضر؟
   صدر للشاعرة أمال هدازي بالاضافة إلى ديوان "همس الخطيئة":
– فصول من عشق، دار فضاءات، 2014.
– هديل الغمام، دار فضاءات، 2014.
"حرف ونصف معنى".
-ديوان شعر Les ombres de la lumières ،2018.
– نكاية بالعتمة ديوان شعري بالعربية.
عبد الحكيم الزاوي/ باحث وناقد