بسرعة البرق، غيرت أفاعي الاعتراض المزيف من جلدها، تجاهلت قناعات الحرية ومحاربة الفساد، خانت انتظارات الطبقات المسحوقة، غيرت مسارات اهتمامها نحو قضايا هامشية لا تخدم الرغبة في التغيير، وشرعت تتحدث عن ثقافة الطعريجة وفقه البندير.
لم تعد"لاكوميدي" مقرا لاجتماعات الممثلين والمهرجين والمخبرين وشناقة الوقت السائب، لم تبق الأمكنة مزدحمة باللغط واللغو ومهاترات المنافسين وقهقهات المنافقين الصفراء، انتقلت لقاءات مناقشات المشاريع الفنية ونقيضها إلى المقاهي المحروسة والزوايا المعتمة، وأصابت سكرات الموت الكثيرين ممن طردتهم مدارس التلاوة المفسرة واستقبلتهم ردهات الشعكوكة في الجعبوقة كعمال مياومين أو صبيان للسخرة وشقاء حمالات اللعب.
تفرق شمل المبدعين ومن شابههم، توزعوا في أرض الله الواسعة يتسولون دوخة رخيصة أو كسرة خبز جافة تحتل البطن وتسكت سمفونية القهر والجوع.
تفرقت السبل بالعديد من الفرق، انزوى أفرادها في كهوف التذكر والندم والحنين، استمرت فرق قليلة تعد على أصابع اليد في مقاومة أمواج التلاشي والفناء، وفي غمرة البحث عن دكاكين نقابية مزعومة ووسطاء مفترضين يحملون الشكاوى والمطالب لحارس الزاوية المخنوقة بأدخنة الجاوي حصالبان وأعواد الند، اشتعلت حرب الفوز بالكراسي بين البدوي والشياظمي وأتباعه غير المحترمين وبين بيضاوة ضد الرباطيين، وانتهت اللعبة في المحطة التي بناها لهم سليل الضريح وخرافات مواسم العهر وتدجين بني قرمش.
ماتت فرق أصيلة بموت كتابها ومخرجيها، دخلت فرق تتحرك بأشباه الممثلين مرحلة البيات الشتوي، نامت في كل الفصول، جربت الخروج لزحمة الحاضر، أصابها عمى الألوان، عادت لكهف الظلمة، واستسلمت لصمت الموت الأخير.
صمدت ثلاث فرق تدعي الاحتراف، قاومت ارتجاجات زلزال وحش بويا خمار، واحدة لم يكن عليها الخوف من غضبة أصحاب الحال، كانت في الأصل مدعومة بأموال الحجاج وغلمانهم من مرتادي الدروب الخفية، وحافظت الفرقتان البيضاويتان على أضعف الإيمان في انتقاد مظاهر العنف والفساد والاتجار بكوابيس الأشقياء.