الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الصديق معنينو: مراكش الأخرى

الصديق معنينو: مراكش الأخرى الصديق معنينو
بدعوة من «مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة انتظمت في كلية الآداب بمراكش ندوة علمية في موضوع «التراث العلمي للفقيه العلامة محمد الموقت» كان مدرّج الكلية ممتلئ عن آخره تحية لشخصية عاشت، في النصف الأول من القرن الماضي، واشتهرت بالدعوة إلى الإصلاح والدفاع عن الهوية المغربية الأصيلة... إنه الأديب والعالم محمد الموقت المراكشي الذي ترك ذخيرة معتبرة تتألف من عشرات الكتب بعضها تمت طباعته، وهو يفوق الأربعين، وبعضها لازال مخطوطاً وهو ما يزيد عن الخمسين.
مراكش المحجبة
في باب الكلية وساحاتها وممراتها مئات الطالبات، حتى يخيل إلى الزائر أنها كلية خاصة بالجنس اللطيف، لكن الملاحظة الأساسية والمباغثة هي أنهن وضعن مناديل على رؤوسهن.. كلية الآداب بمراكش كلية محجبة... لا أدري ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الوضع الذي يحتمل عدة قراءات وتأويلات منها
الاجتماعية والثقافية والدينية.
وللإشارة تجمعني بعائلة الموقت علاقات صداقة ترجع إلى كون أخ الفقيد واسمه محمد الفاضل الموقت كان مع والدي عضواً في المكتب السياسي لحزب الشورى والاستقلال وقد عينهما الملك محمد الخامس عضوين في «المجلس الوطني الاستشاري» وهي أول تجربة شبه برلمانية عرفها المغرب في بداية الاستقلال...
فكر إصلاحي
في الندوة تحدث عدد من الأساتذة والباحثين بلكنتهم المراكشية الجميلة .. عرّفوا بالرجل وإنتاجه الفكري الإصلاحي والمعارك التي خاضها دفاعا عن قناعاته، مطالبين بإعادة النظر فيما كتب عنه في مسيرته الذاتية وإصلاح ما تضمنته من أخطاء، مؤكدين أن فقيهنا كان أول العلماء الداعين إلى الإصلاح وأنه ينتمي إلى «مدرسة إصلاحية وطنية» لم تستنبط دعوتها مما عرفه المشرق من دعوات مماثلة.
هجوم مستمر
هاجم محمد الموقت بدون هوادة خصومه جميعا، وجه انتقادا لاذعا إلى الحكام وكبار والمسؤولين... هاجم العلماء والقضاة وأصحاب الفتوى... هاجم الاغنياء المبذرين... وحمل بقوة على لاعبي القمار ومرددي الملحون والجالسين في المقاهي والمدمنين على اليانصيب والشطرنج، انتقد كبار التجار وأصحاب الربا... لكنه هاجم بشدة الزوايا وأصحاب الطرق المواكبين للوجود الأجنبي... ورأى في المواسم السنوية... انهياراً للأخلاق وبروزا للرذيلة... وكتب «فويل لهم وويل لمن تبعهم»..

واسع الثقافة

أطلق الموقت النار بدون تردد وعاش منزويا يطل من صومعة اختارها مقرا وسكنا... وجاءت ردود الفعل ضد ما كتبه وما دعا إليه لكنه أجاب بقدرة هائلة على المواجهة ... وكتب «مرحبا بالجديد إذا كانت لنا فيه عزة وقوة وسُحقاً له إذا ضيّع علينا ميراث الآباء من حياء ومروءة وإيمان بالله...» كان الرجل أديبا وعالما في مجالات مختلفة كالتوقيت والتنجيم والحساب والبيئة وأسرار علم الحرف، إلى جانب ثقافته الواسعة... وبدون تردد دعا إلى نبذ التعصبات الدينية والاختلافات المذهبية لحماية الوطن ووقايته من وطأة أعدائه...».

الغائبان

بعد الاستماع إلى المتدخلين ومراجعة البعض من كتب الموقت المراكشي اندهشت لعدم ذكر إسمين عايشا فقيهنا... الأول هو باشا ،مراكش، التهامي ..الكلاوي.. إذ لاشك أن بعضا من الانتقادات كانت موجهة إليه خاصة ما يتعلق بالظلم والاستبداد وانتشار التفسخ الاجتماعي» لكن اسم الكلاوي كان غائبا في مداخلات مدرج كلية الآداب...

أما الإسم الثاني فهو الشيخ عبد السلام ياسين الذي عاصر فقيهنا، وقد يكون من مريديه، ذلك أن قراءة متأنية لما تركه الموقت سواء على مستوى الألفاظ أو المقتربات واختيار طريقة الاستجواب واستعمال ذلك كمنهجية للإبلاغ والإقناع نجد صداها فيها كتبه الشيخ ياسين أسلوبا وألفاظا وتوجهات وانتقادات حادة...

السؤال

والسؤال هل كانت هناك علاقة بين محمد الموقت والباشا الكلاوي والداعية ياسين... وعلى كل حال فقد كتب عالمنا... البلاد» في حاجة إلى إصلاح وإلى مصلح ... وأنا هو ذلك المصلح»... وبذلك جمع بين العلم والجرأة... داعيا إلى تحرير «العقل والدين من الخرافات وتحرير الإنسانية من أغلال الاستبداد والاستغلال» وصدق الأساتذة حين وجهوا الدعوة لتعميق البحث فيما خلده محمد الموقت من مواقف وأفكار ونظريات استلهاما من جرأته وشجاعته لانتقاد ما عاشته مراكش في ذلك الوقت وربما مازالت تعيشه اليوم... «مراكش الأخرى».