الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عزوزي بوزيد: المغرب والجزائر وإشكالية الإختيارات 

عزوزي بوزيد: المغرب والجزائر وإشكالية الإختيارات  عزوزي بوزيد
في كتابي باللغة الفرنسية : الصحراء المغربية ، من المسيرة الخضراء إلى الكركارات ، روابط قانونية وعلاقات اجتماعية - ثقافية ، تطرقت لعلاقات المغرب والجزائر بإسهاب .
منذ أن حصلت الجزائر على الإستقلال في يوليوز 1962 ، ظهر بجلاء توجهها إلى الإنخراط في المشروع الإيديولوجي الإشتراكي-الشيوعي الذي كان سائدا نهاية الخمسينات وبدايات الستينات من القرن الماضي .
هذا التوجه جعلها تنخرط في مسار مواز يخسف الأبعاد السياسية والدبلوماسية في علاقاتها مع بلادنا مفضلة المواجهة الإعلامية الإستفزازية في غالب الأحيان كرافعة لمواجهة اختياراتنا لإقتصاد السوق وكمقدمة لجميع الإحتمالات على طول حدودنا الممتدة من مدينة السعيدية إلى حدودنا مع موريطانيا في الجنوب-الشرقي لبلادنا ، جنوب أوسرد وشرق تيشلا .
منذ نهاية العشرية الأخيرة من القرن الماضي تباطئ ركض جارتنا الشرقية في اتجاه معاكسة بلادنا على ضوء انهيار جدار برلين وتبخر الإتحاد السوفياتي .
ما أن ظهر من جديد إشهار فيتوهات روسيا والصين بقوة في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة انطلاقا من بداية العشرية الثانية من القرن الحالي حتى عادت ، من جديد ، جارتنا الشرقية لإحياء حنينها لمشاكسة بلادنا .
وأرى أن هذا التوجه سيتكرس أكثر فأكثر في المستقبل ، خصوصا وأن "مجموعة الشرق" بدأت تبرز بقوة والتي تعمل الجزائر ، بسعي حثيث للإنخراط فيها (مجموعة بريكس BRICS).
مشكلة الجزائر معنا هي مشكلة اختيارات بارتداداتها السياسية ، فهي كأنها تقول بإعادة النظر في توجهاتنا واختياراتنا أو على الأقل مسايرتها ، وهذا توجه يفرض علينا التمعن والتدقيق في نوعية علاقاتنا الدولية مع كافة الشركاء على ضوء التشخيص الميداني للمصالح العليا لوطننا وأمتنا ، حتى لا نهدي مجانيا أية تسهيلات لجار قرر معاداتنا ومنازعتنا في وحدتنا الترابية .
تتطور علاقاتنا مع الجزائر في جو متشنج للعلاقات الدولية خصوصا بين محورين محور الغرب المتمثل إجمالا في الولايات المتحدة الأميريكية وأروبا ودول أخرى من جهة ومحور الشرق المتمثل في الصين وروسيا وعدد من دول أخرى .
في هذا الفضاء الشديد التعقيد وفي هذا الجو العالي التشنج ، علينا أن نتهيئ على جميع الأصعدة وأن نكون مستعدين لمواجهة كافة الإحتمالات الصادرة عن أعداء وحدتنا الترابية والمتحاملين على نظامنا الملكي الشريف ، رمز استقرارنا ووحدة أمتنا المغربية النابعة من جذور التاريخ العربي-الإسلامي المجيد .
بكل وضوح ، لن يدخر جيراننا أي جهد لزعزعة استقرار وطننا الغالي إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا وطبعا عسكريا . 
من أجل هذا علينا أن نضع استراتيجية مرتقة واسعة المروحة مرتكزة على "تحصين وحدتنا الوطنية الإجتماعية والسياسية" التي يجب أن تكون متمحورة على : 
 -1. مكونات نسيجنا السياسي من أحزاب وتيارات فكرية ذات أبعاد سياسية التي عليها أن ترصص صفوفها وتدقق برامجها وتحدد أهدافها وتؤطر مواردها البشرية تأطيرا يتماشى والروح الوطنية  اللآزمة لتعبئة  منخرطيها وبالتالي للمواطنين.
-2. لغتنا العربية ، اللغة التي لها  البعد التواصلي القاري والجهوي والعالمي .
-3. ديننا الإسلام الحنيف الذي يعبئ الأمة المغربية بكل مكوناتها المجتمعية والذي يعتنقه حوالي ملياري مسلم ومسلمة في العالم أي حوالي ربع ساكنة الكرة الأرضية ،
 -4. تراثنا الثقافي الغني بكل قيمه الحضارية ومكوناته الإجتماعية والفنية من عادات وتقاليد وكل أبعاده التاريخية.
-5. حضارتنا العربية-الإسلامية الممتدة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي والتي تكون الأرضية الصلبة لجعل أمتنا المغربية وحدة قوية متراصة ملتفة حول عرشنا الشامخ .
كل هاته المحاور المؤثثة لاستراتيجية محبوكة مؤطرة بمشروعية عرشنا العلوي المجيد القادم من جذور الشرف الرباني من سلالة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. 
علينا أن نحذر ونحترز من المخططات التخريبية ذات الأبعاد الدولية التي تعمل بكل خبث على تخريب مجتمعنا المغربي الأصيل وتدمير حضارتنا العربية-الإسلامية من أجل إضعاف مؤسساتنا الدستورية والإدارية والإجتماعية قصد الإنقضاض على خيرات وطننا البشرية والطبيعية والإقتصادية وكل قيمة مضافة منتجة في كل الفضاءات والقطاعات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية . 
إن الجزائر تعمل بنوع من الذكاء الخبيث في مسلسل ما هو حاصل اليوم على مستوى العلاقات الدولية والذي ولج مرحلة رهيبة للغاية وخطيرة جدا .
فعلا ، لقد دخل العالم أبواب الحرب العالمية الثالثة من زاوية : 
*الحروب الجهوية كما هو حاصل الآن في الشرق الأوسط وشرق أوربا وزعزعة الاستقرار بقرن إفريقيا وغربها وبأميركا اللآتنية ،
*موازاة مع حروب تخريب المجتمعات الوطنية عبر غزو ثقافاتها المجتمعية وتراثها وتدمير لغتها وتشويه دينها باسم الحرية وباسم الحداثة وباسم العصرنة وهو ما يوصف بدس السم في العسل .
إذا لم لم يتنبه رجال السياسة من كل المواقع والمدبرين والمسيرين الإداريين ورجال الدين من علماء وأهل الحل والعقد والإعلام الواعي الملتزم بحماية قضيتنا الوطنية وكل مكونات وبواعث وطننا والدفاع عنهم كما لكافة مؤسساتنا الدستورية الوطنية ، فإن أعداء أمتنا داخليا وجهويا ودوليا سينقضوا علينا بلا رأفة ولا رحمة .  
وأرى أن الجزائر تشتغل في هذا الحقل بكل ما أوتيت من خداع وتلفيق وتدليس من أجل الإيقاع بمجهوداتنا التصالحية التي قدمها صاحب الجلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله مرات عديدة عبر اليد الممدودة للتقارب والتصالح خدمة للمصلحة العليا لشعبينا . 
إن غياب الإنتباه وعدم اتخاذ الحيطة والحذر والتراخي بعدم الأخذ بعين الإعتبار التهديدات المبطنة والمخططات التخريبية المخسوفة من شأنه أن يخلق لنا مشاكل عويصة جدا في المستقبل .
علينا باليقضة والإنتباه إلى الأيادي الوسخة المدفوعة بنيات مبيتة لزعزعة وحدتنا الوطنية .