لم تتردد حكومة التناوب التوافقي في اصدار المرسوم رقم 500-98-2 بتاريخ فاتح فبراير 1999 يحدث بموجبه نظام رصيد للوفاة لفائدة ذوي حقوق الموظفين المدنيين والعسكريين والأعوان التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة (الجريدة عدد 4675 بتاريخ 22 مارس 1999)؛ الذي يهدف من بين ما يهدف إليه تخويل ذوي حقوق موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية (الترابية) والمؤسسات العامة المتوفين في طور العمل رصيدا للوفاة شريطة أن ينتمي في تاريخ وفاته إلى إحدى الفئات المذكورة أدناه.
وقد جاء هذا المرسوم بعد أن ألغى جملة من القرارات التنظيمية منها على الخصوص القرار الوزيري الصادر في 22 من صفر 1369 (14 ديسمبر 1949) بإحداث رصيد للوفاة لفائدة ذوي حقوق الموظفين المتوفين، والمادة 10 مكرر من المرسوم رقم 680-56-2 الصادر في 24 من ذي الحجة 1375 (2 أغسطس 1956) حسبما وقع تغييره وتتميمه بواسطة المرسوم رقم 515-82-2 الصادر في 28 من ربيع الأول 1403 (13 يناير 1983). وكذا المرسوم رقم 2.59.1332 بتاريخ 7 دجنبر 1959 تمتد بموجبه الاستفادة من رأسمال عن الوفاة إلى ذوي حقوق الجنود الذين يتقاضون راتبا شهريا، لينظم مسطرة الاستفادة من الرصيد المذكور كالتالي:
أولا: تحديد الفئة المستفيدة من رصيد الوفاة: حدد المرسوم المذكور الفئات التي يحق لها الاستفادة من رصيد الوفاة، وهي كالتالي:
1- الموظفون الرسميون والمتمرنون التابعون للدولة، والجماعات الترابية، والمؤسسات العامة، والمنخرطون في نظام رواتب التقاعد المدنية المحدث بموجب القانون رقم 71-011 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391 (30 ديسمبر 1971) حسبما وقع تغييره وتتميمه؛
2- الضباط والعسكريون غير الضباط بالقوات المسلحة الملكية ورجال التسيير والصف بالقوات المساعدة المنخرطون في نظام رواتب التقاعد العسكرية المحدث بموجب القانون رقم 71-013 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391 (30 ديسمبر 1971) حسبما وقع تغييره وتتميمه؛
3- الأعوان المتعاقدون بمقتضى القانون العادي والمؤقتون والمياومون والعرضيون العاملون مع الدولة والجماعات المحلية (الترابية ) والخاضعون لأحكام الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 216-77-1 الصادر في 20 من شوال 1397 (4 أكتوبر 1977) بإحداث نظام جماعي لمنح رواتب التقاعد؛
4- المجندون للخدمة العسكرية.
5- المستخدمون التابعون للهيئات الجاري عليها المراقبة المالية.
ويستثنى من الاستفادة ذوي حقوق المستخدمين الخاضعين لمقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 184-72-1 بتاريخ 13 من جمادى الآخرة 1392 (27 يوليو 1972) المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي؛ وكذا مستخدمي المؤسسات العامة الخاضعين لأحكام تعاقدية أو نظامية تضمن لذوي الحقوق رصيدا للوفاة يعادل على الأقل رصيد الوفاة المحدث بموجب هذا المرسوم.
ثانيا: تحديد مشتملات رصيد الوفاة وقيمته: يشتمل رصيد الوفاة على حصة أساسية وتعويضات تكميلية للأيتام ويقدر مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة باثنتي عشرة ( 12) مرة مبلغ آخر عناصر الأجرة الشهرية الخاضعة للاقتطاعات برسم نظام التقاعد الأساسي الذي كان ينتمي إليه الموظف أو العون في تاريخ وفاته . في حين يقدر مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة الممنوح لذوي حقوق المجندين في إطار الخدمة العسكرية باثنتي عشرة ( 12) مرة مبلغ آخر أجرة شهرية كان يتقاضاها الهالك. ويضاف إلى مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة العائد إلى كل واحد من الأيتام تعويض تكميلي قدره سبعمائة وخمسون درهما (750 درهما) على ألا يفوق عدد الأيتام المستفيدين من هذه التعويضات التكميلية عدد الأولاد الذين يخولون الحق في التعويضات العائلية وفقا للتشريع الجاري به العمل في تاريخ وفاة الموظف أو العون.
ثالثا: تعيين نوعية الورثة الذين يستفيدون من رصيد الوفاة : انطلاقا من مدونة الأسرة الحالية التي قامت جزئيا على أنقاض مدونة الأحوال الشخصية، فإن التركة هي مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق ، وحددت أصناف الورثة في أربعة ، وهم الوارث بالفرض، والوارث بالتعصيب، والوارث بهما جمعا ، ثم الوارث بهما انفرادا .
ويعتبر الوارث بالفرض كل من الأم والجدة والزوجة والزوج والأخ والأخت للأم، في حين يدخل في حكم الورثة بالتعصيب كل من الابن والحفدة، والأخ الشقيق والأخ للأب وإن سفل، والعم الشقيق والعم لأب وابنهما وإن سفل. أما الورثة بالفرض والتعصيب جمعا هما: الأب والجد، بينما الورثة بالفرض أو التعصيب ولا يجمع بينهما أربعة: وهم البنت وبنت الابن والأخت الشقية والأخت للأب.
يستشف من كل هذا، أن الورثة محددون على سبيل الحصر في مدونة الأسرة، ولا يمكن إضافة ورثة شرعيين إليهم ولا إقصاء بعضهم أو كلهم إلا بإرادة الأمة أي القانون وبما لا يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
لكن، كان للسلطة التنظيمية موقف مخالف، ذلك أنه بالنسبة إليها لا يحق لجميع الورثة الشرعيين كما عددتهم مدونة الأسرة الحق في الاستفادة، وإنما حصرت الاستفادة من رصيد الوفاة في صنفين فقط: هما الزوج الباقي على قيد الحياة، وأيتام الموظف أو العون متى تحققت بعض الشروط ، واستثناء وفي الحالة التي لم يكن هناك زوج وأيتام مع وجود أحد الأصول أو كلاهما ، يدفع هذا الرصيد لأب وأم الموظف أو العون الهالك أو أحدهما عند عدم وجود الآخر وفق شروط كذلك . وفي حالة انتفاء هؤلاء جميعا لا يستفيد أي شخص من رصيد الوفاة، حتى مع وجد ورثة آخرين ولو كانوا معوزين.
وهذا يعني أنه حسب المرسوم بتاريخ فاتح فبراير 1999 أعلاه، فإن الزوج والأبناء يحجبون باقي الورثة الشرعيين عن حقهم في رصيد الوفاة ، في مخالفة صريحة وصارخة لمقتضيات الشريعة الإسلامية. والمقصود بالحجب طبقا لمدونة الأسرة، منع وارث معين من كل الميراث أو بعضه بقريب آخر ، وحجب الإسقاط من الإرث لا ينال أبدا الأب والأم .
وبناء على ما ذكر، يحق للزوج أو الزوجة الاستفادة من رصيد الوفاة وكذا أبناء الهالك دون غيرهم من الورثة حتى لو كانوا أصوله وفي كفالته وتحت عهدته ونفقته ، ويسري هذا المنع حتى بالنسبة للموصى لهم أو المستفيدين من التنزيل أو حتى إذا كانوا أطفالا مكفولين .
ويدق الأمر أكثر إذا كانت الزوجة غير مسلمة حيث تستفيد من رصيد الوفاة ضدا على القواعد الآمرة الصادرة في المدونة والمتمثلة في " لا توارث بين مسلم وغير المسلم، ولا بين من نفى الشرع نسبه ". بل أنكى من ذلك أنه يستبعد حتى الفرع في بطن أمه ولم يولد بعد عند وفاة الموظف أو العون . وفي هذا تعد صارخ عن النظام العام، وحقوق الطفل، وموقف الشريعة الإسلامية الغراء .
رابعا: مسطرة تقسيم رصيد الوفاة : يتم تقسيم رصيد الوفاة وفق مسطرة حددتها السلطة التنظيمية كالتالي :
1- بالنسبة للزوج أو الزوجة : يخول للزوج الباقي على قيد الحياة حق في الاستفادة من قسط يقدر بـ50% من مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة المحددة أعلاه، إذا خلف الموظف أو العون أيتاما تحق لهم الاستفادة أيضا من هذا الرصيد. وفي حالة عدم وجود الأيتام فإن مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة يدفع بكامله إلى الزوج الباقي على قيد الحياة. غير أنه في حالة تعدد الزوجات يقسم بينهن الرصيد بالتساوي.
2- بالنسبة للفروع: يقبل للاستفادة من رصيد الوفاة الأولاد الشرعيون للموظف أو العون الهالك الذين يخولون الحق في التعويضات العائلية، ويدخل في حكم الولد الشرعي، الولد الثابتة بنوته بالنسبة للموظفة أو المستخدمة المتوفاةّ. ويخول للأيتام الحق في قسط يعادل 50% من مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة المحددة أعلاه، غير أن هذا القسط يحسب بنسبة مائة في المائة (100%) من مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة إذا لم يترك الموظف آو العون زوجا تحق له المطالبة برصيد الوفاة.
ويقسم مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة العائد للأيتام بينهم إلى أقساط متساوية تضاف إليها التعويضات التكميلية الممنوحة لكل واحد منهم . والقسمة هنا تتم بالتساوي كذلك لا فرق للذكر مثل الأنثى .
3- بالنسبة للأصول: وكما قلنا سلفا لا يحق لأب أو أم العون أو الموظف الهالك في الاستفادة من رصيد الوفاة ، في حالة وجود الزوج أو الأبناء . ويرشح هؤلاء للاستفادة من رصيد الوفاة إذا لم يكن هناك زوج وأيتام تحق لهم الاستفادة من هذا الرصيد.
ويدفع مبلغ الحصة الأساسية لرصيد الوفاة للأب والأم في أقساط متساوية ويؤدى إلى كل واحد منهما على حدة، أو يدفع بكامله إلى أحدهما في حالة عدم وجود الآخر على قيد الحياة في تاريخ وفاة الموظف أو العون. وهنا كذلك يقسم رصيد الوفاة على الأبوين في حالة وجودهما على قيد الحياة بعد وفاة الموظف أو العون بالتساوي.
خامسا: تعيين الميزانية التي تتحمل دفع رصيد الوفاة: يصفى رصيد الوفاة من طرف الإدارة أو الهيأة التي كان ينتمي إليها الهالك، ويؤدى هذا الرصيد لمستحقيه دفعة واحدة من:
– باب التحملات المشتركة بالنسبة للموظفين المؤداة أجورهم من ميزانية الدولة؛
– الهيآت المشغلة بالنسبة للمستخدمين التابعين للمؤسسات العامة أو الجماعات المحلية ( الترابية) أو الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.
ولا يمكن الجمع عن نفس الموظف أو العون بين رصيد الوفاة المحدث بموجب هذا المرسوم وأي رصيد للوفاة أو تعويض أو منحة مماثلة أخرى تدفع من ميزانية الدولة أو جماعة محلية (ترابية ) أو إحدى الهيآت الجارية عليها المراقبة المالية. واستثناء يمكن الجمع بين رصيد الوفاة المحدث بموجب هذا المرسوم والتعويضات عن الوفاة المضمونة برسم تأمين عن الحياة أو الممنوحة من طرف الهيئات التعاضدية الخاضعة لمقتضيات الظهير الشريف رقم 187-57-1 بتاريخ 24 جمادى الآخرة 1383 (12 نوفمبر 1963) بمثابة النظام الأساسي للتعاضد.
وعليه، يستفاد من كل ما ذكر أن رصيد الوفاة منحة تمنحها السلطات العمومية ، لفائدة زوجة أو فروع الموظف أو العون المتوفي قيد ممارسته لنشاطه ، ولا يحق للآباء الاستفادة من هذا الرصيد إلا إذا كان ابنهم أعزبا أو مطلقا وليس لهم أبناء من صلبه . وبالتالي تستبعد زوجة الأب سواء مع وجود هذا الأخير أو غيابه حتى لو كانت هي التي سهرت على تربيته وكان يعاملها معاملة الأم، أو العكس في حالة وفاة الأم مع وجود زوجها وقد تكفل مشاق تربيته وكان له عونا طوال حياته إلى أن توظف وهلك .
وهنا يظهر إلينا بعض التوجهات البعيدة عن الواقع المعاش ، بل وقد تسبب في نزاعات وحزازات داخل العائلة الوحيدة .
لذا نرى من اللازم أن تكون هناك معالجة تشريعية استعجاليا لهذه الوضعية الشاذة ، وخاصة في ظل ظرفية تجويد مدونة الأسرة، وتماشيا مع المقتضيات الدستورية التي تؤكد على الطابع الإسلامي للدولة المغربية تحت قيادة أمير المؤمنين.