يتجذر الإحساس كل يوم بأن الكثير من الأمور ليست على ما يرام، تسائل ضميرنا الجمعي وتدفعنا إلى دق ناقوس الخطر الذي يهدد شبابنا، اليوم والأجيال القادمة.
التفاهة تغزو عالمنا وتتسلل إلى المنازل والمدارس، بعد أن تمكنت من كل الفضاءات العمومية وتضعنا أمام واجب التدخل المستعجل، قانونيا وثقافيا وإعلاميا، فالمتداول والمستهلك ينذر بتحول بنيوي صادم في السلوكات الفردية والجماعية.
لا يمكن أن نستمر في اللامبالاة والاكتفاء بالتفرج أو التذمر عن واقع منذور للانفجار والعصف بما تبقى من الكرامة والنخوة وعزة النفس.
التفاهة تنتشر وتتحول إلى خلفية لتوجيه السلوكات والتصرفات ونموذج لتشكيل هوية جديدة تمثلا وتمظهرا، ففي التفاهة يتحول الجسد إلى مصدر للدخل، وينتقل الخاص والحميمي إلى فرجة لتصريف العقد والكبت والاستهامات، وفيها أيضا يخترق الجهل الهواتف الذكية ويتحول إلى "تراندات" تصنع المعجم الجديد في التداول اللغوي اليومي.
التفاهة ليست - كما يبدو للبعض - ظاهرة عابرة في الزمان والمكان، بل هي نسق من المعطيات المعقدة، تصنع تحالفاتها بعناية فائقة وتتكاثف دفاعا عن مشروعيتها وشرعيتها، تسوق للنجاح السريع، وتمنح فرصا كبيرة للنجاح داخل واقع مأزوم ومستقبل ملتبس.
التفاهة عنوان صريح لانقلابات سلوكية ونفسية جوهرية تطرق المنازل والمدارس والفضاءات بكل أنواعها وأشكالها، إنها "تسونامي" قيمي وأخلاقي صدامي لا تؤطره الضوابط المشتركة في الهوية وفي الثقافة.
التفاهة انتقلت من مرحلة "التجريب" إلى مرحلة "التأصيل والمأسسة"، تبحث عن مبررات الوجود بالفعل بعد أن فرضت وجودها "بالقوة". كما انتقلت إلى "الماركوتينغ" الإعلامي الذي يضمن سرعة الانتشار وصعوبة المحاصرة.
من العبث أن نتوقع تراجعا قريبا في صبيب التفاهة، والواقع يثبت، يوما بعد يوم، ظهور "علامات" و "ماركات" جديدة من صناع "الفرجة" الجديدة، خاصة بعد تحول جزء مهم من الإعلام الالكتروني إلى حاضن ومستشهر لرواد الفرجة، من جهة، وحياد الجزء الآخر، من جهة ثانية.
أعتقد أننا أمام مرحلة غير مسبوقة في مسلسل "تدجين" الهوية الثقافية، وذلك ما ينبئ بصعوبة محاصرة ظاهرة التفاهة عندما تتوفر إرادة ذلك، مثل ما وقع في مجال تحرير الإعلام وفي سيرورة "إصلاح " المدرسة العمومية و"تخليق" الممارسة السياسية.
عبد الرحيم اسويطط، فاعل إعلامي