الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبدالجليل أبوالمجد: مجتمع الخوف

عبدالجليل أبوالمجد: مجتمع الخوف عبدالجليل أبوالمجد
ما دفعني للتطرق إلى هذا الموضوع بالذات هو ما حدث لي مؤخرا في أحد المقاهي، حيث ضربت موعدا لمقابلة مع صديق، وما إن هممت بالجلوس على كرسي في ركن المقهى بجانب جماعة غارقة في الحديث، حتى عم السكون وانقطعت الأصوات، وبعد لحظات من الصمت والارتباك عاد النقاش واحتد بينهم، لكن هذه المرة عن كرة القدم وكأس العالم. فلماذا الصمت والخوف؟ وما الذي حدث في المغرب في السنوات الماضية ودعا إلى هذا الخوف؟ وما هي عواقبه؟
بداية لا بد هنا من الإشارة إلى أن الخوف شعور غريزي وحالة طبيعية يصاب بها كل كائن حي، والخوف كامن في عمق الإنسان، فهو طبيعة بشرية سواء كان فردا أو جماعة. كل الناس لديهم درجة ما من درجات الخوف. الخوف من الكوارث، الخوف من الغريب، الخوف من الغيب، الخوف من المرض، الخوف من الفشل، وأقصى خوف الإنسان هو الخوف من الموت.
وللخوف منابع كثيرة بدءا من الكوارث الطبيعية إلى السياسية، مرورا بالاقتصادية والاجتماعية. لكن الخوف السياسي هو الأكثر خطورة على المجتمع ومواطنيه.
في كتابين مهمين "الإنسان المقهور" و "الإنسان المهدور" للكاتب اللبناني الشهير مصطفى حجازي، وهما كتابان في التحليل النفسي والاجتماعي، يوضح حجازي بالتفصيل، كيف أن الخوف والرعب من القمع والاضطهاد والعقاب، يجعل من أفراد المجتمع مجرد مجتمع قطيعي ممسوخ يطيع مضطهديه.
ومع أن ثقافة الخوف تشمل جميع مناحي الحياة إلا أنني سوف أركز في هذه الورقة على ثقافة الخوف السياسي. وهو الخوف المرتبط بالانشغال بالقضايا العامة، والتي هي قضايا سياسية بامتياز.
وتعود أسباب الخوف السياسي في المغرب إلى مرحلة الستينات والسبعينات التي تميزت بالعديد من الاضطرابات السياسية الثقيلة، وما رافقها من اختطاف واعتقال وقمع إلى درجة أن الخوف وصل بالمغربي أنه كان يفر من سيارة الأمن حتى لو لم يكن قد ارتكب ما يستحق المحاسبة، وحين يتم استدعاؤه من قبل جهة أمنية، يحصل له خوف وقلق. وهذا المناخ المضطرب أفرز مجتمع الصمت والخوف والنفاق.
لكن مع منتصف التسعينيات، شهد المغرب تحسنا ملحوظا وبطيئا في المناخ السياسي وكذا وضع حقوق الإنسان. ليس هذا فقط، بل إن وتيرة الإصلاح قد تسارعت بعد سنة 1999 لكن عادت الأمور إلى الانحدار بشكل تدريجي منذ أحداث الريف الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تدجين الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية المنخورة أصلا بالانتهازيين وتجار الأوهام ومافيا تبييض الأموال، حيث فرضت هذه النخب الانتهازية توجهها بالمال المشبوه. والنتيجة الحتمية هو فقدان الثقة والانتظار والصمت والخوف.
وهكذا صار المواطن خائفا في كل أفعاله. عندما يذهب إلى المقهى يخاف، وفي عمله يخاف، والمسؤول يخاف، والصحفي يضع رقابة ذاتية... الخ حتى صار المجتمع متلبس بثقافة الخوف.
ومجتمع الخوف المذكورة أعلاه، يترتب عليه ردود أفعال على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، فبالنسبة للمستوى الأول فإن المواطن الخائف على حاضره ومستقبله لا يجد سوى اللجوء إلى الحلول الفردية المغشوشة لمواجهة تدهور حالته من بينها الهروب من مواجهة الواقع بالمخدرات أو بالهجرة عبر القوارب. وبالنسبة للمستوى الثاني فإنه يظهر في ردود أفعال جماعية كتخريب الممتلكات العامة والجريمة واللامبالاة وغيرها من السلبيات الاجتماعية المنتشرة هنا وهناك.
إذا، الخوف هو من أكثر الآليات تدميرا لحياة الإنسان الطبيعية، وفي ظله لا يمكن أن تنتج سوى ذوات ضعيفة مهشمة غير قادرة على العمل والابتكار، في حين أن الأمان والشعور بالحرية هو العامل الأساسي للتقدم والإنجاز. وبعبارة أخرى الحرية المسؤولة أساس المبادرة والإبداع.
باختصار، المغربي في حاجة اليوم أن يتحرر من جدار الخوف الزائد، وأولى خطوات التحرر أن يعرف ما له وما عليه.