الدول أنواع... منها الدول التي تُدار برُؤى وأفكار... ومنها تلك التي تُدار بردود الأفعال، تجاه الدول المُتمتِّعة بالنُّضج الاستراتيجي... للأسف، جنرالات المنفعة الخاصة، المؤثرين في حكم الجزائر، أوقفوا نمو الدولة الوطنية الجزائرية، عند مستوى دول الصِّنف الثاني... وأبقوْها في وضع المُدمن على سياسات ردود الفعل ضدّ المغرب... وقد استشرى ذلك الإدمان في كل ما يُوَجهونه، ومنه إعلامهم... سأعود إلى القضايا الكبرى مثالا على ما أدفع به... لا بأس من مثاليْن صغيرين فاتحين للشهية وطرييْن... كُتب في بعض الصحف الجزائرية، الأحد الماضي، بعنوان بارز، بأن "السيد بنشيخة أقصى الوداد المغربي من تصفيات العصبة الإفريقية لكرة القدم"... كان لا بد أن يحشروا المدرب الجزائري في إقصاء فريق الوداد، وأن تبرُز في "الخبر" الصِّفة المغربية (المُستحقة أصلا ودائما) للفريق البَيْضاوي، مع أن بنشيخة يدرِّب فريقا من تانزانيا ولم يقابِل الوداد، قطعا في هذه التصفيات... الوداد أقصى نفسه، حتى وقد انتصر، بسبب نقص نسبة الأهداف في حصيلته... إنّه الجوع لأيِّ انتصار على المغرب، حتى ولو كان مفتعلا ومتوَّهما... ودائما في ردِّ الفعل المزمن على الانتصارات الكروية المغربية عموما.
نفس تلك الصحف، ستكتب، وهي تعرض لاجتماع جزائري-نيجيري بخصوص أنبوب الغاز العابر للصحراء، عن "ضرورة تفعيل كل الوسائل لإعادة المشروع بعد التأخُّر المسجل"... وتُضيف، في حشوٍ مرْذول، بأن أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب غير قابل للتحقيق... همْ، لا يُسعدهم حديث إلا حين يُقحمون فيه المغرب، ودائما بلا مُناسبة وبلا مُبرر ولا معنى...
وهذه فقط عيِّنة، من الإدمان على ردود الفعل، المرَضية، ضد المغرب من حكام الجزائر في سياساتهم... تعلق الأمر بالقضايا الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى... يزعجهم المغرب أو يزعجون نفسهم بالمغرب.
الأحد الماضي، اجتمع مجلس التعاون الخليجي، على مُستوى وُزراء الخارجية، في الرياض، مع السيد ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربية... الاجتماع أكَّد على الموقف الواضح والراسخ، لدُوَل مجلس التعاون الخليجي، المؤيد لمغربية الصحراء، والمُساند لمبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب "كحلّ وحيد في إطار سيادة المغرب ووحدته الوطنية والتُّرابية"... وثمَّنت مداولات المجلس الإصلاحات الكبرى، التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، في "كافة المجالات السياسة والاقتصادية"... وعلى مرجعية اجتماع الدوحة الأخير، أكدت المُداخلات على أهمية الشراكة الاستراتيجية، بين الجانبين الخليجي والمغربي... كما عبّر المجلس عن تقديره ودعمه للمبادرة الأطلسية الملكية، واستعداده لإسنادها والانخراط في أوراشها... وسيتوقف رئيس الدورة، ووزير خارجية قطر، عند تنظيم المغرب وإسبانيا والبرتغال، لكأس العالم سنة 2030، مُعبرا عن تهنئته للمغرب بهذا الانجاز، ومُعلنا عن استعداد المجلس لدعم المغرب في توفير كل أسباب نجاحه... هي مخرجات اجتماع بين المغرب والأشقاء في دول الخليج، مُنسجم مع حقيقة وعمق الاحترام، الذي تخصه تلك الدول لجلالة الملك محمد السادس، ومع حقيقة وعُمق التعاون والتفاهم والتفاعل، بين دول الخليج وبين المغرب... مخرجات ليس فيها لا مفاجئة، ولا ما يدعو للغرابة إلا عند السادة حكام الجزائر، والذين استبد بهم الحنق واشتعلت فيهم حاسة رد الفعل، لِمَا رأوا في الاجتماع المغربي-الخليجي من دعم صريح وقوي للمغرب... وكما تعوَّدنا معهم، اعتبروا ذلك موَجها ضدهم... فكان أن دفعوا السيد عبد المجيد تبون للاجتماع، يومَ الأحد نفسه، مع التونُسي السيد قيس سعيد ومع الليبي السيد يونس المنفي، فيما أسموه اجتماعا لإحياء اتحاد المغرب العرب، وقرروا عقد أوَل اجتماع له، بعد شهر رمضان في تونس، ويبدو أن الرئيس الموريتاني السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تجاهَل، أو تجنب أو حتي رفض الاجتماع مع الثلاثي، بالرغم من وجوده في الجزائر... هكذا إذن، وبمِزاج حانق وفي ردِّ فعل غاضب، يُفْتعل اجتماع لبعض رؤساء دول مغاربية، بدون سابق إعلان، ولا تحضير، ولا مناسبة، وبدون حضور رئيس موريتانيا... وطبعا ضدا على المغرب... عن أي اتّحاد يتحدثون... أو ليس هذا إقبار له وعصْف حتى بذكراه... هل بعد هذه الخِفّة خفة...؟ وهل بعد هذا الطيش طيْش...؟ ردّدْت مرارا عن لينين، "بأن الحقد أسوء مُوَجه للسياسة"... بل ولا يقود إلا إلى ما لا يضحك من المهازل... إلا لما يبكي ويُؤلم...
في المغرب دولة نَحتَها التاريخ... وتسري في شرايينها حساسية، معتَّقة، لمصلحة الأمّة المغربية... دولة هي وريث لتعاقب دول مغربية أنتجت الحضارة المغربية، عبر قرون، ورسّختْها في آليات وروافع تدبير الدولة، وفي المعمار، في الأدب، في الطبخ، في اللباس، في الفنون وفي الروح المغربية الجامعة لمكونات الأمّة في وحدة متفاعلة ومندمجة... الدولة المغربية عنوان لعراقة تاريخ المغرب، ومشتل لإعادة إنتاجه في مستقبله... ولهذا، وجد الملك محمد السادس نفسه مُهيَّأ ومبدعا لقيادة البلاد بمشروع حضاري، إصلاحي وحداثي، مُتكامل، متدرج، واقعي ويمتلك حِس وآليات تقويمه، تصويبه وتشذيبه، كما ينبغي لكل مشروع حضاري مُتصل بشعب ثريّ بتاريخه وقويّ بتنوعه... لقد وضع ملك المغرب الدّولة في خانة الدول الناضجة استراتيجيا، برُؤى وتطلّعات، وهي الآن موضوع "ملاحقة" حانقة ومغتاظة من جهة السادة حكام الجزائر...
وآخر ما غاظ، ويُزعج السادة حكام الجزائر، هو المشروع الملكي، الأطلسي تُجاه دول الساحل والصحراء الإفريقية... يوما بعد يوم تورِق يناعتُها الاستراتيجية... مبادرة بنفس تاريخي وبعائد تنموي، عميق وغزير، على منطقة إفريقية، عانت شُعوبها من استغلال فقرها لإثراء غيرها... مُبادرة جديدة في العلاقات البينية الإفريقية، تقوم على تبادُل الأخذ والعطاء وتبادل المنفعة وعلى "الترابُح" بين شعوبها... مبادرة موَلِّدة لتحولات نوعية في الأوضاع الجيواستراتيجية في المنطقة، بتأثير، مُحتمل التدفق على غرب إفريقيا، ومنه لإعادة ترتيب المواقع والمراكز، الاقتصادية والاستراتيجية في عموم إفريقيا... والمبادرة بهذه الأبعاد، هي اليوم، بالصّريح وبالفعلي، موقع زخم، دولي، استثنائي، للتعبير عن السعي للانخراط فيها ومواكبة إنجازها...
دول الساحل رحبت بالمبادرة، واجتمعت في مراكش لإطلاق ديناميكيتها، وهي المعنية الأولى بها... موريتانيا هي قيْد الإعداد للالتحاق بها، وبشرعية "أطلسيتها" الجغرافية... الإمارات العربية، أدرجت أوراش تلك المبادرة في الاتفاق الاستراتيجي، الذي نتج عن زيارة الملك محمد السادس للإمارات... دول مجلس التعاون الخليجي، في بيانها، الأحد الماضي، أكّدت استعدادها لدعمها وللتفاعل معها... إسبانيا ثمنت المبادرة الملكية، وتعهدت بالمساهمة فيها، وضمن التزامها بالاستثمار، في المغرب وفي أقاليمه الجنوبية، لمدى ربع قرن المقبل... كذلك، عبّرت فرنسا عن تقديرها للمبادرة، ولعموم المجهودات التنموية المغربية في أقاليمه الجنوبية، وأعلنت عن إسنادها لها خلال الثلاثين سنة المقبلة... الولايات المتحدة الأمريكية، مُلتزمة بفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة، وهي متابعة لإنجاز ميناء الداخلة، ومهتمة بالمبادرة الأطلسية، استراتيجيا و"أطلسيا"... ألمانيا شهيتُها مفتوحة للاستثمار في برِّ وبحر الصحراء المغربية، والمبادرة إطار يُناسبها... واللائحة طويلة للدولة المنجذبة للانخراط في شساعة ممكنات الاستثمار، في المبادرة الملكية، وفي تحوُّلات الأقاليم الصحراوية المغربية... والمبادرة، تسندها، عمليا، نيجيريا، القوة الاقتصادية الهامة في إفريقيا، عبر حماسها في للإنجاز المشترك بينها وبين المغرب، لأنبوب الغاز بينهما، ومن المغرب إلى أوروبا...
حكام الجزائر، يعيشون غيظهم، لسعةُ لسعَة، وهم يُتابعون تداعيات المبادرة الملكية الأطلسية على المنطقة، وعليهم وعلى إخماد موْقد المُشاغبة ضد المغرب... تحولات المنطقة نحو إنتاج التنمية لشعوبها، ستجعلها في ضيق عزلة لتتسلى فيها بأدوات غيظها من المغرب... وكما المتوقع، من حكام أدمنوا إدارة بلادهم بردود الفعل ضد المغرب... لجئوا إلى خدمات بعض ممتهني السّباب والزعيق ضد بلدهم... وبعضهم أصلا أحرقوا جوازات مَغربيتهم، وأكثرهم لفظتهم مخابرات فرنسية أو أمريكية، حين انكشفت أنها مجرد رعاع في أزقة الارتزاق... حكام الجزائر اليوم يُثيرون الشفقة عليهم فهم في أشد درجات الخيبة، إلى حد الاستعانة بأحط سفلة الخيانة للتنفيس عن غيْظهم... من هذا المغرب الشامخ...