هاجم بنكيران ومعاونته المذكرة الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الانسان المتعلقة بتغيير وإصلاح مدونة الأسرة، في "مهرجان" أقل ما يقال عنه أنه محاولة يائسة لتجييش ما تبقى من السذج الذين لازالوا محسوبين على هذا الحزب البئيس، الذي ورغم تحمله المسؤولية لمدة تجاوزت العشر سنوات لم يخلف على اثرها الا رصيدا من أسوأ القرارات وأبشع السياسات العمومية، ولم يعمل مسؤولوه سوى على الانتفاع الشخصي مكلفين الشعب المغربي بكل مكوناته تحمل أقسى القرارات السياسية التي انعكست على المعيش اليومي لفئات عريضة.
ومنذ تحمله المسؤولية مافتئ بنكيران يكيل للحركة النسائية وللمرأة المغربية كل عبارات التحقير ويتخذ ضدها المواقف التي ترجعها قرونا الى الوراء، وتحبط المجهودات المبذولة لتبوئها المكانة التي تستحقها كمواطنة متساوية مع الرجل ومساهمة في تنمية البلاد وتطورها، تشهد به الأرقام الإحصائية التي تعطي لفتياتنا الصدارة في النجاح في السنوات الاشهادية ونسب تفوق 50 في المائة في الحصول على شهادة الدكتوراه. رغم كل العراقيل السياسية والقانونية التي عمل على وضعها في طريقها نحو التحرر والتقدم والازدهار.
بلغ الخبث مداه ضد المرأة المغربية بالهجوم الشرس على المؤسسة التي تضع المساواة وعدم التمييز قيمة تعمل على نشرها وترسيخها في المجتمع المغربي، وهي المجلس الوطني لحقوق الانسان، وهو المؤسسة الدستورية التي برهنت على علو شأنها وطنيا وفي المنتظم الدولي بإعطائها للبلد اشعاعا حقوقيا متميزا. ان الحقد الدفين الموجه ضد المرأة بلغ مداه حد الانتصاب ضد دعوة صاحب الجلالة الشعب المغربي الى تعديل مقتضيات مدونة الأسرة، لاقتناع جلالته بما تعانيه النساء من حيف ولرفضه الظلم المسلط عليهن. هذه المواجهة اتخذت أشكالا متباينة، تارة بالتمترس وراء التأويلات الفقهية الجامدة والمتجاوزة ضدا على العمل المتميز والمكانة التي يحظى بها المجلس العلمي في حماية وصيانة الأمن الروحي للمغاربة بقيادة أمير المومنين. وتارة بالهجوم بالكلام البذيء على المؤسسات الدستورية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية ومكونات المجتمع المدني التي تخالفه الرأي وتسفه بالعقل والدليل الواقعي، كل الترهات الحاملة لعدة تناقضات المعتمدة على التهريج، التي لا تصمد أمام التحليل العلمي الرصين، والاجتهادات الفقهية المتنورة ولا يمكن أن تتقبلها العقول السليمة النيرة.
لقد أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان مذكرة متكاملة بمرجعية واضحة تعتمد الدستور المغربي الذي يعتبر ترسانة حقوقية متميزة دوليا، واعتمادها على مرجعية المغاربة التي استعصى على ذوي العقول الجامدة تطويعها لمصالحهم السياسوية في كل المحطات وعبر التاريخ، انه الإسلام المتفتح والمتنور والوسطي، القابل للاجتهاد والتنقيح من كل الشوائب التي قد تعلق به على مر سنوات الانحطاط التي لا زال بيننا حاليا من يريد لها الاستمرار، بكبح جماح تحرر المواطنين والمواطنات من تأويلات بائدة تكبلهم، وخرافات تشكل قيما قروسطوية ينبذها المنطق السليم. واعتمادا على مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة المستندة الى مبادئ المساواة والعدل والانصاف. والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ورفع عنها تحفظاته في تناقض صارخ ابان تحمل بنكيران المسؤولية الوزارية، وهو دليل لا يدع مجالا للشك حول سلوك هؤلاء سياسة التنصل من الالتزامات والمسؤوليات. إضافة الى مرجعية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغـرب وفرضها الواقع ، والتي أدت الى تجاوز التقسـيم التقليدي للأدوار، وتفرض علاقات قائمة على المساواة بين المرأة والرجل فـي الحقوق والواجبات داخل الأسـرة المغربية.
وللحقيقة والتاريخ أذكر ممثلة بنكيران داخل المجلس الوطني، أن هذه المذكرة خضعت لنقاشات وافية واضافات وتجويد أكثر مما خضعت له المذكرات الصادرة عن المجلس الوطني في مجالات حقوقية متعددة، فخلال النقاشات العميقة داخل اللجينة المكلفة بصياغتها المشكلة من فاعلين وفاعلات من داخل المجلس وخارجه، والتي استمر عملها أكثر من سبعة أشهر، وللتوضيح فان النقاش كان قد امتد الى عموم المواطنات والمواطنين من خلال اللجان الجهوية الاثنتي عشر التي تغطي كامل التراب الوطني، في اطار تجميع المعطيات والاقتراحات وتدعيمها بتظلمات المشتكين من المقتضيات القاصرة للمدونة الحالية. حظي موضوع المذكرة كذلك بنقاش مستفيض بمناسبة الجمعية العامة الحادية عشرة بمدينة طنجة التي خصصت له نصف يوم بكامله، وتوج هذا النقاش في الدورة الاستثنائية الخاصة بهذه النقطة الفريدة بالمصادقة على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان حول مراجعة مدونة الأسرة بالأغلبية المطلقة. ان افتراء الأكاذيب والمغالطات يعتبر سلوكا مهينا لصاحبته التي هي مطوقة مبدئيا بميثاق للأخلاقيات، الذي يحتم الالتزام بمبادئ الاستقلالية والنزاهة، والمهنية والتجرد والحياد والحفاظ على السر المهني، وعلى اللياقة والوقار، في مزاولة المهام. لقد كانت المصوتة الوحيدة ضد المذكرة وهذا من حقها، الى جانب تحفظ واحد آخر. في اطار الديمقراطية واحترام الإرادة التي تسود أشغال المؤسسة الدستورية، التي تترأسها باقتدار الأستاذة أمينة بوعياش تبرهن عن مدى كفاءة المرأة المغربية في إدارة مؤسسة دستورية من هذا الحجم، تربك هؤلاء الذين يبخسون الأدوار الكبرى التي تقوم بها النساء، ويريدون تنميطها في أدوار هامشية ضدا على الواقع. انه ليس من الأخلاق ما أوعز لها به الشيطان من افتراءات وأكاذيب. وشتان بين هذا المسار الطويل الذي مرت به مذكرة المجلس وبين مذكرة الحزب إياه التي كانت نتاج أفكار عضو واحد صاغها بمقابل من المال العام.
ان المجلس الوطني لحقوق الانسان بمرجعيته الواضحة دون أدنى التباس ينتصب ضد تزويج الطفلات، بينما هم يدافعون عن هذا التزويج الذي يكون دائما برجال أكبر منهن سنا بكثير لتسهل السيطرة والتحكم والاستغلال بشكل بشع. ان بناتهم لم يتم تزويجهن وهن طفلات، بل عملن على المحافظة على مصالح بناتهم الفضلى من متابعة الدراسة الى نهاية مسارها، وتمكينهن من المناصب حتى باستغلال النفوذ. لكنهم يريدون اباحة نهش لحم الطفلات البريئات للأسر في أوضاع هشاشة وذلك لإعادة انتاج أسباب هشاشتها. لقد بلغت نسب التزويج هاته ابان تدبيرهم للشأن العام في 2016 أكثر من 10 في المائة من بين الزيجات المعلن عنها فقط. وما التراجعات التي نشهدها اليوم الا بفضل ما تقوم به مؤسسة النيابة العامة بمعية المجتمع المدني الفاعل في الميدان والمجلس الوطني. فكيف لحزب مارس تدبير الشأن العام لا يستحضر ضرورة وضع سياسات عمومية لتمتع جميع فئات المجتمع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في اطار المساواة وعدم التمييز. كيف تسمح لهم "قيمهم" الدفاع عن الممارسة الجنسية على الطفلات وشرعنة "البيدوفيليا" والسماح بجعل الفقيرات منهن ولائم للافتراس. انه الاغتصاب الذي تجب معاقبة مقترفيه بأشد العقوبات وعدم الإفلات منها، حماية لطفلاتنا من كل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة بل من التعذيب ومن الاتجار في البشر. انه يا بنكيران وأد البنات في القرن الواحد والعشرين.
ان التهديد بمحاولة يائسة للتجييش قد ولى زمنه وسياقه بوفاة متعهده ادريس البصري الذي أصبح في عداد الأموات، فهو الذي جعل مسيرتكم في الدار البيضاء بذلك الحجم في سياق لم يعد خافيا الآن على أحد، ولحاجة لم يتمكن والحمد لله من قضائها. ان حجمكم الحقيقي لا يتجاوز ما حصدتموه في الانتخابات الأخيرة. ان للمرأة المغربية ربا يحميها من عبث العابثين ودعاة التحقير ومن دجل المستغلين.
سلمى الطود/ عضوة المجلس الوطني لحقوق الانسان