في هذه العصارة التي تقدمها جريدة "أنفاس بريس" عن البرنامج الأسبوعي "هنا الجامعة" الذي تبثه أمواج الإذاعة الوطنية، حيث يسلط من خلاله معد ومقدم البرنامج الزميل سعيد ياسين الضوء على الجامعة المغربية في مسألة التعليم والتكوين والبحث العلمي. وقد خصص حلقته الجديدة للتعريف بالثقافة واللغة الصينية، ومعهد "كونفوشيوس" لذات اللغة والثقافة بمدن الرباط والدار البيضاء وطنجة، وتركيزه على اهتمام المجتمع المغربي سواء على المستوى الأكاديمي أو على مستوى الثقافة العامة بهذا الإرث الثقافي الصيني.
استضاف الإعلامي سعيد ياسين في برنامج "هنا الجامعة" كل من الأستاذة منار ذات الأصول الصينية "مُدرّسة اللغة الصينية للناطقين باللغة العربية"، وكذلك الدكتورة خديجة علالي أستاذة اللغة الصينية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، إلى جانب الدكتور مولاي الصديق المالكي منسق مسلك الدراسات الصينية بنفس الكلية.
ـ انفتاح المغرب على الصين
في هذا السياق أوضحت الأستاذة منار مدرسة اللغة الصينية بأنها تنحدر من جنوب الصين، وأكدت على أن الحكومة الصينية تهتم بتعليم الفصحى واعتبرت ذلك شأنا جميلا، وأشارت إلى أنها عملت في مصر مسجلة أنها لم تستطع التحدث مع عامة الناس، رغم أنها درست اللغة العربية لسنوات. وعن سؤال اهتمام وإقبال المغاربة على تعلم اللغة الصينية ربطت الأستاذة منار ذلك، بالانفتاح والتعاون القائمين بين بكين والرباط، خصوصا حين يتعلق الأمر بإتمام الطلبة المغاربة تعليمهم بالصين، أو سعي الشباب الذي يحب اللغة الصينية للعمل والتجارة، حيث يقبلون على تعلم اللغة والثقافة الصينية.
رمز الصين الفيلسوف كونفوشيوس المفكر العظيم
عن معنى كلمة "كونفوشيوس" أوضحت الأستاذ خديجة علالي المتخصصة في اللغة والثقافة الصينية بقولها، أن دلالتها العميقة ترتبط بالمفكر العظيم الذي وصفته بالفيلسوف الكبير "كونفوشيوس" الذي يعتبر أبا روحيا بالنسبة للصينيين، بالنظر للحمولة الثقافية التي قدمها للمجتمع، والموسومة بمفهوم التعايش، والحاملة للفكر الصيني وطريقة المعاملة مع الآخر، وكيفية استثمار المهارات الحياتية.
بخصوص المعاهد التي تحمل اسم المفكر والفيلسوف "كونفوشيوس" في مدن الرباط والدار البيضاء وطنجة فحسب نفس المتحدثة فلها اهتمام آخر، عكس ما تقدمه مسالك الدراسات الصينية بالجامعة المغربية بالدار البيضاء والرباط. وأكدت ضيفة البرنامج الأستاذة خديجة علالي أن معهد كونفوشيوس يدرّس الثقافة الصينية من خلال إقامة وتنظيم عدة احتفالات ومهرجانات، مشيرة إلى أن طريقة التدريس تعتمد أكثر على مهارات الاستماع والمهارة الشفوية فقط، خلاف التعليم الجامعي التي يعتمد على المسالك الدراسية.
انفتاح الجامعة المغربية على الدراسات الصينية
وأشارت الأستاذة خديجة علالي إلى أن مسلك الدراسات الصينية يستقطب عدد كبير من الطلبة الجامعيين، حيث يقوم بدور الضبط البيداغوجي والأكاديمي للطالب. مشددة على أن الحصول على منحة لا تخول للشخص استكمال الدراسة في الصين، باستثناء تعلم اللغة الصينية، عكس متابعة الدراسة في المسلك الجامعي الذي يضبط المسار الأكاديمي من الإجازة مرورا بالماستر ثم الدكتوراه.
وأفادت نفس المتحدثة بأن معهد كونفوشيوس بمدينة الدار البيضاء فقد استقطب زهاء ألف طالب في المستوى الأول والثاني، رغم صعوبة تعلم اللغة الصينية في المستوى الثاني ـ حسب نفس المتحدثة ـ التي أكدت على منهجية التدريس بمسلك الدراسات الصينية بكلية عين الشق الذي يعتبر فرصة سانحة لمن لم يستطع إتمام دراسته بالصين.
عن شروط الولوج لمسلك الدراسات الصينية أوضح الدكتور مولاي الصديق المالكي منسق مسلك الدراسات الصينية بأنه في بداية الاعتماد الأول كان مسموحا لأي طالب حصل على شهادة البكالوريا التسجيل بهذا المسلك لمدة ثلاثة سنوات، شريطة الإلمام باللغة والثقافة الصينية كتكوين أولي. أما في اعتماد النسخة الجديدة فقد اشترطنا توفر الطالب على المستوى الأولي في اللغة الصينية، وحرصنا على إعطاء دروس للدعم من طرف أساتذة زائرين للطلبة بالموازاة مع الدراسة في المسلك. وأشار إلى أن عدد الطلبة في السنة الأولى يصل إلى 137 طالبة وطالب. حيث بلغ عدد المسجلين حاليا في المسلك في المستويات الثلاثة 412 من الطلبة.
العرض البيداغوجي لمسلك الدراسات الصينية
أما بخصوص العرض البيداغوجي المبرمج لمسلك الدراسات الصينية أوضح ضيف البرنامج بأنه مثل عرض نفس المسالك اللغوية حيث أشار إلى أن الفصل الأول مخصص لوحدة كمدخل لدراسة الحضارة الصينية، ومدخل خاص بقراءة النصوص، ثم التعبير الشفوي، والكتابة بالحروف الصينية، بالإضافة إلى وحدتين متعلقتين بالمهارات الموازية واللغات الأجنبية فرنسية وانجليزية. أما الفصل الثاني فهناك وحدة مخصصة للمعجم والكتابة وهي تتمة للفصل الأول، ثم هناك قراءة النصوص والفهم المكتوب والشفوي والنحو، ومدخل إلى الكتابة أو التعبير الكتابي فضلا عن الثقافة الرقمية واللغات. أما بالنسبة للفصل الثالث فهناك مدخل إلى منهجية البحث ثم قراءة النصوص إلى جانب التركيب والنحو، والتعبير الكتابي زائد اللغات والرقمنة والمهارات الحياتية. أما الفصل الرابع فناك مدخل إلى الفكر الصيني ومدخل إلى الترجمة والنحو. وهناك مادة المجتمع الصيني قبل ثورة 1949، وبخصوص الفصل الخامس فهناك مادة مدخل الجيوبوليتيك ثم نصوص أدبية في الأدب المقارن وتاريخ الأدب الصيني القديم، والفن الإسلامي الصيني.
وعن بحث نهاية السنة أوضح منسق الدراسات الصينية بأن هناك من يقوم من الطلبة ببحث باللغة العربية، شريطة تقديم ملخص يشمل جميع المحاور باللغة الصينية، أما بخصوص مناقشة العرض الشفهي فتكون باللغة الصينية والعربية. في حين يمكن لطلبة آخرين أن يقوموا ببحثهم باللغة الصينية مباشرة مع الأساتذة الصينيين رفقة الأستاذة المغاربة المتخصصين رفقة الأستاذة خديجة علالي. وأشار الدكتور مولاي الصديق المالكي منسق مسلك الدراسات الصينية إلى أن أغلب الأساتذة هم من الصين أو وافدين من معهد كونفوشيوس، ورغم أن الوزارة خصصت منصبا للماستر فليس هناك مترشحين مغاربة، آملا في تحقيق هذا الطموح في السنة المقبلة.
اللغة والثقافة الصينية ... حروف ورموز ونغمات
وقالت الأستاذة منار بأنها تدرس في كلية عين الشق بالدار البيضاء مادة الأدب الصيني الحديث بالفصل السادس، وتدرس المبتدئين اللغة الصينية والتمرن على النطق بها. واعتبرت أن اللغة الصينية هي من أصعب اللغات في العالم، ويشكل ذلك تحد كبير بالنسبة للمتعلمين على مستوى النطق وكتابة الرموز الصينية، وأوضحت بأن اللغة الصينية لها أربع نغمات، وأن معاني الكلمات الصينية تختلف باختلاف النغمات. وأضافت بأن الرموز الصينية مكونة من نظامين، الأول يخص الحروف والنظام الثاني يخص الرموز ومن هما ينطلق التدريس إلى حين الوصول إلى مستوى أعلى حيث يتم التركيز على تعليم الرموز فقط، وأعطت مثال بتعليم اللغة العربية في المرحلة الأولية حيث يتم التركيز على تعليم الحروف مع الحركات، ثم الإنتقال للتعليم بالكلمات دون حركة.
في نفس السياق أوضحت الأستاذة خديجة علالي بأن في اللغة الصينية لا توجد حروف، أي أنه نظام صوتي لكيفية قراءة الرمز الصيني. حيث عزز قولها منسق الدراسات الصينية بمثال القيام ببحث عن اللغة الدارجة المغربية ونكتبه باللغة الفرنسية أو الإنجليزية فلا يمكن استعمال الحروف العربية، حيث نستعمل الحروف الهجائية للصوتيات التي يعرفها كل واحد والتي تقابل حروف معلومة. وأكدت الأستاذة خديجة علالي أن الكتابة الصوتية سهلة. وأشارت خديجة علالي أن الأكاديميين الصينيين قد قسموا تعليم اللغة الصينية إلى ستة مراحل/مستويات، المستوى الأول يحتوي على 150 رمزا، والمستوى الثاني 300 رمزا، أما المستوى الثالث فيحتوي على 300 أيضا، ضم المستوى الرابع 1200 رمزا، والمستوى الخامس 2500 رمزا، في حين المستوى السادس يحتوي أكثر من 2500 رمز، وأكدت في هذا السياق أن المتعلم يحتاج إلى المستوى الرابع للتحدث باللغة الصينية، وتعني بذلك تعلم المهارات الخمسة.
ومن وجهة نظر الدكتور مولاي الصديق المالكي قال بأنه من الخطأ أن نقول بأن هذه اللغة أصعب من هذه أو تلك، فجميع اللغات من وجهة نظر اللسانيات لهم نفس مستوى التعقيد، ودليله أن اكتساب اللغة عند الطفل يتم ما بين صفر إلى ستة سنوات حيث يستطيع أن يكتسب ويتعلم أي لغة شريطة الاستماع. وأعطى مثالا بمولود مغربي في شهوره الأولى تم نقله إلى الصين سيكتسب اللغة الصينية وكأنه صينيا أبا عن جد، لذلك قال بانه يختلف مع الأستاذة منار الصينية مؤكدا على أن جميع اللغات لها نفس التعقيد من وجهة نظر اللسانيات.
وبالعودة لتعليم اللغة والثقافة الصينية بمعهد كونفوشيوس أفادت الأستاذة خديجة علالي بأن من مميزاته هناك فقط خمس مستويات للتعليم فضلا عن مسألة المرونة في أوقات التعلم تقتصر على ساعتين في الأسبوع، حيث يستقطب المعهد ثلاثة فئات عمرية من الطفولة والشباب ثم الكبار، إضافة إلى أن المعهد منفتح بشكل كبير على الثقافة الصينية من خلال الأنشطة والمهرجانات الإحتفالية ذات الصلة.
وقالت الأستاذة منار الصينية في هذا الشأن بأن المعهد تمتد جسوره إلى الكلية، ويتوفر على مديريتين واحدة مغربية والأخرى صينية تسهران على تنسيق وضبط البرامج والأنشطة الثقافية والتعاون الجيد مع الشركاء، وتبقى مديرية الصين هي التي تسهر على ضبط طرق التعليم بالمعهد.
بعض مواد التدريس بالكلية وبحوث الطلبة
وأوردت الأستاذة خديجة علالي في حديثها بأنها متخصصة في تدريس الثقافة والحضارة الصينية، وتقوم في عملها التعليمي بشرح التفكير الصيني وطريقة التعايش، وأنماط الثقافة الشعبية والأشكال التعبيرية وكيفية التعامل مع الشعب الصيني وتقاليده وعاداته المكتسبة، وركزت على أهمية احترام الألوان في الثقافة الشعبية الصينية، من لباس وطبخ وسلوك يومي بما فيه تقاليد عيد الربيع المقدس في الصين. هذا فضلا عن تدريسها مواد مقارنة في اللغة العربية والصينية من حيث الجملة والزمن والتركيب إلى غير ذلك.
بخصوص اختيار عناوين البحوث التي يقوم بها الطلبة أوضح منسق الدراسات الصينية بأن غالب البحوث تهتم باللغة الصينية من حيث التركيب على المستوى اللساني، ولاحظ بأن بعض الطلبة يشتغلون على قصائد شعرية وترجمتها سواء من العربية للصينية أو العكس، مع تعليل الترجمة ولماذا اختار هذه الصياغة بدل أخرى. وكذلك إنجاز بحوث حول الفن الصيني، أو الفكر الكونفوشيوسي على اعتبار أن هناك كتابات للمفكر كونفوشيوس في المهارات الحياتية والتواصل سبقت كل ما جاءت به الكتابات الأمريكية والفرنسية. وعن توجيه الطلبة في بحوثهم قالت الأستاذة خديجة علالي بأن الأساتذة يقومون فعلا بتوجيه وتحديد محاور البحوث التي تقدم لهم، فمثلا حين بلجأ الطالب للبحث في محور الثقافة الصينية باعتباره محورا متشعبا "الشاي أو الفن أو الأعياد" حيث نقوم بمقارنة بالثقافة المغربية سنجد أن هناك قواسم مشتركة على مستوى المعنى والدلالة، لذلك فمحور واحد يمكن أن تستخلص منه عدة بحوث يمكن أن تناقش. ودور الأساتذة هو إرشاد الطلبة وتأطيره حتى يتم اختيار الإشكال بشكل صحيح والغاية هي أن نصل إلى اختلاف البحوث.
وأضاف في هذا السياق بأن الأستاذ شعبان كمتخصص في الأركيولوجية ويدرس فن المعمار في الثقافة الإسلامية لذلك فأغلب بحوث الطلبة تحت إشرافه تهتم بالدرجة الأولى بالمعمار والفن الإسلامي حيث يقومون بزيارة المساجد والأضرحة والقيام بمقارنتها بما يوجد في الصين. وأشار إلى كتاب "اكتشاف الصين" للمؤرخ الأستاذ الطيب بياض، مؤكدا على أن الكلية ستقوم بالإعداد لقراءة لهذا الإصدار التاريخي. وهذا يؤكد أن هناك مواضيع نظرية وأخرى تطبيقية.
نافذة على الثقافة الشعبية الصينية
وعن احتفال الصينيين بالسنة الصينية أوردت الأستاذة منار بأن السنة الجديدة الصينية خلال شهر فبراير من كل سنة هي ليست مثل السنة الهجرية أو الميلادية، وأكدت بأن الصينيين يطلقون عليها توقيت السنة الفلاحية وفقا لتوقيت الفلاح الصيني. وأضافت بأن أهم احتفال الأعياد الصينية هو عيد الربيع، وعيد القمر، وكل عيد له أكل مختلف ودلالة خاصة في الثقافة الصينية، فضلا عن عيد التنين الذي تقام فيه مسابقة القوارب المصنوعة وفق أشكال التنين، في علاقة بمضمون الأسطورة والقصص الصينية القديمة التي تمسي وتقارن إثنى عشرة حيوانا بإثنى عشرة شهرا في السنة في علاقة بأبراج السنة.