يشعر سعيد (اسم مستعار) بالحسرة والذنب، وهو يتصفح مجموعة من الأوراق أمامه، عبارة عن تصاميم وشواهد ملكية وعقد بيع عقار اشتراه بإحدى مناطق الدار البيضاء التي فتحت مؤخرا في وجه التعمير. يهز هذا المنعش العقاري رأسه حزنا وأسفا وهو يتحدث عن «مصيبته» لـ «أنفاس بريس» قائلا: «ماذنبي، لقد أنفقت حوالي 3 ملايير سنتيم لشراء فيلا بمقاطعة المعاريف بالبيضاء، وعندما أردت الشروع في هدمها لبناء عمارة من خمسة طوابق، فوجئت بأن هذه الفيلا تدخل ضمن المباني التاريخية وأنه ممنوع هدمها».
حالة سعيد واحدة من عشرات الحالات بمدينة الدار البيضاء التي سقطت في فخ «المباني التاريخية»، منهم منعشون عقاريون استثمروا أموالا طائلة في شراء هذه العقارات ولم يستطيعوا استغلالها، ومنهم ورثة ورثوا عقارا عبارة عن فيلا أو عمارة وعندما أرادوا بيعها والاستفادة منها، اكتشفوا أن العقار يدخل ضمن «المباني التاريخية» التي لا يجب هدمها.
حالة سعيد واحدة من عشرات الحالات بمدينة الدار البيضاء التي سقطت في فخ «المباني التاريخية»، منهم منعشون عقاريون استثمروا أموالا طائلة في شراء هذه العقارات ولم يستطيعوا استغلالها، ومنهم ورثة ورثوا عقارا عبارة عن فيلا أو عمارة وعندما أرادوا بيعها والاستفادة منها، اكتشفوا أن العقار يدخل ضمن «المباني التاريخية» التي لا يجب هدمها.
بل أن «فخ المباني التاريخية» الذي ذهب ضحيته العديد من المنعشين العقاريين، سقط في حباله كذلك عامل أنفا السابق، رشيد عفيرات، بمبرر أنه أمر بهدم مبنى يعتبر «تراثا تاريخيا ومعماريا»، وهو مازكاه بلاغ مقتضب لوزارة الداخلية بتاريخ 13 يوليوز 2020، جاء فيه أن «إعفاء عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء -أنفا من مهامه، وذلك بسبب «سوء تدبيره لملف المحافظة على التراث التاريخي والمعماري بمدينة الدار البيضاء».
في إشارة إلى تأشيره على هدم «فيلا موفيليي» يوم 14 يونيو 2020، توجد بتقاطع شارعي الزرقطوني وأنفا في وسط الدار البيضاء، يعود تاريخ بنائها إلى عام 1932، وتم هدم هذا المبنى، الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي جوستاف كوتيه.
في إشارة إلى تأشيره على هدم «فيلا موفيليي» يوم 14 يونيو 2020، توجد بتقاطع شارعي الزرقطوني وأنفا في وسط الدار البيضاء، يعود تاريخ بنائها إلى عام 1932، وتم هدم هذا المبنى، الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي جوستاف كوتيه.
كما أمرت السلطات المحلية التي تتبع لنفس المسؤول بهدم مبنيين آخريين يعود تاريخهما إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية (1912-1956)، ويقعان في شوارع الدار البيضاء الرئيسية بأنفا.
ما وقع لعدد من المنعشين العقاريين والعامل رشيد عفيرات، يؤكد ما ذهب إليه عمر الفرخاني، الرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين بالمغرب، بقوله أن الجهات الوصية لا تملك رؤية استراتيجية في التعامل مع البنايات التاريخية في مختلف المدن.
وأبرز الفرخاني في تصريح لـ «أنفاس بريس»، أن وزارة الشباب والثقافة والاتصال، في تدبيرها لهذا الملف لم تكن تعي جيدا أهمية المباني التاريخية وطريقة تدبيرها. فمثلا إذا أخذنا النموذج الفرنسي نجد أن الدولة الفرنسية ومنذ الثورة الفرنسية، تعاملت فرنسا مع المباني التاريخية باعتبارها ملك للدولة اهتمت بها وخصصت لها إمكانيات مالية ضخمة لصيانتها وترميمها والحفاظ عليها.
ويتساءل الكثير من المهتمين بالشأن العمراني بالبيضاء والوسط الثقافي عن مصير خطة حماية المركز التاريخي للدار البيضاء والتي وضعت منذ سنة 2019، لكن بدون أن نجد لها أثرا ملموسا، باستثناء القرارات التي تنشر في الجريدة الرسمية والتي تدخل بنايات جديدة في عداد الآثار، كتلك المباني التي أصدر في حقها المهدي بنسعيد وزير الشباب و الثقافة والتواصل ، قرارا في الجريدة الرسمية رقم 2997.23 الصادر في 30 نونبر 2023، يقضي بتقييد مجموعة من بنايات تاريخية تعود للقرن العشرين المتواجدة بالدار البيضاء وعددها 56 بناية، في عداد الآثار. إذ نصت المادة الثانية على: "أنه لا يجوز إحداث أي تغيير كيفما كانت طبيعته في البنايات التاريخية، ما لم يعلم المالك أو الملاك بذلك المصالح المختصة بقطاع الثقافة، قبل التاريخ المقرر للشروع في العمل بستة أشهر على الأقل، وذلك طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 80.22 المشار إليه أعاله، كما وقع تغييره وتتميمه".
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بدروره أدلى بدلوه في الموضوع وذلك لأهميته وضرورته، حيث أكد في رأيه الذي يحمل عنوان: "من أجل رؤية جديدة لتدبير التراث الثقافي وتثمينه"، بالقول إنه: "على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه، لا يستطيع المغرب بعد تحويل تراثه الثقافي إلى ثروة مادية من أجل جعله محركا حقيقيا للتنمية...".
وسجل المجلس الاقتصادي ادأيضا" أن هناك عدة أوجه قصور تفسر هذه الوضعية لاسيما ضعف الجهود في مجال الجرد والتصنيف وعدم إشراك المجالات الترابية والقطاع الخاص على مستوى تخطيط وتثمين وتدبير التراث الثقافي وغياب تملكه من طرف المجتمع المدني والساكنة، علاوة على التأخر المسجل في مجال استخدام التكنولوجيا والرقمنة".
بحرقة يطرح عمر الفرخاني، مهندس معماري، والرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين، العديد من الاسئلة تبين بالملوس أن هناك صعوبة في حماية التراث المعماري أبرزها: ما هو عدد المباني التي يجب الاحتفاظ بها من أصل 3250 مبنى حددتها الدراسة حالياً؟ هل لدينا الإمكانيات المالية والبشرية اللازمة لضمان ترميمها وتعزيزها وصيانتها؟
بالنسبة لمحاورنا، فإن العامل المالي يعد عنصرا مهما في حماية التراث، خاصة إذا علمنا أن الوزارة الوصية استثمرت بين عامي 2009 و2021، مبلغ 428 مليون درهم لتمويل 156 مشروعاً إجمالاً، بمتوسط 33 مليون درهم و 13 مشروعاً سنوياً، أي بمتوسط 2.5 مليون درهم لكل مشروع. نفهم من ذلك أن وزارة الثقافة لديها موارد مالية قليلة جداً، نظراً لتكلفة المشاريع الثقافية التي تديرها.
بالنسبة لمحاورنا، فإن العامل المالي يعد عنصرا مهما في حماية التراث، خاصة إذا علمنا أن الوزارة الوصية استثمرت بين عامي 2009 و2021، مبلغ 428 مليون درهم لتمويل 156 مشروعاً إجمالاً، بمتوسط 33 مليون درهم و 13 مشروعاً سنوياً، أي بمتوسط 2.5 مليون درهم لكل مشروع. نفهم من ذلك أن وزارة الثقافة لديها موارد مالية قليلة جداً، نظراً لتكلفة المشاريع الثقافية التي تديرها.
فبمبلغ 2,5 مليون درهم لكل مشروع –يضيف الفرخاني- تخصص لحوالي 3250 مبنى تم تحديدها بمنطقة الدار البيضاء، ستكون الاحتياجات المالية النظرية لترميمها وتثمينها هي: 3250 × 2.500.000 درهم = 8.125.000.000 درهم، (أي 812 مليار سنتيم)، وهذا لا يتناسب مع الموارد المتاحة لوزارة الثقافة وشركائها المحتملين من القطاعين العام والخاص.
وما يفسر هذا التفاوت –يقول المهندس الفرخاني- بين الاحتياجات والموارد المتاحة، الزيادة الاستثنائية وغير المسبوقة في عدد المباني المسجلة مؤخرا بمنطقة الدار البيضاء (3250 وحدة) مقارنة بكل ما تم تسجيله رسميا على المستوى الوطني حتى الآن (5578 وحدة)، وهو ما يمثل نموا قياسيا يبلغ حوالي 60% في فترة زمنية قصيرة جدًا!
ويؤكد عمر الفرخاني أن المخاطر الحالية التي يواجهها تراث الدار البيضاء في غياب الموارد الأساسية، إذا لم نخفض بشكل كبير العدد الأولي الباهظ من المباني المقترحة للتسجيل، فإن العواقب المتوقعة ستكون ضارة بمجمل التراث المعماري للدار البيضاء، إن لم يكن الوطني، والتي جردها على الشكل التالي:
في غياب الوسيلة الجدلية المقنعة والتواصل الجاد مع جميع المكونات، سنواجه نقص الدعم من عامة الناس، والذي بدونه لا يمكن أن نضمن نجاح هذه العملية، والأخطر من ذلك، بسبب تفشي الإحباط والحقد لدى أصحاب العقارات المعينة والتي صنفت كتراث ثقافي، والتي ينتابها شعور بالظلم والحيرة بسبب قرارات غير مفهومة ومقبولة.
بالإضافة أن هناك بعض المباني الخاضعة لحق الارتفاق التراثي معرضة لخطر الوقوع ضحية الإهمال والتخريب، كما ستخضع بعض المباني لإجراءات قانونية طويلة ومكلفة، كما كان الحال بالنسبة لمبنى "بيسونو الشهير" و«فندق لينكولن».
في نهاية المطاف، فإن منطقة الدار البيضاء معرضة لخطر التخريب أو التخلي عن جزء كبير من مبانيها التراثية، المكونة من مباني متداعية، مهجورة ومكبات نفايات غير قانونية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب جمالية ومخاطر على الصحة والسلامة نتيجة لانعدام الأمن الناجم عن ذلك، مما يؤدي إلى عكس ما كان مطلوبًا في البداية تمامًا.
بالنسبة للرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين عمر الفرخاني، فإن الحلول لكل هذه المشاكل موجودة وممكنة، فبغض النظر عن محدودية الموارد المالية والبشرية، فمن الضروري وضع عقيدة تراثية ومعايير صارمة من الناحية المفاهيمية تسمح بتنفيذ أعمال الاختيار، على أسس مفهومة ومقبولة من قبل الرأي العام. الأمر الذي سيؤدي إلى تجنب التشويش على قائمة المباني المرشحة للتسجيل والتصنيف.
بالنسبة للمنشآت الأخرى المرشحة قانونا للتسجيل، يؤكد الفرخاني أنه من الضروري تكييف عدد المباني المراد حمايتها مع الموارد المالية والضريبية والبشرية التي يمكن تعبئتها قصد التكفل بها في الظروف المثلى، كما يجب اللجوء إلى الأرشفة الرقمية من أجل الحفاظ فعلياً على المباني التي تمثل أهمية تراثية مثبتة «ولو بسيطة» والتي لا يمكن حفظها مادياً. وأخيرا، مرافقة ودعم العمل التراثي من خلال جهد واسع للتواصل والنقاش العام، بمشاركة المجتمع المدني والمسؤولين المنتخبين والمهنيين.
وبهذه الطريقة، يقول الفرخاني، يمكن الحصول على إجماع اجتماعي واقتصادي وفكري وسياسي قوي لصالح قضية التراث المعماري، في منطقة الدار البيضاء وخارجها، وفي جميع أنحاء البلاد.