حتى لا يتحول تصنيف المباني التاريخية إلى قنبلة موقوتة بالدارالبيضاء؟

حتى لا يتحول تصنيف المباني التاريخية إلى قنبلة موقوتة بالدارالبيضاء؟ مباني ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية بالدار البيضاء
يشعر‭ ‬سعيد‭ ‬(اسم‭ ‬مستعار)‭ ‬بالحسرة‭ ‬والذنب،‭ ‬وهو‭ ‬يتصفح‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬أمامه،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تصاميم‭ ‬وشواهد‭ ‬ملكية‭ ‬وعقد‭ ‬بيع‭ ‬عقار‭ ‬اشتراه‭ ‬بإحدى‭ ‬مناطق‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التعمير‭. ‬يهز‭ ‬هذا‭ ‬المنعش‭ ‬العقاري‭  ‬رأسه‭ ‬حزنا‭ ‬وأسفا‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬«مصيبته»‭ ‬لـ‭ ‬«أنفاس‭ ‬بريس»‭ ‬قائلا:‭ ‬«ماذنبي،‭ ‬لقد‭ ‬أنفقت‭ ‬حوالي‭ ‬3‭ ‬ملايير‭ ‬سنتيم‭ ‬لشراء‭ ‬فيلا‭ ‬بمقاطعة‭ ‬المعاريف‭ ‬بالبيضاء،‭ ‬وعندما‭ ‬أردت‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬هدمها‭ ‬لبناء‭ ‬عمارة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬طوابق،‭ ‬فوجئت‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الفيلا‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬وأنه‭ ‬ممنوع‭ ‬هدمها»‭.‬
‭ ‬
حالة‭ ‬سعيد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الحالات‭ ‬بمدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭  ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬«المباني‭ ‬التاريخية»،‭ ‬منهم‭ ‬منعشون‭ ‬عقاريون‭ ‬استثمروا‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬هذه‭ ‬العقارات‭ ‬ولم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬استغلالها،‭ ‬ومنهم‭ ‬ورثة‭  ‬ورثوا‭ ‬عقارا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فيلا‭ ‬أو‭ ‬عمارة‭ ‬وعندما‭ ‬أرادوا‭ ‬بيعها‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬العقار‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬«المباني‭ ‬التاريخية»‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬هدمها‭.‬
 
بل‭ ‬أن‭ ‬«فخ‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية»‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬ضحيته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنعشين‭ ‬العقاريين،‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬حباله‭ ‬كذلك‭ ‬عامل‭ ‬أنفا‭ ‬السابق،‭ ‬رشيد‭ ‬عفيرات،‭ ‬بمبرر‭ ‬أنه‭ ‬أمر‭ ‬بهدم‭  ‬مبنى‭ ‬يعتبر‭ ‬«تراثا‭ ‬تاريخيا‭ ‬ومعماريا»،‭ ‬وهو‭ ‬مازكاه‭ ‬بلاغ‭ ‬مقتضب‭ ‬لوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بتاريخ‭ ‬13‭ ‬يوليوز‭ ‬2020،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬«إعفاء‭ ‬عامل‭ ‬عمالة‭ ‬مقاطعات‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬-أنفا‭ ‬من‭ ‬مهامه،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬«سوء‭ ‬تدبيره‭ ‬لملف‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬التاريخي‭ ‬والمعماري‭ ‬بمدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء»‭.‬
في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تأشيره‭ ‬على‭  ‬هدم‭ ‬«فيلا‭ ‬موفيليي»‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬يونيو‭ ‬2020،‭ ‬توجد‭ ‬بتقاطع‭ ‬شارعي‭ ‬الزرقطوني‭ ‬وأنفا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬بنائها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1932،‭ ‬وتم‭ ‬هدم‭ ‬هذا‭ ‬المبنى،‭ ‬الذي‭ ‬صممه‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬الفرنسي‭ ‬جوستاف‭ ‬كوتيه‭.‬

 
‭ ‬كما‭ ‬أمرت‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬لنفس‭ ‬المسؤول‭ ‬بهدم‭ ‬مبنيين‭ ‬آخريين‭ ‬يعود‭ ‬تاريخهما‭ ‬إلى‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية ‬(1912-1956)،‭ ‬ ويقعان‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬الرئيسية‭ ‬بأنفا‭.‬
ما‭ ‬وقع‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المنعشين‭ ‬العقاريين‭ ‬والعامل‭ ‬رشيد‭ ‬عفيرات،‭ ‬يؤكد‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬عمر‭ ‬الفرخاني،‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لهيئة‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين‭ ‬بالمغرب،‭  ‬بقوله‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬الوصية‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬البنايات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭.‬
 
‭ ‬وأبرز‭ ‬الفرخاني‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ‭ ‬«أنفاس‭ ‬بريس»،‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬والثقافة‭ ‬والاتصال،‭ ‬في‭ ‬تدبيرها‭ ‬لهذا‭ ‬الملف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعي‭ ‬جيدا‭ ‬أهمية‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬وطريقة‭ ‬تدبيرها‭. ‬فمثلا‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬النموذج‭ ‬الفرنسي‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومنذ‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬تعاملت‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬باعتبارها‭ ‬ملك‭ ‬للدولة‭ ‬اهتمت‭ ‬بها‭ ‬وخصصت‭ ‬لها‭ ‬إمكانيات‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭ ‬لصيانتها‭ ‬وترميمها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭. ‬
 
ويتساءل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬العمراني‭ ‬بالبيضاء‭ ‬والوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬خطة‭ ‬حماية‭ ‬المركز‭ ‬التاريخي‭ ‬للدار‭ ‬البيضاء‭ ‬والتي‭ ‬وضعت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬لكن‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬أثرا‭ ‬ملموسا،‭ ‬باستثناء‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬والتي‭ ‬تدخل‭ ‬بنايات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الآثار،‭ ‬كتلك‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬أصدر‭ ‬في‭ ‬حقها‭ ‬المهدي‭ ‬بنسعيد‭ ‬وزير‭ ‬الشباب‭ ‬و‭ ‬الثقافة‭ ‬والتواصل‭ ‬،‭ ‬قرارا‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬رقم‭ ‬2997.23‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬نونبر‭ ‬2023،‭ ‬يقضي‭ ‬بتقييد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬بنايات‭ ‬تاريخية‭ ‬تعود‭ ‬للقرن‭ ‬العشرين‭ ‬المتواجدة‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وعددها‭ ‬56‭ ‬بناية،‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الآثار‭.  ‬إذ‭ ‬نصت‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬على: "أنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬إحداث‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬طبيعته‭ ‬في‭ ‬البنايات‭ ‬التاريخية،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬المالك‭ ‬أو‭ ‬الملاك‭ ‬بذلك‭ ‬المصالح‭ ‬المختصة‭  ‬بقطاع‭ ‬الثقافة،‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬المقرر‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بستة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وذلك‭ ‬طبقا‭ ‬للمقتضيات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬80.22‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬أعاله،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬تغييره‭ ‬وتتميمه"‭.‬
 
المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬بدروره‭ ‬أدلى‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬وذلك‭ ‬لأهميته‭ ‬وضرورته،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬في‭  ‬رأيه‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان: "من‭ ‬أجل‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لتدبير‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬وتثمينه"،‭  ‬بالقول‭ ‬إنه: "على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إحرازه،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬تحويل‭ ‬تراثه‭ ‬الثقافي‭ ‬إلى‭ ‬ثروة‭ ‬مادية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جعله‭ ‬محركا‭ ‬حقيقيا‭ ‬للتنمية‭...‬"‭.‬
 
وسجل‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ادأيضا"‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬أوجه‭ ‬قصور‭ ‬تفسر‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬لاسيما‭ ‬ضعف‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الجرد‭ ‬والتصنيف‭ ‬وعدم‭ ‬إشراك‭ ‬المجالات‭ ‬الترابية‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تخطيط‭ ‬وتثمين‭ ‬وتدبير‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬وغياب‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والساكنة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬التأخر‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والرقمنة"‭.‬
 
بحرقة‭ ‬يطرح‭ ‬عمر‭ ‬الفرخاني،‭ ‬مهندس‭ ‬معماري،‭ ‬والرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لهيئة‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاسئلة‭ ‬تبين‭ ‬بالملوس‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭  ‬في‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬المعماري‭ ‬أبرزها:‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عدد‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬3250‭ ‬مبنى‭ ‬حددتها‭ ‬الدراسة‭ ‬حالياً؟‭ ‬هل‭ ‬لدينا‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية‭ ‬اللازمة‭ ‬لضمان‭ ‬ترميمها‭ ‬وتعزيزها‭ ‬وصيانتها؟
بالنسبة‭ ‬لمحاورنا،‭ ‬فإن‭  ‬العامل‭ ‬المالي‭ ‬يعد‭ ‬عنصرا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬التراث،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬الوصية‭ ‬استثمرت‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2009‭ ‬و2021،‭ ‬مبلغ‭ ‬428‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬لتمويل‭ ‬156‭ ‬مشروعاً‭ ‬إجمالاً،‭ ‬بمتوسط‭ ‬33‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬و‭ ‬13‭ ‬مشروعاً‭ ‬سنوياً،‭ ‬أي‭ ‬بمتوسط‭ ‬2.5‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬لكل‭ ‬مشروع‭. ‬نفهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬لديها‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬قليلة‭ ‬جداً،‭ ‬نظراً‭ ‬لتكلفة‭ ‬المشاريع‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭.‬
 
فبمبلغ‭ ‬2,5‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬لكل‭ ‬مشروع‭ ‬–يضيف‭ ‬الفرخاني-‭  ‬تخصص‭ ‬لحوالي‭  ‬3250‭ ‬مبنى‭ ‬تم‭ ‬تحديدها‭ ‬بمنطقة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬ستكون‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المالية‭ ‬النظرية‭ ‬لترميمها‭ ‬وتثمينها‭ ‬هي: 3250 × 2.500.000 درهم = 8.125.000.000 درهم،‭ ‬(أي‭ ‬812‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم)،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬الموارد‭ ‬المتاحة‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬وشركائها‭ ‬المحتملين‭ ‬من‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭.‬
 
وما‭ ‬يفسر‭ ‬هذا‭ ‬التفاوت‭ ‬–يقول‭ ‬المهندس‭ ‬الفرخاني-‭ ‬بين‭ ‬الاحتياجات‭ ‬والموارد‭ ‬المتاحة،‭ ‬الزيادة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬وغير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المباني‭ ‬المسجلة‭ ‬مؤخرا‭ ‬بمنطقة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬(3250‭ ‬وحدة)‭ ‬مقارنة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تسجيله‭ ‬رسميا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬(5578‭ ‬وحدة)،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬نموا‭ ‬قياسيا‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬60%‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬جدًا!
ويؤكد‭ ‬عمر‭ ‬الفرخاني‭ ‬أن‭ ‬المخاطر‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬تراث‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الموارد‭ ‬الأساسية،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نخفض‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬العدد‭ ‬الأولي‭ ‬الباهظ‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬المقترحة‭ ‬للتسجيل،‭ ‬فإن‭ ‬العواقب‭ ‬المتوقعة‭ ‬ستكون‭ ‬ضارة‭ ‬بمجمل‭ ‬التراث‭ ‬المعماري‭ ‬للدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الوطني،‭ ‬والتي‭ ‬جردها‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬التالي:
 
في‭ ‬غياب‭ ‬الوسيلة‭ ‬الجدلية‭ ‬المقنعة‭ ‬والتواصل‭ ‬الجاد‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬المكونات،‭ ‬سنواجه‭ ‬نقص‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الناس،‭ ‬والذي‭ ‬بدونه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضمن‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بسبب‭ ‬تفشي‭ ‬الإحباط‭ ‬والحقد‭ ‬لدى‭ ‬أصحاب‭ ‬العقارات‭ ‬المعينة‭ ‬والتي‭ ‬صنفت‭ ‬كتراث‭ ‬ثقافي،‭ ‬والتي‭ ‬ينتابها‭ ‬شعور‭ ‬بالظلم‭ ‬والحيرة‭ ‬بسبب‭ ‬قرارات‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬ومقبولة‭.  ‬
 
بالإضافة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المباني‭ ‬الخاضعة‭ ‬لحق‭ ‬الارتفاق‭ ‬التراثي‭ ‬معرضة‭ ‬لخطر‭ ‬الوقوع‭ ‬ضحية‭ ‬الإهمال‭ ‬والتخريب،‭ ‬كما‭ ‬ستخضع‭ ‬بعض‭ ‬المباني‭ ‬لإجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬طويلة‭ ‬ومكلفة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمبنى‭ ‬"بيسونو‭ ‬الشهير" و«فندق‭ ‬لينكولن»‭. ‬
 
في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬فإن‭ ‬منطقة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬معرضة‭ ‬لخطر‭ ‬التخريب‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مبانيها‭ ‬التراثية،‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬مباني‭ ‬متداعية،‭ ‬مهجورة‭ ‬ومكبات‭ ‬نفايات‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬جمالية‭ ‬ومخاطر‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬نتيجة‭ ‬لانعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مطلوبًا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬تمامًا‭.‬
 
بالنسبة‭ ‬للرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لهيئة‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين‭ ‬عمر‭ ‬الفرخاني،‭ ‬فإن‭ ‬الحلول‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬موجودة‭ ‬وممكنة،‭ ‬فبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬محدودية‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬وضع‭ ‬عقيدة‭ ‬تراثية‭ ‬ومعايير‭ ‬صارمة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المفاهيمية‭ ‬تسمح‭ ‬بتنفيذ‭ ‬أعمال‭ ‬الاختيار،‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مفهومة‭ ‬ومقبولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭  ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬المباني‭ ‬المرشحة‭ ‬للتسجيل‭ ‬والتصنيف‭.‬
 
بالنسبة‭ ‬للمنشآت‭ ‬الأخرى‭ ‬المرشحة‭ ‬قانونا‭ ‬للتسجيل،‭ ‬يؤكد‭ ‬الفرخاني‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تكييف‭ ‬عدد‭ ‬المباني‭ ‬المراد‭ ‬حمايتها‭ ‬مع‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والضريبية‭ ‬والبشرية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تعبئتها‭ ‬قصد‭ ‬التكفل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬المثلى،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الأرشفة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬فعلياً‭ ‬على‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أهمية‭ ‬تراثية‭ ‬مثبتة‭ ‬«ولو‭ ‬بسيطة»‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حفظها‭ ‬مادياً‭. ‬وأخيرا،‭ ‬مرافقة‭ ‬ودعم‭ ‬العمل‭ ‬التراثي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهد‭ ‬واسع‭ ‬للتواصل‭ ‬والنقاش‭ ‬العام،‭ ‬بمشاركة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمسؤولين‭ ‬المنتخبين‭ ‬والمهنيين‭. ‬
وبهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬يقول‭ ‬الفرخاني،‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجماع‭ ‬اجتماعي‭ ‬واقتصادي‭ ‬وفكري‭ ‬وسياسي‭ ‬قوي‭ ‬لصالح‭ ‬قضية‭ ‬التراث‭ ‬المعماري،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وخارجها،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭.‬