المقصود بالبرامج الدراسية programmes scolaires والمناهج الدراسية curricula (المفرد curriculum) هو ما تعوَّدنا على تسميته ب"المُقرَّرات". والمقرَّرأت عبارة عن مجموعة مضامين معرفية أدبية، علمية، تكنولوجية، اقتصادية، اجتماعية، تاريخية، جغرافية، لغوية، فنية…، من المُقرَّر تبليغُها للمتعلِّمين من أجل تحقيق ما رسمته المنظومة التَّربوية من غايات finalités. من بين هذه الغايات، أذكر على سبيل المثال، التنشئة الاجتماعية socialisation والتَّفتُّح épanouissement والتَّحرُّر émancipation الفكريين. والمقرَّرات، إما أن تكونَ مُعزَّزةً بتوجيهات بيداغوجية وديداكتيكية وتربوية، وإما أن لا تكون معزَّزة بهذه الأشياء.
والمضامين هي، في الحقيقة، مجموعة معارف connaissances ومفاهيم concepts، الهدف من تبليغها للمتعلِّمين، ليس ملء الرؤوس بالمعارف الجافة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. بل الهدف منها هو تكوينُ رؤوس جيدة التَّركيب، فكريا واجتماعيا.
والرأس الجيدة التَّركيب هي عكس الرأس المملوءة بدون فائدة. يُقال بالفرنسية : "une tête bien faite vaut mieux qu'une tête bien pleine"، بمعنى أن الرأسَ الجيدةَ التَّركيب أحسن بكثير من الرأس المملوءة (بالمعارف) بدون فائدة. الرأس الجيِّدةُ التَّركيب تفكر وتحلِّل وتقارن وستستنبط وتستنتج… أما الرأس المملوءة بدون فائدة، فإنها تجد صعوبة في ممارسة كل ما هو فكري، لأنها متعوِّدة فقط على الحِفظِ والاستظهار.
والرأس الجيدة التركيب تكون أفكارُها منظَّمة، مرتَّبة ومتسلسِلة، وبالأخص، متطابقة مع الواقع. أما الرأس المملوءة بدون فائدة (بالطبع، مملوءة بالمعارف)، فهي مملوءة بالمعارف الجافة (لا أقول الأفكار)، أي المحفوظة عن ظهر قلب لكن بدون تنظيم وبدون ترتيب وبدون تسلسل. فهي معارفٌ تتراكب se superposent في دماغ المتعلِّمين بدون ترتيب. بمعنى أنه لا شيءَ يضمن استمرارَ بقائِها في دماغ الحافظ عن ظهر قبل، اللهم إذا كرَّرَ حفظَها وترديدَها باستمرار. وهذا هو ما يحدث لحُفاظ (وخصوصا الأطفال) القرآن الكريم أو الآجرومية (قواعد نحوية على شكل شعر لابن آجروم) أو الألفية (نفس الشيء لابن مالك)… تحت الضغط والإكراه. فبمجر ما يغيب الصغطُ والإكراه، يتبخَّر كل ما تمَّ حفظُه عن ظهر قلب.
بصفة عامة، الغاية من صياغة البرامج الدراسية أو المناهج الدراسية ليس تكوين ، على الأقل في مرحلتي التعليم الأساسي الإجباري enseignement fondamental obligatoire والثانوي التأهيلي enseignement secondaire qualifiant، علماء موسوعيين savants encyclopédistes. الغاية منهما هو التثقيف والتَّنوير والتَّوعية والتفتُّح والتَّحرُّر… استعدادا لإندماج سهلٍ وسلسٍ في المجتمع وفي الحياة العملية.
في هذه الحالة، كل المعارف، بدون استثناء، التي تنقلها البرامج أو المناهج الدراسية، يجب أن تُعتَبرَ، فقط وحصريا، دعامةً un soutien لتحقيق هذا الاندماج السهل والسلس. فما هو البرنامج الدراسي وما هو المِنهاج الدراسي؟
البرنامج الدراسي هو وصفٌ أو توصيفٌ أو تخطيطٌ مفصَّلٌ للمحتويات المعرفية التي تمَّ تحديدُها رسميا من طرف الجهة الوصية على قطاع التربية والتَّعليم لتبليغها إلى المتعلمين. وانطلاقا من هذا التَّوصيف، يقع على عاتق المدرسين تحويلُ ما ينص عليه البرنامج الدراسي من مضامين إلى أنشطة تعليمية تعلُّمية أو أنشطة بيداغوجية تربوية تدور أطوارها داخلَ الأقسام. ولا داعيَ للقول أن كلَّ مرحلة تعليمية لها برنامج دراسي، مُكيَّفةٌ مضامينُه المعرفيةُ مع سنِّ المتعلمين ومستواهم الفكري niveau intellectuel ونموِّهم الإدراكي développement cognitif. وكلما تقدَّم المتعلمون في السنِّ، كلما تعقَّدت المعارف والمفاهيم المُبلَّغة إليهم.
البرنامج الدراسي هو وصفٌ أو توصيفٌ أو تخطيطٌ مفصَّلٌ للمحتويات المعرفية التي تمَّ تحديدُها رسميا من طرف الجهة الوصية على قطاع التربية والتَّعليم لتبليغها إلى المتعلمين. وانطلاقا من هذا التَّوصيف، يقع على عاتق المدرسين تحويلُ ما ينص عليه البرنامج الدراسي من مضامين إلى أنشطة تعليمية تعلُّمية أو أنشطة بيداغوجية تربوية تدور أطوارها داخلَ الأقسام. ولا داعيَ للقول أن كلَّ مرحلة تعليمية لها برنامج دراسي، مُكيَّفةٌ مضامينُه المعرفيةُ مع سنِّ المتعلمين ومستواهم الفكري niveau intellectuel ونموِّهم الإدراكي développement cognitif. وكلما تقدَّم المتعلمون في السنِّ، كلما تعقَّدت المعارف والمفاهيم المُبلَّغة إليهم.
أما المنهاج الدراسي، فهو أكثر توضيحا وتفصيلا من البرنامج الدراسي. فإضافةً لتفصيل المضامين المعرفية، فإنه يشتمل على الأهداف المرادُ تحقيقها من خلال تبليغ مضامين المنهاج للمتعلمين. وهذه الأهداف ليست فقط تعليمية تثقيفية. بل المنهاج يُشير كذلك للأهداف التربوية (كفاءات، مهارات، سلوك…) التي، من المفترض، أن يكونَ لها انعكاس إيجابي على تطوُّر شخصية المتعلمين. كما يتضمَّن المنهاج الطرائق البيداغوجية méthodes pédagogiques والمُعدَّآت الديداكتيكية matériel didactique التي يلجأ لها المدرسون أثناء ممارسة العملية التعليمية-التعلمية. وأكثر من هذا وذاك، يتضمَّن المنهاج الدراسي اقتراحاتٍ لوسائل التقييم moyens d'évaluation، من بينها اقتراحات للوقوف على ما تحقَّق من كفاءات لدى المتعلِّمين بعد خضوعهم للعمليات التعليمية-التعلمية. بل قد يتضمَّن المِنهاجُ المهارات habiletés والاستعدادات aptitudes التي يجب أن يتوفَّر عليها المدرسون للقيام بهذا النوع أو ذاك من الممارسات التعليمية-التعلمية.
فهل هناك فرقٌ بين البرامج الدراسية والمناهج الدراسية؟ أو كيف يتمُّ التَّمييزُ بين البرنامج الدراسي والمنهاج الدراسي؟
هناك فرقٌ واضحٌ بين البرنامج الدراسي programme scolaire والمِنهاج الدراسي curriculum. كلاهما يحتويان على المضامين المعرفية، بمختلف أنواعها، التي ستُدرَّس للمتعلِّمين. لكن، إذا تمعَّنا مليا في محتوى البرنامج الدراسي والمنهاج الدراسي، فسنجد أن الثاني يختلف عن الاول بنوعية ما يشتملان عليه من مضمون. ولعل الفرق الأساسي بينهما، هو أن المنهاج الدراسي يكتسي صبغةً توجيهية caractère directif، بمعنى أنه يُهيِّئ للمدرس كل شيء ليقوم بعمله على أحسن ما يُرام. بينما البرنامج الدراسي هو عبارة عن توصيف مفصَّل لما يجب تبليغُه من معارف للمتعلِّمين، تاركا المجالَ مفتوحاً للمدرسين لاختيار كل ما من شأنه أن يساعدَهم على أداء مهمتهم التَّعليمية التعلُّمية. فهل هناك قاسم مشترك بينهما؟
القاسم المشترك بينهما هو أنهما معا يُعدَّأن الوسيلة التي، من خلالها، تتجسَّد على أرض الواقع غايات المنظومات التربوية، التي سبقت الإشارةُ إلى البعض منها أعلاه.
السؤال الذي يفرض نفسَه هنا هو : "هل المقرَّرات التَّعليمية، سواءً كانت على شكل برامج دراسية أو مناهج دراسية تُمكِّن من تحقيق ما تمَّ رسمُه لها من غايات وأهداف"؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، هناك ملاحظةٌ تكتسي أهمِّيةً بالغة بالنسبة لكل منظومة تربوية. تتمثَّل هذه الملاحظة في كون : "لا أحد يعرف، بالتدقيق، هل البرامج الدراسية أو المناهج الدراسية يتمُّ تطبيقها على أرض الواقع، أي داخلَ الاقسام، كما خطَّطت لذلك السلطة الوصية". لماذا؟
لأنه، ليس هناك سلطةٌ وصيةٌ تقوم بتقييم المنظومة التَّربوية برمتها أو تقوم بتقييم تطبيق البرامج الدراسية والمناهج الدراسية على أرض الواقع، من أَلِفِها إلى يائِها. بالطبع، هناك المراقبات والامتحانات. لكن هذه الأخيرة لا تُعطي فكرةً عن تقييم المنظومة التَّربوية ولا حتى على مجموع البرامج والمناهج الدراسية. المراقبات والامتحانات، عبارة عن تقييم مرحلي، ولا يمكن، على الإطلاق، أن تُعتَبَرَ تقييما لتطبيق البرامج والمناهج الدراسية على أرض الواقع. وحتى الزيارات التفتيشية التي يقوم بها المفتِّشون للأقسام لا يمكن أن تفيَ بهذا الغرض لأنها، غالبا ما يكون الهدف منها هو التَّرقية الإدارية للمدرسين.
وجوابا على السؤال المطروح أعلاه؟ أي : "هل المقرَّرات التَّعليمية، سواءً كانت على شكل برامج دراسية أو مناهج دراسية تُمكِّن من تحقيق ما تمَّ رسمُه لها من غايات وأهداف؟"
ما يمكن قولُه في هذا الصدد، هو أن الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليا، هي إخضاعُ عيِّنةٍ من المتعلِّمين لرائز test البرنامج الدولي لتتبُّع مكتسبات التلاميذ Programme International de Suivi des Acquis des élèves PISA الذي يتم، من خلاله، تقييم غايات مرحلة التعليم الأساسي الإجباري enseignement fondamental obligatoire، المتمثِّلة في اكتساب كفاءات القراءة والكتابة والمبادئ الرياضية savoir élémentaire mathématique وبعض المبادئ العلمية savoir scientifique élémentaire.
وما يزيد في الطين بلَّةً، هو أن غالبية المدرسين، يُسرعون في إتمام ما تنص عليه المقرراتُ من معارف قبل حلول مواعد الامتحانات، وخصوصا منها الإشهادية. وهذا يعني تبليغ كمِّية لا يُستهان بها من المعارف للمتعلِّمين في ظرف وجيز. في هذه الحالة وتحت ضغط الامتحانات، لا خيارَ للمتعلمين سوى إعطاء الأولوية للتسجيل والحفظ والتخزين والاستظهار.
في هذه الظروف، حيث الوقتُ يُشَكِّلُ إكراهاََ باستمرار، لن يُكَلَّلَ مضمونُ المقررات أو يكاد بأية تربية من خلال العملية التعليمية التَّعلُّمية. والمتعلمون هم الذين يؤدون ضريبةَ هذا الوضع الذي يَعُوقُ تَفَتُّحَهُم الفكري والشخصي. إنه من غير المعقول، في وقت أصبحت فيه المعرفة في المتناول بفضل تكنولوجيات الإعلام، أن تتم التضحية بهذا التفتح لإنتاج رؤوس مملوءة سرعان ما يتبخر محتواها أو يكاد بعد الامتحانات.
العِبرة ليست في حجم المعارف التي تُبلَّغ للنتعلمين. العِبرة مختزلةٌ في السؤال التالي : "ما الفائدة من حشو أدمغة المتعلمين بمعارف لا تصلح إلا للامتحانات"؟
فأين هو تحقيقُ غايات finalités المنظومة التَّربوية المتمثِّلة في التنشئة الاجتماعية وتفتُّح وتحرّّر المتعلمين فكريا واجتماعيا؟
وفي الختام، دعوني أقول: "إن الحصول على شهادة البكالوريا أو حتى على شهادة أعلى منها، ولو بكُبريات النقط، لا يعني، على الإطلاق، أن الحاصلَ على هذه الشهادة أو أكثر منها، تمَّت تنشِئتُه اجتماعيا وهو متفتِّح ومتحرِّر فكريا واجتماعيا.
أنا شخصيا، أُفضِّل أن تكونَ المقررات متمحوِرةً حول ما قل ودلّ من المعارف وأن تكونَ جذابةً، أي مُصاغَة على شكل أنشطة هدفُها التكوين أو على شكل مشكلات أو أوضاع تَشُدُّ الانتباهَ أو على شكل نصوص عذبة وأخاذة… تستدعي اللجوءَ إلى المهارات الفكرية كالاستخلاص والتحليل والنقد والمقارنة والتركيب والترابط وحل المشكلات والنقاش وبناء المفاهيم… وباختصار، أن تكونَ المقررات مصدرا لممارسة تعليمية تعلُّمية "يتعلَّم، من خلالها، المتعلِّمُ كيف يتعلَّم"!