الأربعاء 5 فبراير 2025
سياسة

مولاي عبد الحكيم الزاوي: مواقف الدّول الكبرى أربكت الجزائر وأدخلتها فـي حالة التوجس

مولاي عبد الحكيم الزاوي: مواقف الدّول الكبرى أربكت الجزائر وأدخلتها فـي حالة التوجس الدكتور مولاي عبد الحكيم الزّاوي، باحث في علم الاجتماع
قال الدكتور مولاي عبد الحكيم الزّاوي، وهو باحث في علم الاجتماع، إن "الجزائر تبدو جدّ مرتبكة اليوم من خلال تغير مواقف الدّول الكبرى من الصّحراء وتنظر بعين التوجّس، فالبنية السّياسية في الجزائر تعيش وضعا دراماتيكيا يؤكده الزّخم الاحتجاجي في البلاد".
 وأوضح الباحث الزّاوي في حوار مع
"أنفاس بريس"، أن "الرّغبة في تصريف الأزمات نحو الخارج وممارسة استراتيجية الإلهاء كتكتيك سياسي للجزائر، ومحاولة لجرّ المنطقة إلى التوتّر والانقسام".
 وفي ما يلي نص الحوار:
 
 
خلال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬والقضايا‭ ‬يُسخر‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إعلامه‭ ‬ويُجيشه‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭. ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬ذلك؟
في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضع‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نُجري‭ ‬مسحا‭ ‬تاريخيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فهم‭ ‬طبيعة‭ ‬الوضع‭ ‬المركب‭. ‬يُفضي‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الجزائرية‭ ‬إلى‭ ‬الإقرار‭ ‬الآتي:‭ ‬انتقال‭ ‬العلاقات‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يُفصح‭ ‬عنه‭ ‬المفكر‭ ‬المغربي‭ ‬حسن‭ ‬أوريد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬توتر‭ ‬متواصل،‭ ‬إلى‭ ‬مرتفع،‭ ‬إلى‭ ‬قطيعة‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬ووضعية‭ ‬جمود‭ ‬منذ‭ ‬غشت‭ ‬2021‭... ‬بل‭ ‬ويُمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬كانت‭ ‬ضحية‭ ‬لمواعيدها‭ ‬المُخلفة،‭ ‬وأيضا‭ ‬ضحية‭ ‬سياق‭ ‬خاص‭ ‬وعام‭ ‬لم‭ ‬يُهيئ‭ ‬شروط‭ ‬تحقيق‭ ‬التقارب‭ ‬السياسي‭. ‬القضية‭ ‬في‭ ‬منشئها‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تشكل‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهناك‭ ‬رأي‭ ‬تاريخي‭ ‬يُلح‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬فيها‭ ‬الآلة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭ ‬تتوغل‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الجزائر‮ ‬‭ ‬العثمانية‭ ‬منذ‭ ‬حادثة‭ ‬المروحة‭ ‬الشهيرة‭ ‬لعام‭ ‬1830‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬معها‭ ‬ظهور‭ ‬مقاومة‭ ‬شعبية‭ ‬قادها‭ ‬الأمير‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجزائري‭ ‬بمساعدة‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬المغربي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بن‭ ‬هشام‭...‬

لكن‭ ‬دعنا‭ ‬نتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الاختيارات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬مع‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مطبوع‭ ‬بالانقسام‭ ‬الثّنائي‭ ‬ساهم‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬جذور‭ ‬الخلاف‭ ‬والتوتر‭ ‬بين‭ ‬النظامين‭.‬

وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أستحضر‭ ‬مقولة‭ ‬للمؤرخ‭ ‬الفرنسي‭ ‬شارل‭ ‬روبير‭ ‬أجيرون Charles Robert Ageron حينما‭ ‬شبَّه‭ ‬الوضع‭ ‬بالتعبير‭ ‬الآتي: "ثعبانين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتجاورا‭ ‬في‭ ‬جحر‭ ‬واحد"‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬نظامي‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلة‭ ‬ونظام‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭. ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬حاليا،‭ ‬يتمّ‭ ‬تقديم‭ ‬مغالطات‭ ‬تاريخية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬محطة‭ ‬حرب‭ ‬الرّمال‭ ‬1963،‭ ‬حينما‭ ‬يتم‭ ‬تقديمها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬اعتداء‭ ‬مجاني‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬جار‭ ‬خارج‭ ‬للتوّ‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬استعمارية‭ ‬مكلفة‭. ‬والحقيقة،‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬وقف‭ ‬إيواء‭ ‬بعض‭ ‬المعارضين‭ ‬عقب‭ ‬محاولة‭ ‬عسكرية‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬العناصر‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭.‬

في‭ ‬مستوى‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬التحليل،‭ ‬راهن‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬إكس‭ ‬ليبان‭ ‬1955‭ ‬على‭ ‬الخيار‭ ‬اللّيبرالي،‭ ‬وراهنت‭ ‬الجزائر‭ ‬منذ‭ ‬معاهدة‭ ‬إيفيان 1962‭ ‬على‭ ‬الخيار‭ ‬الاشتراكي‭. ‬الواضح،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاختيارات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تفعل‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬حاضر‭ ‬البلدين،‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الجزائر‭ ‬تنزل‭ ‬بثقلها‭ ‬السّياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عرقلة‭ ‬مجهودات‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭.‬

عودة‭ ‬إلى‭ ‬السؤال،‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬البنية‭ ‬السّياسية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬تعيش‭ ‬وضعا‭ ‬دراماتيكيا،‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬يؤكده‭ ‬الزّخم‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬التي‭ ‬عاشته‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العِقد‭ ‬الأخير‭ ‬وحتى‭ ‬قبله‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العُشرية‭ ‬السّوداء‭. ‬واضح‭ ‬أيضا‭ ‬الرّغبة‭ ‬في‭ ‬تصريف‭ ‬الأزمات‭ ‬نحو‭ ‬الخارج‭ ‬وممارسة‭ ‬استراتيجية‭ ‬الإلهاء‭ ‬كتكتيك‭ ‬سياسي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬لجرّ‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬التوتّر‭ ‬والانقسام‭. ‬الواقع،‭ ‬أننا‭ ‬اليوم‭ ‬نعيش‭ ‬ضحايا‭ ‬لتأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الميديا‭ ‬في‭ ‬الجانبين‭ ‬معا،‭ ‬والنتيجة،‭ ‬تراجع‭ ‬مساحات‭ ‬العقل‭ ‬والحكمة‭ ‬والتبصّر‭ ‬لصالح‭ ‬مساحات‭ ‬اإاندفاع‭ ‬والتّجييش‭ ‬والتّطبيل‭ ‬التي‭ ‬يُفوت‭ ‬على‭ ‬البلدين‭ ‬فرصة‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري‭ ‬الثّقيل‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬واعد‭ ‬ومندمج‭ ‬يُحقق‭ ‬الرخاء‭ ‬لشعبي‭ ‬الجنوب‭ ‬المتوسطي‭. ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الرّاحل‭ ‬هواري‭ ‬بومدين: "يجب‭ ‬ألا‭ ‬نغترّ،‭ ‬لأن‭ ‬المواجهة‭ ‬ليست‭ ‬لعبة‭ ‬أطفال"‭. ‬يجب‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ننجرّ‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬تعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نسمح‭ ‬لمن‭ ‬لهم‭ ‬الرّغبة‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬تطورنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭.‬

القضيّة‭ ‬تستدعي‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬السّياسي‭ ‬والمثقّف‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬الشّعبين،‭ ‬وأن‭ ‬يسخر‭ ‬كل‭ ‬جهوده‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدّفع‭ ‬نحو‭ ‬النّأي‭ ‬عن‭ ‬المؤثرات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬النفخ‭ ‬في‭ ‬جروح‭ ‬الماضي‭.‬

من‭ ‬مسؤولية‭ ‬الجميع‭ ‬تهدئة‭ ‬الأجواء‭ ‬وتجاوز‭ ‬حالة‭ ‬الجفاء‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الرّاهن،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتشوّف‭ ‬إلى‭ ‬الحلّ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرّسمي،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬الرّهان‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬أجواء‭ ‬عودة‭ ‬الثّقة‭. ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الأصوات‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه،‭ ‬لكن،‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬الإعلام‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصّدد،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬الصّراع‭ ‬الفرنسي‭ ‬الألماني‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬وحتى‭ ‬قبلهما،‭ ‬لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬فرنسا‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬وألمانيا‭ ‬البروتستانتية‭ ‬معا‭ ‬بناء‭ ‬ورش‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬ونسيان‭ ‬صفحات‭ ‬الماضي‭ ‬الملطّخة‭ ‬بالدّماء‭ ‬والجروح‭ ‬النفسية‭..‬‭.‬المسألة‭ ‬تتطلب‭ ‬وعي‭ ‬الشّعوب‭ ‬ووعي‭ ‬النّخب‭ ‬السّياسية‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬معا،‭ ‬وكل‭ ‬سير‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬يُضيع‭ ‬علينا‭ ‬فرصة‭ ‬الانعتاق‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬معضلات‭ ‬التّخلف‭ ‬والتّأخر‭ ‬والتّبعية‭...‬
‮ ‬
لكن‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬التجييش‭ ‬الإعلامي‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬هل‭ ‬الأمر‭ ‬طبيعي‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬خلفيات‭ ‬ظاهرة‭ ‬ومبطّنة،‭ ‬خاصّة‭ ‬وأن‭ ‬نظام‭ ‬العسكر‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬قلاقل‭ ‬ومشاكل‭ ‬داخلية‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬لهيبها‭ ‬ليصيب‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬بشظاياه؟
التّجييش‭ ‬الاعلامي‭ ‬يجد‭ ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬خاصية‭ ‬الفهم‭ ‬والتّحليل‭ ‬والنقد‭...‬لأنّنا‭ ‬كلما‭ ‬كنا‭ ‬أمام‭ ‬جمهور‭ ‬غير‭ ‬متسلّح‭ ‬بقواعد‭ ‬التّفكيك‭ ‬والتّركيب‭ ‬كّلما‭ ‬سهل‭ ‬اقتياده‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬المسمومة،‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نعي‭ ‬خطورة‭ ‬ذلك،‭ ‬لأننا‭ ‬نُنشئ‭ ‬أجيالا‭ ‬جديدة‭ ‬تحمل‭ ‬قيم‭ ‬الحقد‭ ‬والكره‭ ‬والعداء‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬عدة‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬يمكن‭ ‬استثمارها‭ ‬بين‭ ‬الشّعبين‭...‬الأصل‭ ‬شعب‭ ‬واحد،‭ ‬وذاكرة‭ ‬واحدة،‭ ‬ومصير‭ ‬واحد‭...‬لكن‭ ‬مصالح‭ ‬الهيمنة‭ ‬وثقافة‭ ‬الاستقواء‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تستدرج‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬الظّلال‭ ‬المخيفة‭...‬لايتعلق‭ ‬الأمر،‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬بلد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬لأن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الدّولية‭ ‬لا‭ ‬تُظهر‭ ‬ذلك،‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بشعبين‭ ‬يُضيعان‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التّقارب‭. ‬ربما،‭ ‬هذا‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬يُحبّ‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬ينصت‭ ‬إليه،‭ ‬لكن‭ ‬إرادة‭ ‬الحكمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬وليام‭ ‬رايخ‭ ‬"أشيعوا‭ ‬الحبّ‭ ‬لا‭ ‬الحرب"،‭ ‬ففي‭ ‬صراع‭ ‬روما‭ ‬وأثينا،‭ ‬انتصرت‭ ‬إرادة‭ ‬أثينا‭ ‬على‭ ‬روما،‭ ‬إرادة‭ ‬العقل‭ ‬والحكمة‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الحرب‭ ‬والقتل‭.‬
يؤسفني‭ ‬كثيرا‭ ‬حينما‭ ‬أطالع‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وأتمنى‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تتوجّه‭ ‬لخدمة‭ ‬قضايا‭ ‬التّنمية‭ ‬والإنسان‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬لا‭ ‬يُشجع‭ ‬سباق‭ ‬التّسلح‭ ‬والخطابات‭ ‬العدائية‭ ‬والمناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬عودة‭ ‬الدفء‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية،‭ ‬لأن‭ ‬جوهر‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء،‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تبدو‭ ‬جدّ‭ ‬مرتبكة‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تغير‭ ‬مواقف‭ ‬الدّول‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬الصّحراء،‭ ‬وتنظر‭ ‬بعين‭ ‬التوجّس‭ ‬من‭ ‬التّقارب‭ ‬المغربي‭ ‬الإسباني‭ ‬والإماراتي‭ ‬والسّعودي،‭ ‬ومن‭ ‬تغيّر‭ ‬جغرافية‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭.‬
 
هناك‭ ‬توجه‭ ‬يرى‭ ‬بأن‭ ‬فشل‭ ‬النّظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬قضايا‭ ‬شعبه،‭ ‬دفعه‭ ‬لإلهاء‭ ‬الجزائريين‭ ‬بصراعات‭ ‬الخارج،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬يمدّ‭ ‬يده‭ ‬للجار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬علاقات‭ ‬رصينة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الإلهاء‭ ‬والتّجييش‭ ‬والتأليب‭. ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬لمواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هاته‭ ‬التّصرفات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقّف؟
في‭ ‬الواقع،‭ ‬هناك‭ ‬مناخ‭ ‬عام‭ ‬يُخيم‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬حول‭ ‬غياب‭ ‬الثّقة،‭ ‬وأيضا‭ ‬حول‭ ‬انسداد‭ ‬الحوار‭ ‬السّياسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬الدّفء‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭. ‬يقرأ‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حربا‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتحرّك‭ ‬في‭ ‬الهوامش‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تذويب‭ ‬الخلافات‭ ‬وطرح‭ ‬القضايا‭ ‬السّياسية‭ ‬الخلافية‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭...‬ينشأ‭ ‬التّطوّر‭ ‬حينما‭ ‬تبدأ‭ ‬الشّعوب‭ ‬في‭ ‬طيّ‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي‭ ‬والتّفكير‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭...‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬ضحيّة‭ ‬الماضي؛‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬استعادته‭ ‬بطريقة‭ ‬مشوّهة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إثبات‭ ‬شرعيّة‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخر‭...‬يقتضي‭ ‬الوضع‭ ‬حكماء‭ ‬جدد‭ ‬بدون‭ ‬أحقاد‭ ‬وبدون‭ ‬موروثات‭ ‬ماضوية‭ ‬يعملون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المستقبل‭ ‬ويوجّهون‭ ‬النّقاش‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬التّقارب‭ ‬وتدبير‭ ‬الإرث‭ ‬التّاريخي‭ ‬المشترك‭ ‬دون‭ ‬رغبة‭ ‬لطرف‭ ‬معيّن‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الآخر‭.‬

ولتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬من‭ ‬الرّهان‭ ‬على‭ ‬سلاح‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭ ‬والتّواصل‭...‬ لأن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬حملات‭ ‬التّجييش‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬بنا‭ ‬نحو‭ ‬الاحتراب،‭ ‬وهنا‭ ‬أعني‭ ‬بالاحتراب‭ ‬الرّمزي‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬أجوبة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭. ‬ثمة‭ ‬مطلب‭ ‬أساس‭ ‬للجانبين‭ ‬معا،‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالوضع‭ ‬الدّاخلي‭ ‬وتسوية‭ ‬وضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يعتبر‭ ‬المدخل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتحقيق‭ ‬التّقارب‭.‬