الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: ماذا نريد من التعليم؟

عبد الجليل أبوالمجد: ماذا نريد من التعليم؟ عبد الجليل أبوالمجد
يعيش قطاع التعليم بالمغرب اليوم أزمة مزمنة أصبحت جلية للجميع حتى بالنسبة لمن هو خارج الاختصاص. هذا التعليم الذي تصرف عليه سنويا الملايير من الدراهم، تناهز حوالي ربع الميزانية العامة للدولة، إلا أن النتائج لم تتحسن كما هو مطلوب، إذ لايزال وضعه سيئا كما كان وربما أسوأ، ينتج البطالة والعطالة والعنف كما هو ظاهر للعيان.
وهنا يطرح السؤال المهم ماذا نريد نحن من التعليم؟ سؤال كبير بحجم الوطن، سؤال عرفت كيف تجيب عليه العديد من الدول التي وصلت حديثا إلى مصاف الدول المتقدمة كسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان، وكذا الصين القادمة إلى العالم ببطء وبقوة.
والواقع طرح السؤال ماذا نريد من التعليم؟ هو بداية الطريق للتعليم الجيد، بحيث تشكل الإجابة العلمية الموضوعية على هذا السؤال، أسس الإصلاح التعليمي المنشود، بما سيحقق حاجات المغرب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعيدا عن المصالح والأهواء والانتماءات الضيقة والصراعات الفارغة.
ومن أجل بلوغ الإصلاح التعليمي المنشود، هناك ثلاث ركائز رئيسية يتعين اعتمادها.
الركيزة الأولى والمحورية في منظومة التطوير التعليمي، تتمثل في المعلم، فلابد الاهتمام بالمعلم وتقديره ماليا ومعنويا وتأهيله. لكن بمقابل ذلك على المعلم أن يعمل بجدية وأن يتحسس المسؤولية الكبيرة الملقاة عليه، والمرتبطة إلى حد بعيد ببناء الأجيال وصناعة نساء ورجال الأمة.
الركيزة الثانية تتعلق بالمنظومة التعليمية التي شاخت وأصبحت متهالكة ولا ينفع معها المسكنات والترقيع. ولهذا فإن المغرب بحاجة إلى منظومة جديدة متكاملة بفكر ورؤية تتماشى مع العصر والتطور العلمي العالمي. منظومة التعليم هي الأمل في وضع أساس نهضة المغرب، هي الأمل حتى نرى بلدنا يسير في ركب الحضارة من جديد، هي الأمل من أجل نهضة تربوية حقيقية وغد أفضل.
الركيزة الثالثة، وهي: أن التعليم رسالة وفن يهدف إلى إيصال العلم والمعرفة، وغرس القيم الإنسانية والوطنية عند الناشئة، وتصحيح المفاهيم الهامة مثل: الانتماء -الاحترام –قيمة العمل–الالتزام–المسؤولية-التضامن وغيرها من القيم والأخلاق التي حدث بها خلل عميق في مجتمعنا في السنوات الأخيرة. لابد للجيل الجديد أن يكون خلوقا، ذو عقل متنور، منفتح على الدنيا، ولابد أن يتقن العمل الجماعي، فالتعليم أداة قوية لتحقيق الحراك الاجتماعي من أسفل إلى أعلى، وما يترتب على ذلك من الحد من الفقر وتقريب الفوارق الطبقية. بمعنى آخر، التعليم أحد الأدوات الرئيسية لدمقرطة الهيكل الاجتماعي وتجديد النخب.
وختاما، يبقى القول إن أزمة التعليم اليوم لا يقف وراءها المعلم الفاشل والمتقاعس عن العمل أو الإطار التربوي اللامسؤول أو التجهيزات المدرسية الضعيفة أو القسم المكتظ أو البرامج المرتجلة أو الأسر الفقيرة، أو آباء وأولياء التلاميذ المشغولون عن مراقبة أبنائهم بالجري وراء لقمة العيش والمال، فكل هذه عوامل قد تكون من الأسباب التي أدت إلى معضلة تعليمنا، لكن تبقى أهم العوامل والأسباب تتلخص في الفساد المالي وغياب الحكامة في تدبير الميزانيات التي ترصد لهذا القـطاع، و كذا غياب السياسات العمومية الثابتة والواضحة والمحددة التي تشكل الإطار العام والمنارة الهادية للجهود التي تبذل بشكل مبعثر في كثير من الأحيان، وهذه الظاهرة ليست مغربية فقط، بل هي ظاهرة عربية عموما. ويؤدي هذا الغياب إلى ضعف المردودية والنتائج للمخططات والبرامج التي أنفقت عليها الدولة الملايين من الدراهم.
باختصار، التعليم في بلادنا يحتاج إلى رجال مخلصين، صادقين ينهضون به، وينقذونه من المأزق…!
هذه مجموعة من النقاط التي أسعفتني بها الذاكرة والبحث والتواصل مع نساء ورجال التعليم، وعلينا اليوم تجميع جهود جميع الأطراف المعنية بإصلاح التعليم الذي تراكمت مشاكله بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة. فالصورة واضحة لكن يتعين أن نبدأ مسيرة الإصلاح الحقيقي والفعال للتربية والتعليم، فقطار التقدم يسير بسرعة ولا ينتظر أحدا.