الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد بنمبارك: مقاربة مغربية جديدة فـي التعاطي مع ملف المدينتين السليبتين سبتة ومليلية

محمد بنمبارك: مقاربة مغربية جديدة فـي التعاطي مع ملف المدينتين السليبتين سبتة ومليلية محمد بنمبارك
العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الاسبانية‭ ‬قديمة‭ ‬ومتشعبة‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬عوامل‭ ‬التاريخ‭ ‬والسياسة‭ ‬والأرض‭ ‬والحدود‭ ‬والحروب‭ ‬والهجرة‭ ‬والتركة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والذاكرة،‭ ‬ثم‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬وصراع‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والتجادبات،‭ ‬ويتداخل‭ ‬فيها‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬بحسابات‭ ‬الماضي‭ ‬المثقل‭ ‬بالجراح‭ ‬والكبوات‭.‬

وقد‭ ‬تحكمت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬هواجس‭ ‬الخلافات‭ ‬والصراع‭ ‬حول‭ ‬مشاكل‭ ‬متعددة،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعقدة‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬لدى‭ ‬الاسبان،‭ ‬ملف‭ ‬المدينتين‭ ‬المحلتين‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية،‭ ‬أزمة‭ ‬جزيرة‭ ‬ليلى‭ ‬2002،‭ ‬والهجرة‭ ‬السرية،‭ ‬واتفاقيات‭ ‬الصيد‭ ‬البحري،‭ ‬ثم‭ ‬الواقعة‭ ‬التي‭ ‬انتفض‭ ‬فيها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬اسبانيا‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬2021‭ ‬وصلت‭ ‬حد‭ ‬القطيعة،‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتداعيات‭ ‬استقبال‭ ‬اسبانيا‭ ‬لزعيم‭ ‬البوليساريو‭ ‬ابراهيم‭ ‬غالي،‭ ‬متخفيا‭ ‬بجواز‭ ‬سفر‭ ‬مزور‭ ‬بتواطؤ‭ ‬مفضوح‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭. ‬

كانت‭ ‬بالفعل‭ ‬أزمة‭ ‬شديدة‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬المغرب‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الدفاع‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والتجاري‭.‬‭ ‬بل‭ ‬ذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬حين‭ ‬فتح‭ ‬أبوابه‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬سبتة،‭ ‬وحاصر‭ ‬موانئ‭ ‬اسبانيا‭ ‬الجنوبية‭ ‬ومدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬عندما‭ ‬دفع‭ ‬بالجالية‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬عبر‭ ‬موانئ‭ ‬فرنسا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬مما‭ ‬حرم‭ ‬المجالس‭ ‬البلدية‭ ‬الاسبانية‭ ‬بالجنوب‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬مالية‭ ‬بالمليارات‭ ‬من‭ ‬الأورو،‭ ‬وكبدها‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭.‬

عملية‭ ‬كسر‭ ‬عظم‭ ‬استمرت‭ ‬زهاء‭ ‬السنة‭ ‬خاضها‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الاسبان‭ ‬شغلت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬ومعارض،‭ ‬تحولت‭ ‬معها‭ ‬الأنظار‭ ‬والبلاغات‭ ‬والتصريحات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬إلى‭ ‬الرباط،‭ ‬التي‭ ‬صمدت‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العاصفة‭ ‬ورفعت‭ ‬سقف‭ ‬التحدي‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬أظهر‭ ‬فيها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬حنكته‭ ‬وعزمه‭ ‬وإرادته‭ ‬القوية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬اسبانيا‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭ ‬أو‭ ‬تردد‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬المغرب،‭ ‬كاشفا‭ ‬للإسبان‭ ‬أن‭ ‬دبلوماسية‭ ‬التسامح‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬والانحناء‭ ‬للعاصفة‭ ‬والتودد‭ ‬قد‭ ‬ولت‭. ‬مخيرا‭ ‬اسبانيا‭ ‬بين‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬كعنوان‭ ‬لباقي‭ ‬مجالات‭ ‬التعاون‭ ‬أو‭ ‬لاشيء‭.‬

إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬البيان‭ ‬المشترك‭ ‬ليوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬2022،‭ ‬الذي‭ ‬انتقل‭ ‬بالعلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الإسبانية‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬جديد،‭ ‬لماذا‭ ‬بالتحديد،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتحول‭ ‬السياسي‭ ‬النوعي‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الإسباني‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬وما‭ ‬سيترتب‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الرباط‭ ‬ومدريد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬ليتشارك‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬تقاسم‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬تؤسس‭ ‬لمرحلة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الاسبانية‭. ‬مرحلة‭ ‬تتميز‭ ‬بالشفافية‭ ‬والوضوح،‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬والافتراق‭ ‬والتباعد‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التفاهم‭ ‬والتقارب‭ ‬والتطلع‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬الواعد‭ ‬والقطيعة‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭.‬

فقد‭ ‬أصدرت‭ ‬الحكومة/‭ ‬الدولة‭ ‬الاسبانية‭ ‬بيانا‭ ‬صريحا‭ ‬واضحا‭ ‬أكدت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬على: "تعترف‭ ‬إسبانيا‭ ‬بأهمية‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمغرب،‭ ‬وبالجهود‭ ‬الجادة‭ ‬وذات‭ ‬المصداقية‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬متوافق‭ ‬بشأنه‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تعتبر‭ ‬إسبانيا‭ ‬المبادرة‭ ‬المغربية‭ ‬للحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬المغرب‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬الأكثر‭ ‬جدية‭ ‬وواقعية‭ ‬وذات‭ ‬المصداقية‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭.‬"

تعزز‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬بمحطة‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬حين‭ ‬انعقدت‭ ‬الدورة‭ ‬12‭ ‬للاجتماع‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬19‭ ‬اتفاقية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬متنوعة‭ ‬للتعاون،‭ ‬جاءت‭  ‬لتكريس‭ ‬الشراكة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والدينامية‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬بعد‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تفاهم‭ ‬عام‭ ‬منفتح‭ ‬حول‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬حاضرا‭ ‬ومستقبلا‭. ‬
في‭ ‬هاتين‭ ‬المحطتين‭ ‬الهامتين‭ ‬ابتعد‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬والخوض‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬المحتلتين،‭ ‬واكتفى‭ ‬البيان‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬بنده‭ ‬الثالث‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه: "سيتم‭ ‬الاستئناف‭ ‬الكامل‭ ‬للحركة‭ ‬العادية‭ ‬للأفراد‭ ‬والبضائع‭ ‬بشكل‭ ‬منظم،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الترتيبات‭ ‬المناسبة‭ ‬للمراقبة‭ ‬الجمركية‭ ‬وللأشخاص‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬البري‭ ‬والبحري‭.‬"

إذا‭ ‬كان‭ ‬العرف‭ ‬الدولي‭ ‬يقتضي‭ ‬تصفية‭ ‬ملف‭ ‬الاستعمار‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬ونهائي،‭ ‬فإن‭ ‬إسبانيا‭ ‬شدت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬تتلكأ‭ ‬وتتردد‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬تحرير‭ ‬كافة‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬بشماله‭ ‬وجنوبه‭. ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬المماطلة‭ ‬والتنطع‭ ‬والتأجيل‭ ‬وفق‭ ‬مسلسل‭ ‬متقطع‭ ‬عسير‭ ‬معقد‭ ‬وخلافي‭ ‬أرهق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬فكت‭ ‬عقدتها‭ ‬إزاء‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬ظلت‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬قضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمغرب‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬باستمرار‭ ‬احتلال‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬والجزر‭ ‬الجعفرية‭. ‬وظلت‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسبانية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬تنهج‭ ‬سياسة‭ ‬مناهضة‭ ‬مناوئة‭ ‬للمغرب،‭ ‬خلفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المتاعب‭ ‬والتصدع‭  ‬بين‭ ‬الدولتين‭.‬

فتحرير‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإسباني‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات: 1956 المنطقة‭ ‬الشمالية،‭ ‬1958‭ ‬طرفاية،‭ ‬1969‭ ‬سيدي‭ ‬إفني،‭ ‬1975‭ ‬منطقة‭ ‬الساقية‭ ‬الحمراء‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاق‭ ‬مدريد‭ ‬الثلاثي‭ ‬اسباني‭ ‬مغربي‭ ‬موريتاني‭ ‬معزز‭ ‬بالمسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬و1979‭ ‬منطقة‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬موريتانيا،‭ ‬و2022‭ ‬الاعتراف‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وبمبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للأقاليم‭ ‬الجنوبية‭. ‬

لكن‭ ‬التركة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاسبانية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تصفيتها‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬احتلال‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬(1580‭ ‬م)‭ ‬ومليلية‭ ‬(1497‭ ‬م)‭ ‬ثم‭ ‬الجزر‭ ‬المغربية‭ ‬ذات‭ ‬المواقع‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬والتي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬المغربية‭ ‬ولا‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬الساحل‭ ‬المغربي‭ ‬إلا‭ ‬بمئات‭ ‬الأمتار‭ ‬القليلة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭  ‬يقول‭ ‬الأديب‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬برادة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬رواياته: "يخيل‭ ‬لي‭ ‬أحيانا‭ ‬وأن‭ ‬الاسبان‭ ‬يحافظون‭ ‬على‭ ‬ملفي‭ ‬الصحراء‭ ‬وسبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬وكأنهم‭  ‬يعانقون‭ ‬الصليب"‭. ‬

وقد‭ ‬تعددت‭ ‬المبادرات‭ ‬والنداءات‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استكمال‭ ‬تحرير‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لدى‭ ‬اسبانيا‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬وثغور‭ ‬محتلة،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬آذانا‭ ‬صاغية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مدريد،‭ ‬التي‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬معارضة‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬حول‭ ‬وضعية‭ ‬المدينتين‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬والجزر‭ ‬الصغيرة‭ ‬بالضفة‭ ‬الجنوبية‭ ‬المتوسطية،‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬وأشكال‭ ‬الحوار‭ ‬السلمي،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬للملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬اقترح‭ ‬أواسط‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فتح‭ ‬نقاش‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬خلية‭ ‬تفكير،‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬التجربة‭ ‬البريطانية‭ ‬/‭ ‬الصينية‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬"هونغ‭ ‬كونغ"‭. ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬للملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬سنة‭ ‬2002‭ ‬أن‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬"تشكيل‭ ‬خلية‭ ‬مشتركة‭ ‬لإنهاء‭ ‬وتسوية‭ ‬قضية‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬والجزر‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أراض‭ ‬مغربية،‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬التاريخية‭ ‬والسيادية‭ ‬للمملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬والمصالح‭ ‬الإسبانية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التوافق"‭.‬

الردود‭ ‬الإسبانية‭ ‬على‭ ‬المطالب‭ ‬المغربية‭ ‬تأتي‭ ‬متعددة‭ ‬الأشكال‭ ‬والمناحي،‭ ‬بعضها‭ ‬استفزازي،‭ ‬كزيارة‭ ‬ملك‭ ‬إسبانيا‭ ‬خوان‭ ‬كارلوس‭ ‬إلى‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬المحتلتين‭ ‬سنة‭ ‬2007،‭ ‬واعتماد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الوضع‭ ‬الاستعماري‭ ‬للمدينتين،‭ ‬كتطبيق‭ ‬قانون‭ ‬الأجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬بأسبنة‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬ومنح‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي‭ ‬لهما،‭ ‬وإخضاعهما‭ ‬لمجال‭ ‬التغطية‭ ‬العسكرية‭ ‬للناتو‭ ‬واتخاذ‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحركات‭ ‬العسكرية‭ ‬المقلقة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬المدينتين‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستفزازات‭ ‬العسكرية‭ ‬الاسبانية،‭ ‬فإن‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬«الناتو»‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بانتماء‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬إلى‭ ‬التراب‭ ‬الإسباني،‭ ‬ولا‭ ‬يشملهما‭ ‬بالحماية‭ ‬عكس‭ ‬باقي‭ ‬الأراضي‭ ‬الإسبانية‭. ‬

تحاول‭ ‬إسبانيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬إقحام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬عبر‭ ‬تصريحات‭ ‬لكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بهذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الحدود‭ ‬الأوربية‭. ‬وقد‭ ‬زكى‭ ‬«جوزيب‭ ‬بوريل»‭ ‬الممثل‭ ‬السامي‭ ‬للشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬موقف‭ ‬نائبه‭ ‬اليوناني‭ ‬«مارغريتيس‭ ‬شيناس»‭ ‬بشأن‭ ‬تبعية‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬لإسبانيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إن‭ ‬«مؤسسات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أعادت‭ ‬التأكيد‭ ‬علنا‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬المعروف‭ ‬جيدا‭ ‬بشأن‭ ‬أهمية‭ ‬حماية‭ ‬الحدود‭ ‬الخارجية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي»،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬«شيناس»‭ ‬بأن‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬«مدينتَين‭ ‬إسبانيتَين»‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬«أراض‭ ‬تابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتشكل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬حدوده‭ ‬الخارجية»‭. ‬وهو‭ ‬مــا‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬دوافع‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬ذو‭ ‬الطبيعة‭ ‬الثنائية‭ ‬الصرفة‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬فيه‭ ‬المغرب‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬حدود‭ ‬برية‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬اسبانيا،‭ ‬مؤكدا‭ ‬ان‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬تعتبران‭ ‬ثغران‭ ‬محتلان‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬نقط‭ ‬عبور‭ ‬بسيطة‭.‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬والحالة‭ ‬هاته‭ ‬بروز‭ ‬أية‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬اسباني‭ ‬للحوار‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬إسبانيا‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬لقاءات‭ ‬سرية‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬لتصفية‭ ‬ملف‭ ‬استعمار‭ ‬جبل‭ ‬طارق‭. ‬ففي‭ ‬إحدى‭ ‬تصريحات‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬ربط‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬بين‭ ‬مستقبل‭ ‬جبل‭ ‬طارق‭ ‬ومستقبل‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭. ‬فبقدر‭ ‬حرص‭ ‬إسبانيا‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬بقدر‭ ‬حرص‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ترابه‭. ‬

الرفض‭ ‬الإسباني‭ ‬القوي‭ ‬للمبادرات‭ ‬المغربية‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬التاريخي‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭  ‬احتلال‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية،‭ ‬دفع‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬نهجه‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مرتبطا‭ ‬فقط‭ ‬بمسألة‭ ‬تصفية‭ ‬استعمار،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المدينتين‭ ‬شكلا‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬نزيفا‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬

وإدراكا‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬بأهمية‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية،‭ ‬اللتان‭ ‬تضمان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الأصول‭ ‬المغربية‭ ‬واعتناقها‭ ‬للديانة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وبكون‭ ‬المدينتين‭ ‬يعتمدان‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأمنية‭ ‬وبارتباط‭ ‬رفاهية‭ ‬ساكنتها‭ ‬وازدهار‭ ‬نشاطها‭ ‬التجاري‭ ‬والسياحي‭ ‬ببلدنا،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬العمل‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬على‭ ‬تفادي‭ ‬سياسة‭ ‬المواجهة‭ ‬والتخفيض‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬النداءات‭ ‬للحوار‭ ‬والتفاوض،‭ ‬باعتماد‭ ‬إستراتيجية‭ ‬مغايرة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كقوة‭ ‬ضاربة،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬تتوخى‭ ‬النهوض‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشمال‭ ‬وإنجاز‭ ‬مشاريع‭ ‬كبرى‭ ‬لتحقيق‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬لتحسين‭ ‬المؤشرات‭ ‬السوسيوـ‭ ‬اقتصادية،‭ ‬مما‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬ساكنة‭ ‬المنطقة‭.‬

ولابد‭ ‬أن‭ ‬نسجل‭ ‬هنا‭ ‬كذلك‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬يضطلع‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مكافحة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬ومحاربة‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تتاجر‭ ‬في‭ ‬البشر‭. ‬فمدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬أصبحتا‭ ‬نقطتي‭ ‬جذب‭ ‬للمهاجرين‭ ‬المغاربة‭ ‬والأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬واسبانيا‭ ‬تعتمد‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬إبعاد‭ ‬المهاجرين‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬بلعب‭ ‬دور‭ ‬الدركي‭.‬

عرفت‭ ‬منطقة‭ ‬الشمال‭ ‬والجهة‭ ‬الشرقية‭ ‬تحولا‭ ‬كبيرا‭ ‬بفضل‭ ‬المشاريع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬والبنيات‭ ‬التحية‭ ‬الهائلة‭ ‬المنجزة‭. ‬وقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬تقارير‭ ‬اسبانية‭ ‬عدة‭ ‬تهتم‭ ‬بشؤون‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬أن‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يخنق‭ ‬اقتصاد‭ ‬المدينتين‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬الحركية‭ ‬التجارية‭ ‬والسياحية‭ ‬بهـما‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬وأضخم‭ ‬المشاريع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنجازها،‭ ‬نجد‭ ‬ميناء‭ ‬طنجة‭ ‬المتوسط‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تدبير‭ ‬ومعالجة‭ ‬الحاويات،‭ ‬يشكل‭ ‬قطبا‭ ‬صناعيا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬1100‭ ‬شركة‭ ‬عالمية‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬«صناعة‭ ‬السيارات،‭ ‬الطائرات،‭ ‬النسيج‭ ‬واللوجيستيك‭ ‬والخدمات‭ ‬بمعاملات‭ ‬تفوق‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬أورو»،‭ ‬مما‭ ‬أصبح‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لموانئ‭ ‬الشحن‭ ‬الاسبانية‭.‬

ويأتي‭ ‬كذلك‭ ‬مشروع‭ ‬تهيئة‭ ‬موقع‭ ‬بحيرة‭ ‬«مارشيكا»‭ ‬الذي‭ ‬غير‭ ‬ملامح‭ ‬مدينة‭ ‬الناظور‭ ‬القريبة‭ ‬لمدينة‭ ‬مليلية،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الوجهات‭ ‬السياحية‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬حركية‭ ‬اقتصادية‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬السياحة‭ ‬«وحدات‭ ‬سكنية‭ ‬وفندقية،‭ ‬ميناء‭ ‬ترفيهي،‭ ‬محلات‭ ‬تجارية‭ ‬استقطبت‭ ‬كبار‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬العالمية،‭ ‬كورنيش‭ ‬الناظور،‭ ....‬»،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬ميناء‭ ‬الناظور‭ ‬غرب‭ ‬المتوسط‭ ‬الذي‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬قطبا‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا‭ ‬للاستثمار‭.‬

النهضة‭ ‬التنموية‭ ‬شملت‭ ‬كذلك‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬الطرقية‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬وترميم‭ ‬مدن‭ ‬الشمال‭ ‬وتشييد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬السياحية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التجارية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬وغيرها،‭ ‬مما‭ ‬جعلها،‭ ‬بامتياز،‭ ‬قبلة‭ ‬للمستثمرين‭ ‬وللسياح‭ ‬الوطنيين‭ ‬والأجانب‭.‬

السياسة‭ ‬التنموية‭ ‬المنتهجة‭ ‬في‭ ‬أقاليمنا‭ ‬الشمالية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عبثا‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الصدفة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مخططا‭ ‬مدروسا‭ ‬وذا‭ ‬أبعاد‭ ‬إستراتيجية‭ ‬محكمة‭ ‬توخت،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المعلنة،‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬المدينتين‭ ‬المحتلتين‭ ‬وإعادة‭ ‬تحويل‭ ‬بيئة‭ ‬التهريب‭ ‬المعيشي‭ ‬بالمناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬المحاذية‭ ‬لمدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬أنشطة‭ ‬منظمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬والتموقع‭ ‬بالتالي‭ ‬كمنافس‭ ‬استراتيجي‭ ‬لإسبانيا‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعترف‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬يتجه‭ ‬ليصبح‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وسيكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬كلمته‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الجوار‭.‬

ويأتي‭ ‬الحديث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬القرار‭ ‬الهام‭ ‬والشجاع‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬بإغلاق‭ ‬معبري‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬سنة‭ ‬2020،‬وذلك‭ ‬كجواب‭ ‬مباشر‭ ‬وترجمة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭  ‬لسياسته‭ ‬المنتهجة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬لتنمية‭ ‬مدن‭ ‬الشمال‭. ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬كبير‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬ مع‭ ‬المدينتين‭ ‬المحتلتين،‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬التهريب‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬بالتهريب‭ ‬المعيشي‭ ‬الذي‭ ‬كرس‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأربع‭ ‬الأخيرة‭ ‬أشكالا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬والآلام‭ ‬والمعاناة‭ ‬وظروف‭ ‬العمل‭ ‬المحفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬(أزيد‭ ‬من‭ ‬3500‭ ‬امرأة‭ ‬تحمل‭ ‬السلع‭ ‬الاسبانية‭ ‬في‭ ‬أكياس‭ ‬ضخمة‭ ‬فوق‭ ‬ظهورهن‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬طفل‭ ‬قاصر‭ ‬في‭ ‬معبر‭ ‬سبتة،‭ ‬وذلك‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬برلماني)،‭ ‬كما‭ ‬كلف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬خسائر‭ ‬مهمة‭ ‬(حسب‭ ‬إدارة‭ ‬الجمارك‭ ‬والضرائب‭ ‬غير‭ ‬المباشرة،‭ ‬فإن‭ ‬تدفق‭ ‬السلع‭ ‬عبر‭ ‬المدينتين‭ ‬يمثل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و20‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الإجمالي‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬دخول‭ ‬البضائع‭ ‬فتقدر‭ ‬بأزيد‭ ‬من‭ ‬1600‭ ‬طن‭ ‬يوميا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية،‭ ‬وتشمل‭ ‬مواد‭ ‬غذائية،‭ ‬ملابس،‭ ‬سجائر،‭ ‬مشروبات‭ ‬كحولية،‭ ‬قطع‭ ‬غيار‭ ‬السيارات،‭ ‬عجلات‭ ‬مطاطية،‭ ‬أدوات‭ ‬التجهيز،‭ ‬المنتجات‭ ‬الصحية‭ ‬ومستحضرات‭ ‬التجميل،‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وغيرها)‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬المخاطر‭ ‬الصحية‭ ‬الكبيرة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬استهلاك‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬لمنتجات‭ ‬مهربة،‭ ‬ممنوعة‭ ‬من‭ ‬التسويق‭ ‬داخل‭ ‬المدينتين‭ ‬المحتلتين،‭ ‬لكونها‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للرقابة‭ ‬(تزوير‭ ‬مغلفات‭ ‬المنتجات‭ ‬المهربة‭ ‬وتاريخ‭ ‬انتهاء‭ ‬الصلاحية)‭ ‬وكونها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬معايير‭ ‬السلامة‭ ‬الصحية‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭.‬

رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬سبتة‭ ‬خوان‭ ‬فيفاس‭ ‬قال: "إن‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬المدينة‭ ‬الخاضعة‭ ‬للنفوذ‭ ‬الاسباني‭ ‬خطير‭ ‬جدا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬تدخل‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬لمدريد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدارك‭ ‬الأمر،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬أمام‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الحدودي"‭.‬

أما‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬لمليلية‭ ‬فقال‭ ‬إنه: "في‭ ‬حالة‭ ‬استمرار‭ ‬إغلاق‭ ‬الجمارك‭ ‬البرية‭ ‬المفتوحة‭ ‬منذ‭ ‬50‭ ‬سنة‭ ‬ستتكبد‭ ‬المدينة‭ ‬خسائر‭ ‬بالملايين"‭. ‬تقارير‭ ‬اسبانية‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬المعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬للتهريب‭ ‬المعيشي‭ ‬تبلغ‭ ‬لمدينة‭ ‬مليلية‭ ‬وحدها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملياري‭ ‬أورو‭ ‬(2,2‭ ‬مليار‭ ‬دولار)‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬إغلاق‭ ‬معبري‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وهذا‭ ‬معطى‭ ‬طبيعي،‭ ‬إلى‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادي‭ ‬وبطالة‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المجاورة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستفيد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التهريب‭ ‬(الناظور،‭ ‬تطوان،‭ ‬الفنيدق‭ ‬والمضيق)،‭ ‬فإن‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬قد‭ ‬بادرت‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬الآنية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدماج‭ ‬النساء‭ ‬المتضررات‭ ‬من‭ ‬إيقاف‭ ‬المعبرين‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬وحدات‭ ‬للنسيج‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬دخل‭ ‬آخر‭ ‬ومستدام‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المشاريع‭ ‬الهيكلية‭ ‬الكبرى‭ ‬المنجزة‭ ‬بكافة‭ ‬مناطق‭ ‬الشمال‭ ‬والجهة‭ ‬الشرقية‭ ‬قد‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬فرص‭ ‬للشغل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬استيعاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬القطاعات،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬البرامج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الموفرة‭ ‬لفرص‭ ‬الشغل‭ ‬كالمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬تدابير‭ ‬الدعم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لحاملي‭ ‬المشاريع‭.‬

إن‭ ‬وضع‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬سيظل‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭. ‬فمواقف‭ ‬كلا‭ ‬البلدين،‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬واضحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وبناء‭ ‬جسور‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬والبيئية‭ ‬وغيرها،‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬والأحزاب‭ ‬اليمينية،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬و"فوكس"،‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬للتشويش‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الاسبانية،‭ ‬عبر‭ ‬ممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المعـاد‭ ‬انــتخابه،‭ ‬السيد‭ ‬"بيدرو‭ ‬سانشيز"‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬بلاده‭ ‬الحيوية‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سعيه‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬الرباط‭ ‬كشريك‭ ‬استراتيجي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬منصة‭ ‬جنوبية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تكريس‭ ‬التعاون‭ ‬وتوسيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأمن‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والمخدرات‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭. ‬

ومن‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية،‭ ‬ومنذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬المغربي‭ ‬الاسباني‭ ‬التاريخي‭ ‬(أبريل‭ ‬2022)‭ ‬تواصل‭ ‬الصحافة‭ ‬الاسبانية‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬وشخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬بالبرلمان،‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغوطها‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬اليسارية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬السيد‭ ‬«سانشيز»‭ ‬لفك‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬لغزا‭ ‬أو‭ ‬شفرة‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وتطالب‭ ‬بمعرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬والتي‭ ‬أعلن‭ ‬فيها‭ ‬دعم‭ ‬إسبانيا‭ ‬لمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬تلك‭ ‬الصحف‭ ‬تتابع‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الاسبانية‭ ‬إلى‭ ‬نظيرتها‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬تتطرق‭ ‬لموضوع‭ ‬مغربية‭ ‬مدينتي‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭. ‬وللابتعاد‭ ‬بالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬عن‭ ‬المناوئين‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭ ‬السيادي‭ ‬للحكومة،‭ ‬ردت‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالرفض‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬الوثيقة‭ ‬معتبرين‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬الإضرار‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭. ‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬إعادة‭ ‬انتخاب‭ ‬«بيدرو‭ ‬سانشير»‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الحكومة‭ ‬مجددا‭ ‬بعد‭ ‬نيله‭ ‬ثقة‭ ‬البرلمان‭ ‬منتصف‭ ‬نونبر‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وتحصينها‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬المناوئة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬إسبانيا‭ ‬للتقارب‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬ويفتح‭ ‬آفاق‭ ‬واسعة‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬مشروع‭ ‬الربط‭ ‬الثابت‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬جبل‭ ‬طارق،‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬واسبانيا‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬قارتين‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأوروبا‭.‬

أما‭ ‬بشأن‭ ‬وضعية‭ ‬المدينين‭ ‬السليبتين‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬سيظل‭ ‬ينهج‭ ‬سياسة‭ ‬الصمت‭ ‬إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الملـف،‭ ‬والتلـويح‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬للإسبان‭ ‬بأن‭ ‬هــذا‭ ‬الصمت‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬طي‭ ‬الملف‭. ‬ففي‭ ‬غياب‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬المدينتين،‭ ‬سيبقى‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المغاربة‭ ‬يتفاقم‭ ‬ويلعب‭ ‬دور‭ ‬العائق‭ ‬أمام‭ ‬تطور‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭. ‬لم‭ ‬ترق‭ ‬المطالب‭ ‬المغربية‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تدويل‭ ‬الملف‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬فالانشغال‭ ‬المغربي‭ ‬بالأساس‭ ‬مركز‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬الأولى‭ ‬الصحراء،‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬لتشتيت‭ ‬الجهود‭ ‬وتوسيع‭ ‬جبهات‭ ‬النزاع،‭ ‬والإسبان‭ ‬يدركون‭ ‬ذلك‭ ‬جيدا‭. ‬
 
محمد بنمبارك/ دبلوماسي سابق