Tuesday 6 May 2025
سياسة

إخماد الملفات الحارقة.. العناق الممكن بين المغرب وإسبانيا!

إخماد الملفات الحارقة.. العناق الممكن بين المغرب وإسبانيا!
ينظر‭ ‬المراهنون‭ ‬على‭ ‬انفجار‭ ‬البراكين‭ ‬الخامدة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬البلدين‭ ‬الجارين‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬نزع‭ ‬فتيل‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأصعدة،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الملفات‭ ‬الحارقة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬ينذر‭ ‬بقرع‭ ‬طبول‭ ‬الحرب،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها:‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬المحتلتين؛‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية؛‭ ‬تدبير‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬الصحراوي؛‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الأطلسي؛‭ ‬التسلح‭.. ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬خلافية،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬«وساطة‭ ‬دولية»‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حلحلتها‭.‬
 
ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منتظرا،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهؤلاء،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الرباط‭ ‬ومدريد‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬«البيان‭ ‬المشترك»‭ ‬للسابع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬2022،‭ ‬وفي‭ ‬التعاطي‭ ‬بكل‭ ‬مرونة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرشحة‭ ‬للانفجار،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬الخصوم،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الجزائر‭ ‬واليمين‭ ‬واليسار‭ ‬المتطرف‭ ‬الإسباني،‭ ‬يراهنون‭ ‬عليها‭ ‬ويغذونها‭ ‬ببياناتهم‭ ‬وتصريحاتهم‭ ‬الإعلامية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مداخلاتهم‭ ‬في‭ ‬المنتديات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والدولية،‭ ‬إصرارا‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬الثغرة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬«مسافة‭ ‬الأمان»‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬البلدان‭ ‬مرحلة‭ ‬«الجوار‭ ‬الهادئ‭ ‬والآمن»‭.‬

لقد‭ ‬تأكد‭ ‬بالملموس‭ ‬أن‭ ‬مدريد‭ ‬التقطت‭ ‬جيدا‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬شركائه،‭ ‬فحسمت‭ ‬أمرها‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬الحبلين‭ ‬«مثلما‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تفعل‭ ‬باريس»،‭ ‬وذلك‭ ‬باعترافها‭ ‬بمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي‭ ‬واعتباره‭ ‬«الأساس‭ ‬الأكثر‭ ‬جدية‭ ‬وواقعية‭ ‬ومصداقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسوية‭ ‬الخلاف‭ ‬المتعلق‭ ‬بالصحراء‭ ‬المغربية»‭. ‬ورد‭ ‬المغرب‭ ‬بالمثل‭ ‬حين‭ ‬اجتمع‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬قصره‭ ‬بالرباط‭ ‬برئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية‭ ‬بيدرو‭ ‬سانشيز‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2022،‭ ‬وأصدرا‭ ‬بيانا‭ ‬مشتركا‭ ‬اعتبر‭ ‬قي‭ ‬حينه‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للعلاقة‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭  ‬بناء‭ ‬«علاقة‭ ‬آمنة»‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ملفات‭ ‬عالقة‭ ‬تشبه‭ ‬الألغام،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬صفحة‭ ‬«المرحلة‭ ‬الجديدة»‭ ‬يتطلب،‭ ‬أولا،‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات‭ ‬بما‭ ‬يراعي‭ ‬النقاط‭ ‬الخلافية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية‭ ‬ووضع‭ ‬المدينتين‭ ‬المحتلتين‭ ‬والمعابر‭ ‬البرية،‭ ‬وتدبير‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬صراحة‭ ‬البيان‭ ‬المشترك،‭ ‬وهو‭ ‬حل‭ ‬جميع‭ ‬الخلافات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تشاركي‭ ‬وتوافقي‭ ‬يراعي‭ ‬مصلحة‭ ‬البلدين‭ ‬وحقوقهما‭ ‬التاريخية‭ ‬والاقتصادية‭.‬
 
لا‭ ‬أحد‭ ‬الآن‭ ‬يشكك‭ ‬في‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬لمسؤولي‭ ‬البلدين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسوية‭ ‬الخلافات‭ ‬والتفاوض‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنعت‭ ‬بـ‭ ‬«الحارقة»،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بيدرو‭ ‬شانشيز‭ ‬وجه‭ ‬كلامه‭ ‬لزعماء‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬قائلا:‭ ‬«إذا‭ ‬أراد‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسة‭ ‬بديلة،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يوضح‭ ‬للإسبان‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬متوافقة‭ ‬مع‭ ‬برنامج‭ ‬تعميق‭ ‬الحكومة‭ ‬لعلاقة‭ ‬«استراتيجية»‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭  ‬تفيد‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬وجزر‭ ‬الكناري‭ ‬والأندلس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص»‭. ‬
 
وترتكز‭ ‬السياسة‭ ‬البديلة‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬سانشيز‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬وعلى‭ ‬اعتماد‭ ‬«التوازن‭ ‬الإيجابي»‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬جميع‭ ‬النقط‭ ‬الخلافية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالذات‭ ‬التي‭ ‬تتميز،‭ ‬حسب‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسباني‭ ‬ألباريس،‭ ‬بالعلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬والشخصية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬ملك‭ ‬المغرب‭ ‬ورئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬الثقة‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬المنهجي‭ ‬لإنهاء‭ ‬جميع‭ ‬الخلافات،‭ ‬وتركيز‭ ‬النظر‭ ‬حول‭ ‬المستقبل،‭ ‬وفق‭ ‬المنهجية‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬«رابح/رابح»‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬إذ‭ ‬ركز‭ ‬الطرفان،‭ ‬أولا،‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬نقاط‭ ‬الالتقاء‭ ‬حول‭ ‬سبل‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬وتنويع‭ ‬وتوسيع‭ ‬سبل‭ ‬التعاون‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والأمني‭ ‬والثقافي‭ ‬والتربوي؛‭ ‬وثانيا‭ ‬على‭ ‬الوضوح‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النقط‭ ‬الخلافية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬سانشيز‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬الموقف،‭ ‬كما‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬إمكانة‭  ‬تحقيق‭ ‬تقدّم‭ ‬واتفاق‭ ‬حول‭ ‬«القضايا‭ ‬الحارقة»‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يرضي‭ ‬الطرفين،‭ ‬ويحقق‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬ملفات‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬الملف‭ ‬الأمني،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭. ‬
 
إن‭ ‬تركيز‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬نقط‭ ‬الالتقاء‭ ‬مع‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬الخلافية‭ ‬يزكي‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬ماضيان‭ ‬في‭ ‬نزع‭ ‬جميع‭ ‬فتائل‭ ‬الصراع،‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬شراكة‭ ‬كاملة،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬الشركات‭ ‬المختلطة،‭ ‬وإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬حصص‭ ‬السوق،‭ ‬وإقامة‭ ‬برنامج‭ ‬استثمار‭ ‬إسباني‭ ‬جديد‭ ‬ومباشر،‭ ‬وإطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للسكك‭ ‬الحديدية‭ ‬والطرق،‭ ‬وتنسيق‭ ‬أكبر‭ ‬للموانئ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المضيق‭ ‬وجزر‭ ‬الكناري،‭ ‬نفق‭ ‬المضيق،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بإقامة‭ ‬مشاريع‭ ‬أخرى‭ ‬مشتركة‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬جيوسياسية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬المغرب/نيجيريا‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬استراتيجي‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬إسبانيا‭ ‬بوابة‭ ‬المغرب‭ ‬نحو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والمغرب‭ ‬بالمثل‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية" الوطن الآن"