دائما ما كان يثير انتباهي، وأنا أركض على كورنيش الرباط أن عددا من المسنين، وجلهم من سكان الأحياء المجاورة يفترشون الكرتون على المقاعد الاسمنتية ويديرون للأطلسي ظهورهم. يفضلون بكثير، مشاهدة أمواج السيارات، عوض تأمل حركة البحر. وكنت دائما اتساءل أية علاقة كانت للمغاربة مع البحر؟ فـأمام عيني وهنا والان، وعلى طول المحيط تم إسْكان ومنذ زمن بعيد الفئات الهشة قبل أن تنقلب الرغبات ومن جديد يُقذف بالسكان من هنا والان، من البحر الى البر.
ولعله من الصعب جدا فهم تاريخ المغرب، دون اعطاء كل ذي حق حقه في ثلاثية جغرافيته. الصحراء والبحر والجبال، فسي عبد الكريم الجويطي، يعتبر أن أهم ما انجزته فرنسا في المغرب هو ضبطها وتحكمها في الجبل. هذا الأمر الذي لم يستطع ان يقوم به احد في تاريخ المغرب إلى غاية فترة الاستعمار الفرنسي، إذا ما استثنينا 30 سنة فقط من فترة حكم مولاي اسماعيل حيث كان الجبل دائما مصدر قلاقل وتوتر ابدي. ورغم ذالك فماهو مكتوب على الجبال لازال محدودا جدا، إذا ما قورن بالدراسات التي تناولت دور الصحراء في التطور الحضاري للمملكة. أما البحر فحظه والجبل سيان، رغم امتداد جغرافية بلدنا بين، بحرِِِِ شَـكَلَ مهد الحضارة البشرية، ومحيط كان مسارا لاكتشاف عوالم جديدة. فما نعرفه عن هذا البحر وذاك المحيط جد محدود مقارنة بما جادا به اقتصاديا وحضاريا عبر العصور.
أما اجتماعيا فرغم أن المطبخ المغربي يعيش تحولا سريعا فلازال، معدل استهلاك السمك بالنسبة للمغاربة مابين 10 و12 كيلو في السنة. في بلد ينتج مليون طن من السمك سنويا وله 500 نوع يستغل منها الان 60 نوعا فقط. في حين ان معدل الاستهلاك على المستوى الدولي يتجاوز 17 كيلو للفرد سنويا حسب منظمة الأغدية والزراعة الفاو.
وحيث أن البحر الابيض المتوسط ظل متفوقا على المحيط الأطلسي منذ التاريخ القديم الى غاية القرن الخامس عشر .اي مرحلة ظهور المغامرين والمكتشفين لعوالم جديدة، حسب ما يرى الأستاذ الحسين بولقطيب وبالتالي فقد كان له الحظ الأوفر في الدراسة مقارنة بالمحيط الأطلسي، الذي كان يطلق عليه العرب في العصور الوسطى “بحر الظلمات “ لأن الشمس كانت تغرب وتغطس في بحر كان يُعتقد أنه نهاية الكرة الأرضية. وقد ذُكر بحر الظلمات في مقدمة ابن خلدون وفي "نزهة المشتاق في اختراق الافاق "للشريف الادريسي وغيره من الكتب.
هذا المحيط الذي يستوعب 20% من الكرة الأرضية، وساهم في توسع الحضارة الغربية بين الأمريكيتين، وربط بين العالم القديم، "اروبا وافريقيا "من جهة والعالم الجديد الأمريكيتين من جهة أخرى.
فإفريقيا وحدها بها ما لايقل عن 23 دولة مطلة عليه. أي إن اكثر من نصف القارة الإفريقية الان يمكن لها في هذا الحلم المغربي أن تعيد الى المحيط الأطلسي شراعها، وتنطلق نحو العالم الذي لم يعد جديدا وأن لا يبقى افقها فقط رهين مسار رسمه الاستعمار الأروبي في حينه.
وإذا كان من المعروف أن الذي يملك البحر يملك الثروة، حسب قول المؤرخ الفرنسي F.Braudel، وأضاف أن البحر لا يقبل إلا سيدا واحدا. فملك المغرب وجه نداءا للقادة الأفارقة من أجل التعاون الجماعي والاستثمار الافقي والاستغلال المشترك، بل زاد ووضع ما لذا المغرب من تجهيزات رهن إشارة كل منخرط في مشروع قارة، فهل أن الاوان لكي يقول المغاربة للقَرْصان السلاوي ابن عائشة انهم يعرفون أيضا ركوب المحيط، وليس فقط، ركوب الجياد كما قال عنهم في رسالة موجهة إلى سكرتير فرنسا ponchartain؟
وهل حلت ساعة طلوع الشمس من المحيط بدل الغروب فيها؟