الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: وزير العدل الفرنسي.. وداعا لحرية التعبير

إدريس الأندلسي: وزير العدل الفرنسي.. وداعا لحرية التعبير إدريس الأندلسي
قطاع غزة والدكتاتورية المقبلة
قرأت بكثير من الوعي دورية  السيد "ديبون موريتي" ولم أتفاجأ بمآل فرنسا على الصعيد الحقوقي. دورية تمنع التنفس والكلام والتعبير، صادرة عن محامي أصبح وزيرا دون مسار سياسي واستثمر وقته في صنع صورة مسرحية في المحاكم. ومع تراجع الممارسة السياسية بعد وصول ماكرون، تراجع منسوب القيم والتكوين السياسي في تدبير الشأن العام.
غاب الحزب لصالح حركة تجمع أفراد دون هوية وانتماء. وأصبح من الممكن مهاجمة مبادىء حقوق الإنسان في بلد رفع شعار "حرية، أخوة، مساواة". مسار في منحدر يتنكر لكل القيم الحضارية وقد  يضع فرنسا في نفق يقود إلى الدكتاتورية بأشكال " ناعمة" ومبنية على التأثير على الرأي العام عبر السيطرة على وسائل الإعلام بما في ذلك قنوات التلفزيون وشبكات التواصل الإجتماعي بقوة الرأسمال وبالسيطرة على سوق الأسهم حتى أصبحت هذه القنوات تتكلم بصوت وحيد وبمباركة سياسية. 
ولكل ما سبق، لاحظت القوة السياسية المسيطرة على القرار السياسي أن هناك جيوب مقاومة متكاثرة تعاكس طموحها في توجيه الجميع إلى طريق واحد. وجاءت تطورات القضية الفلسطينية في قطاع غزة وكل المآسي التي نتجت عنها بالنسبة للمدنيين، لتبين أن الأمر أكبر مما حدث وما سيحدث. بدأت حكومة إسرائيل مسلسل دمار هدفه إفراغ غزة وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وإعادة احتلال القطاع. وهذا يحتاج إلى سلاح أمريكا وأوروبا وتكميم كل الافواه التي لا زالت تتكلم عن مأساة الشعب الفلسطيني وضرورة دعم حقوقه في أرضه وحماية مقدساته. 
ولتكميم الأفواه ومنع خطابات حماة حقوق الإنسان وتقديس الصهيونية وإسكات المعارضين وشل كل من له رأي في القضية الفلسطينية ضد الاحتلال،  تطوعت فرنسا لفتح باب الظلم والتنكر لماضيها.  المحامي "ديبون" كان مخلصا لمن املى عليه نص دورية خبيثة وغارقة في التنكر لحقوق الإنسان ولتاريخ فرنسا وقياداتها الفكرية والتاريخية.
وهكذا جاء نص قانوني صريح يجرم كل قول أو رأي  أو رد فعل وربما يتطور الأمر  إلى مجال الأحلام في الدفاع عن حقوق شعب فلسطيني تعرض لغزو من طرف عصابات إرهابية بمباركة إنجليزية وأوروبية وأمريكية. 
ماذا تقول دورية "حامل الأختام" الفرنسي والمحامي السابق والمحب لأداء ادوار مسرحية والآتي إلى السياسة من باب اضعاف المدارس الحزبية. قبل ذلك أود القول أن قراءة هذه الدورية الوزارية المشينة ذكرتني بأغنية شيخ إمام " ممنوع من الكلام، ممنوع من  السكات، ممنوع من الاستياء،  ممنوع  من الاشتياق...وفي كل يوم في حبك تزيد الممنوعات... وفكل يوم بحبك أكثر  من اللي فات" .
ذكرت الدورية بما جرى في غزة ومحيطها المحتل والآثار الممكنة التي يمكن تنتج عنه في فرنسا. وللتذكير فإن المواقف الرسمية الفرنسية لا تعير أية أهمية لجزء كبير من الفرنسيين بما فيهم ملايين العرب والمسلمين وحملة الفكر الحر والمنتمين إلى قراءة موضوعية للتاريخ. وللتذكير فإن فرنسا غدرت بدول المغرب الكبير وإفريقيا التي ساهمت في تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وقررت الإستمرار في استعمار الكثير من الدول عكس إنجلترا. وأكثر من هذا زاد بطشها الإستعماري حتى سنة 1955. وكانت التهمة الموجهة للمناضلين من أجل الاستقلال آنذاك هي الإرهاب.  ولا زال سلوك سلطات فرنسا قائما رغم العقود التي مضت. أن تساند شعب فلسطين أو أن تتكلم عن فظائع إسرائيل في الضفة الغربية وفي القطاع وفي القدس فإنك تساند الإرهاب. وهذا يمكن أن يدخل السياسي  والنقابي والجمعوي والمثقف والمواطن العادي والصحافي والجالس في مقهى إلى السجن في فرنسا " الحرية والإخاء والمساواة". وهذا ستكون له نتيجة واحدة هي زيادة عزلة فرنسا دوليا في كل بلدان العالم الإسلامي والعربي والأفريقي والآسيوي. 
لكل ما سبق فأنت أيها المواطن مجرم ومتواطئ مع الإرهابيين ومشجعا للإرهاب وضد السامية إذا  قمت أو نقل عنك أنك قمت بما يلي: أن تكون لكلامك أو لصور استعملتها  أو  لأية أعمال أخرى آثار على نفسية متضرر أو شرفه  أو انتماءه أو "عدم انتماءه " إلى عرق أو دين أو مجموعة بشرية فإنك خرقت القانون الجنائي الفرنسي.
إذا شاركت في نقاش وكان لأقوالك أثر على آراء الغير في تقديره لفعل أنه غير إرهابي ولو كان في إطار حوار ذو منفعة عامة وكان ذا  طبيعة سياسية،  فإنك تكون قد ساهمت في تبجيل وتشجيع  فعل إرهابي. 
إذا  رفعت شعارات أو علما لمنظمة "إرهابية "فإنك تساهم في دعمها. التوجيه صارم إلى كل المسؤولين القضائيين أن يسهروا على الخطابات العدائية وكل ما يبدو أنه معاد للسامية لاتخاذ الإجراءات الصارمة لقمعها. 
هكذا تعيش فرنسا انحطاطا لا مثيلا له في التعامل مع مأساة إنسانية حقيقية.  فلسطينيون وإسرائيليون  يوجدون في وسط بركان سببه ظلم تاريخي واستمرار في هذا الظلم  طوتشجيع من طرف الغرب على أن تستمر الأزمة إلى أمد بعيد. 
ويظل السؤال هو من خلق العنف في فلسطين ومن مول عصابات الصهيونية خلال الإستعمار البريطاني
ومن سكت عن تهجير الفلسطينيين ومن قتلهم في كفر قاسم  وغيرها من القرى الفلسطينية وتتبعهم في لبنان ليذبحهم في تل الزعتر. 
أيها الغرب، أيتها الدولة الفرنسية التي أصيبت بداء النسيان.  هل احصيتم كم قتل من الأطفال في فلسطين وكم من أراض ومن أشجار الزيتون اقتلعت وكم من مخيمات حرقت وكم  من أمهات حزنت و ماتت  وكم  من أرواح ازهقت وكم من  آمال في غد أفضل اغتصبت. فرنسا أصبحت صغيرة لأنها اختارت أن تصبح حارسا على دوام ظلم غزاة لشعب فلسطين. يارئيس فرنسا اقرأ التاريخ  وكن للعدل أقرب من الظلم. الأهم في ما يجرى  و فيما سيجري هو أن أحفاد من قتلوا في غزة والضفة الغربية والقدس لن ينسون الدفاع عن حقوق اجدادهم.  هذا هو السر الذي لا يمحيه مرور الزمن لأنه رأسمال لا يتراجع مع مرور الزمن.