الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: ما ذنب شباب إقليم قلعة السراغنة حتى  يعدمهم البحر ؟

صافي الدين البدالي: ما ذنب شباب إقليم قلعة السراغنة حتى  يعدمهم البحر ؟ صافي الدين البدالي
لقد ظل إقليم قلعة السراغنة منذ سبعينات القرن  الماضي يتلقى الضربات القوية تلو الأخرى ، ضربات الجفاف التي اغتنى من ورائها كبار التجار من خلال منحهم رخص توزيع الأعلاف على الفلاحين ،واستغلوا مواقعهم ليقوموا ببيعها بالأثمان التي تزيدهم إثراء على حساب الفلاحين الفقراء ، كما اغتنى من وضعية الجفاف رجال سلطة من خلال أوراش الإنعاش الوطني التي لم تكن تخضع لأية رقابة ولا محاسبة، بل كانت مناسبة للكسب غير المشروع لرجال السلطة والأعوان و الأعيان. ويضاف إلى السنوات العجاف ضربات سياسة التدبير العشوائي  ونهب المال العام ، و  الإرتجالية في  تسطير البرامج التي لا تأخذ بعين الإعتبار خصوصية الإقليم و طبيعته وبيئته و حاجيات سكانه وفي مقدمتهم الشباب . بل حتى مشروع الري وإصلاح الأراضي الذي كان سيغير الوضع الإقليمي تم إجهاضه، لما تم تحويل أغلب مياه  السدود التي تحيط به إلى جهات أخرى ،مثل مراكش والدار البيضاء ودكالة،و إلى ضيعات بنواحي مراكش، يمتلكها كبا الدولة.
ومن الضربات الموجعة التي يتلقاها الإقليم هو اقصاءه من الشبكة الوطنية للإستثمار في المجالين الصناعي والسياحي ليظل رهين فلاحة مرتبطة بالتساقطات المطرية ورهين مواسم الزيتون التي لا تستمر إلا خمسة شهورعلى الأكثر. و من الضربات التي أصابت شبابه هو حرمانه من جامعة و من مدارس عليا  تستقبله وتأويه،    وتساهم في تنمية قدراته وتساهم في التنمية البشرية وتطوير الذات والإنفتاح على المستقبل.
ومما زاد الإقليم تأزما هو ما  تخطط له الدولة في الإنتخابات،إذ يبقى الإقليم من الأقاليم  التي تباع فيه المقاعد الجماعية والبرلمانية في واضحة النهار ،لتفرز كل الإنتخابات التي عرفتها البلاد ، جماعات ترابية محلية وإقليمية ، شابها الفساد بكل أشكاله؛ ونهب المال العام واستغلال النفوذ والاغتناء غير المشروع . 
هذا الوضع البئيس جعل شباب الإقليم يهاجر كرها وقهرا بحثا عن لقمة عيش عبر قوارب الموت ،هربا من ضياع العمر ومن الانتظارالقاتل .  فاصبح شباب هذا الإقليم،كما هو الشأن بالنسبة لشباب أقاليم اخرى يعرف نفس التهميش ، طعاما سائغا لحوت البحرين الأطلسي والمتوسط. وتحولت حياة الإقليم الى حداد دائم و خيام العزاء تظل منصوبة لتلقي العزاء و انتظارالجثث التي تلفظها البحار. ومن الأسر من يترقب عودة ابنها حيا أو ميتا. ويبقى البحر هوصاحب القرار . و في هذا السياق تأتي مأساة فقدان 51 مهاجرا ومهاجرة من منطقة العطاوية منذ  ما يزيد على  شهر على مغادرتهم بلدتهم في اتجاه المحيط ليقطعوه عبر قوارب الموت إلى جزر الكناري ،وهو ما وعد به تجار الموت من منظمات سرية  تنشط في الهجرة السرية.  والدولة تغض الطرف على ذلك.هي مأساة لا زالت تعيشها منطقة العطاوية.
إن الهجرة السرية التي اشتهر بها الإقليم،على غرار أقاليم أخرى مثل خريبكة والفقيه بن صالح و بني ملال ،  مردها إلى إخلال  الدولة بواجباتها اتجاه هذا الإقليم الذي لا يخضع المسؤولون فيه إلى المحاسبة والمساءلة ولا تشملهم المتابعات  على الأخطاء الجسيمة التي يقترفونها  في حق شبابه خاصة  ، الذين يعانون تبعات تبديد أموال الجماعات المحلية و المجالس الإقليمية والغرفة المهنية و  تبعات البرامج الفاشلة و عواقب الصراعات السياسوية من أجل الكراسي والمناصب.فالبحر لم يصل الى إقليم قلعة السراغنة حتى يأخذ منه شبابه ، بل الزحف إليه  كان أمرا مفروضا.